سلسلة الأسرة المسلمة (5) قبل الخطبَة – الاستشارة والاستخارة
#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
سلسلة الأسرة المسلمة (5)
قَبْلَ الخِطبَة – الاستشارة والاستخارة
التاريخ: 15/ شعبان/1438هـ
الموافق: 12/ أيار/2017م
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 23 دقيقة
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ الاستشارة لمن وكيف؟
2️⃣ الاستخارة بعد استشارة ظاهرها توافر الصفات التي ندب الشرع لها.
3️⃣ المشعوذين والدجالين والسحرة … في بيوت المسلمين!!
4️⃣ من لا تجوز خِطبتها مطلقا؟!
5️⃣ من تجوز خِطبتها تصريحاً؟
6️⃣ من تجوز خِطبتها تلميحًا لا تصريحاً؟
7️⃣ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا.
8️⃣ الموافقة المبدئية شرطٌ قبل الرؤية.
9️⃣ ضوابط رؤية الخاطب للمخطوبة (تعداد فقط)
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
🔟 دعاء فقط.
رابط الخطبة على الفيسبوك لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة
الحمد لله الذي خلق آدمَ من سلاسة من طين، ثُمَّ جعل نسْلَه من سلالة من ماء مهين، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وهو المنزَّهُ عن الوالِد والولَد وعن الشبيه والنظير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلَق الخلقَ ليعبدوه ويطيعوه ويُوحِّدوه، لا يريد منهم رزقًا ولا يريد منهم أن يُطعِموه، إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيِّدُ الأولين والآخرين، وأكثر الأنبياء أُمَّةً، وأرفعُهم درجة، وأعلاهم رُتبةً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد إخوة الإيمان:
لقائنا بكم يتجدَّد مع خُطبة جديدة في سلسة بناءِ الأسرة المسلمة، وقد كان حديثنا في اللقاء الماضي عن المعايير التي يجب البحث عنها عند اختيار شريك الحياة، رجلًا كان أو امرأة، وحديثنا اليوم عن المرحلة التي تلي ذلك، حديثنا اليوم عن مرحلةِ الخِطبة، عن مرحلة تقدُّم الشابِّ طالبًا الفتاة من وليِّ أمرها، هذه المرحلة التي تحصل فيها مخالفات كبيرةٌ لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ مخالفات يقع فيها الخاطب وتقع فيها المخطوبة ويقع فيها أهل الخاطِب والمخطوبة بل وجيرانهم ومن عَرَفهم … كلُّ أولئك يقعون في أخطاء كثيرةٍ في هذه المرحلة، أخطاءٌ لا تلبث أن تنعكس سلبًا في مرحلة الزواج.
وإذا أردنا أن بدأ الحديث عن الخِطبة، وهي إرسال الشاب أو مفاتحته أولياء أمر المخطوبَة برغبته بأن يكون نسيبهم طالبًا ابنتهم للزواج، هذه الخِطبة – أيها السادة الكرام – تبدأُ عند الصالحين المصلحين أوَّلا باستشارة واستخارةٍ ثمَّ بالتأكُّدٍ من جواز خِطبة المرأة….
أمَّا الاستشارة وسؤال الناس فتكون لمعرفة مقدار تحقق الصفات الحميدة التي تحدَّثنا عنها في اللقاء الماضي، وهذه الاستشارة لابدَّ أن تكون من الطرفين قبل طلب رؤية المخطوبة، تكون من الشاب ومن الفتاة، تكون من أولياء الخاطِب وأولياء المخطوبة، فلابدَّ أوَّلا من السؤال واستشارة الكبار والعقلاء ليعرف أولياء المخطوبَة ما تجب معرفته عن هذا الذي أتى يقرع بابهم، ثمَّ بعد ذلك تكون الاستخارة؛ إذا كان ظاهر الحال يُرضي الله تكون الاستخارة، فالاستخارة لا تكون في المنهي عنه!!
يأتيه الفاسق قليل الدين ليخطِب ابنته، فيقول لك استخرت الله!!
يخطِب من سمعتها سيئةٌ ومعروفة بقلَّة دينها وحيائها، ثمَّ يقول لك أستخير الله!!
الاستخارة أيها الأخ تكون فيما يرضي الله، فيما ظاهره مرضاة الله، تكون فيما ظاهره الالتزام بكتاب الله وسنة رسول الله.
فعلامَ تستخير وما نفع الاستخارة وقد علِمتَ يقينًا بعدم توفر الصفات التي دلَّك الشرع للبحث عنها؟!
علامَ تبدأ بالمخالفة، ثمَّ تبكي على فُقدان التوفيق؟!!
لابدَّ من البحث عن الصفات المندوبة شرعًا، ثمَّ تكون الاستخارة أخا الإيمان …
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّمُ أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السورة من القرآن… وإذا كانت الاستخارة في دقيقِ الأمور، فكيف بمثل هذا الأمر الذي تتوقف عليه حياة الإنسان وسعادته أو شقاوته بعد الزواج؟!
لذلك لابدَّ من الاستخارة، وهي ركعتان تُتبعهما بدعاء أن يُلهِمك الله الصواب وأن يُعينك على حسن الاختيار، ولا تنتظر – أخا الإيمان – كما يتوهَّم البعض أن ترى رؤية أو منامًا أو غير ذلك، فلا يُشترط ذلك ولا يُنتَظر، فإذا كان الأمر مرْضِيًّا موافقًا للشرع ولهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أقدِم إذا انشرح صدرُك لذلك، فإذا كان خيرًا يسَّرَه الله، وإن كان غير ذلك صرفه الله عنك صرفًا يسيرًا.
ومن الطوامِّ الخطيرة أيها الأحبَّة في موضوع الاستخارة والاستشارة، أنَّ بعض الفتيات والشباب يستبدلون الاستخارة الشرعية التي ندَب إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيستعيضون عنها بالذهاب إلى المشعوذين والدجَّالين من السحرة والعرَّافين لمعرفة نجمِ الخاطب وحظه وسعدِه وبختِهِ كما يدَّعون!! وكأنَّ هذا المشعوذ يعلمُ الغيب والعياذُ بالله؟!!
فتراهم يُطيعون نصيحة العرَّاف، فإذا نصحهم بالإقدام على الزواج أقدموا، وإذا نصحهم بالإحجام أحجموا، والمصيبة أن هذا في زماننا غدا مُيسَّرا حتى للنساء في بيوتهن؛ عبر مواقع الإنترنت، وعبر قنوات الدجل التي تضع أرقام الهواتف!!
دجل وشعوذة وكذب وافتراء على الله، يستبدلها هذا الخاطب الذي يريد الخير يستبدل بها ما أتاه من وصايا من النبي = صلى الله عليه وسلم – وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود في سننه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)).
وفيما رواه مسلمٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن أتى عرَّافا فسأله عن شيء فصدَّقهُ، لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين يوما»… ثمَّ نجد بعض الجهلة في مجتمعنا بعض النساء يذهبن إلى العرَّافات أو من يدَّعين معرفة الطالع ممن يضربن بالرمل ويقرأن بالفنجان وما في ذلك من الكفر والشرك والعياذ بالله.
أيها السادة الكرام، ما زال الحديث عن الخِطبة، وما زال الحديث عن الخطوات الأولى، عن الاستشارة والاستخارة، وهنا لابدَّ أن ننبه لأمرٍ مهم يجب أن يتبيَّنه الإنسان، قبل السعي بالخِطبة، وهو أن تكون المرأة ممن تجوز خِطبتهنّ، وليس المقصود فقط أن لا تكون محرَّمةً على الرجل، وهذا طبعا مما يجب التأكد منه قبل السعي بالخِطبة؛ وبالذات في الأسر التي يكثِر الرضَاع فيما بينها، ولكن ليس هذا مقصودنا فحسب في عبارة: أن تكون المرأة ممن تجوز خطبتهنَّ… فهناك حالات أخرى تمنع الخِطبة، وحكم الخِطبة يختلف باختلاف حال المرأة؛ فإذا كانت غير متزوجةٍ ولا معتدَّةٍ ولا مخطوبَةٍ وليس بها مانعٌ من موانع النكاح جازت خطبتها تصريحاً وتعريضا (أي تصريحاً وتلميحًا)، أما المتزوجة والمخطوبة فلا يجوز أن تُخطب، وكذلك من قام بها مانع من موانع النكاح ( كالكُفرِ مثلًا)، لأن الخِطبة مقدمة لذلك، وإذا كان النكاح ممنوعاً من امرأة معينة فكذلك خطبتها.
أمَّا المتزوِّجة؛ فلا يُغري متزوِّجةً بأنه سيخطِبها إن تركت زوجها، ولا يفعل ذلك إلّا فاجرٌ فاسقٌ عديم الشرف من شياطين الإنس عديم الشرف والكرامة… يغري امرأة متزوجة بأنها إن تركت زوجها سيخطبها!!
وأمَّا المخطوبة للغير فلا تحلُّ خِطبتها لما رواه الإمام مسلمٌ وغيره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((المُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ، فَلاَ يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أخِيهِ وَلاَ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ حَتَّى يذَرَ)). أي حتى يترك الخاطِب الأوَّل ويُعرِض عن طيب خاطرٍ، لا عن ضغطٍ وتهديدٍ، كما يفعل الزعران والمجرمون الذين لا يجدون من يؤدِّبهم ولا من يردعهم.
ويحرُم التصريح بخِطبة المعتدة من وفاة أو من طلاق رجعيٍ أو من طلاق بائن، فالمعتدَّة من طلاق رجعيٍّ (طلقها زوجها مرة واحدة أو طلقتين ولم تنتهي عدتها بعد) زوجها فقط أحقُّ بها، وهو وحده من له أن يخطِبَها ما لم تنقضي عِدَّتها، فإن انقضت عدتها جاز للخُطَّاب أن يخطبوها، فالأصل في شرعنا العظيم السعي في الإصلاح ومداواة الجروح وبناء البيوت لا خرب البيوت وتدميرها وتشتيتُ شملها.
أما المعتدة من وفاة الزوج، قد يقول قائل لماذا لا يجوز أن أخطب معتدة من الوفاة وقد مات زوجها؟!
العدة أيها الأحبة – عدة الوفاة – عدتها حقٌّ للزوج المتوفى لا يجوز أن تُطلب فيها المرأة ولا يعقد فيها عقد ولا من مقدمات العقد شيء من الخطبة كأن يقول لها: (سأتزوجك بعد انتهاء عدتك).
نعم أيها الأحبة، مُعتدة الوفاة وكذلك مُعتدَّة الطلاق البائن (كمن طلقها زوجها ثلاث طلقات فلم تعد تحلُّ له حتى تنكِح زوجًا غيره) لا يجوز التصريح لها بالخطبة في عدتها، هذه العدة حق للزوج وحزن على فراق الزوج، وحزن على خراب البيت.
ولكنَّ الشرع استثنى في المتوفاة والمطلقة طلاقا بائنا (كمن طلقها زوجها ثلاث طلقات أو طلَّقها على عوض كأن دفعت له مالا كي يُطلقها أو أنها بانت عنه بفسخ قاضٍ فسخ لدعوى قدمتها المرأة أو الرجل) هذه التي بانت عنه ولم تعد مُطلقة طلاقا رجعيا وهي في العدة استثنى الشرع أمرا، وهو أنه يجوز التلميح لها أو لوليها تلميحًا بالخطبة، قوله تعالى: ((وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)) [البقرة:235]
فالمطلقة أيَّها الأحبة وإن كان طلاقها بائنا وإن فسخ عقدها وإن طلقت لعوض وإن كانت معتدة لوفاة لا يجوز التصريح بخطبتها إلا تلميحا كأن يقول لوليها مثلاً، (إذا انقضت عدتها فأخبرونا) ، (إن شاء الله، الله بيجبر بخاطرها) … وغير ذلك مما فيه تلميحٌ لا تصريح.
فإذا كانت المرأة ممن تجوز خِطبتهنَّ، وتشجَّع الرجل على خِطبتها بعد استشارة واستخارة، عندها يكون الإقدام، يكون الإقدام على الخِطبة بدخول البيت من بابه، قال تعالى: (( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [البقرة:189].
فمن أراد البرَّ والتقى والخير حقًّا، أتى البيت من بابه، وطلب المرأة من وليِّها، وطلب النظر إليها النظر الشرعي بحضور الوليِّ، وليس للوليِّ أن يمنع الخاطِب من أن يراها كما كان يفعل بعض الجهلة، يزوجون المرأة دون أن يراها الخاطِب، مخالفين بذلك أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما قال : ((اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا)) أي: يوفِّق ويؤلِّف، وتحدث بينكما المحبة والمودة إن تزوجتها عن رغبة. [والحديث صحيح أخرجه ابن ماجه] …
ولعلَّ من أعجب ما سمعت أن يمنع الرجل الخاطِب من رؤية ابنته الرؤية الشرعية بحضرة وليِّها، وابنته تجول في الأسواق كاشفة الوجه بنصف حجاب يظهر مفاتن جسدها!! وتراه يقول: عُرفنا لا يُناسب أن يأتي الخاطِب لرؤية بنتنا!! … وكأنّه يقول للرجل اذهب لترى ابنتي في الطريق وفي الشارع ولا تدخل البيت من بابه… وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
ومثله أيضًا، من ظاهرهم التديُّن وإنما هي عاداةٌ وتقاليد ورثوها عن أبائهم وأجدادهم، فلا يفرِّقون بين حلالٍ وحرام… فيكون ذلك سببا للشرور والفساد والنفور لاحقًا.
وإن كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أوصى وأمر برؤية المخطوبة فلابدَّ أن تعلم أن لذلك، ضوابط لابدَّ من الالتزام بها ( لكي لا نقع في شرِّ التفريط كما وقع البعض في شرِّ الإفراط، ولعلَّ هذا التفريط وهذا الاستهتار هو الغالب على زماننا).
أما ضوابط نظر الخاطب لمخطوبته ونظرها له وحديثه معها وحديثها معه فأوَّلها أن يكون ذلك بعد موافقةٍ مبدئيةٍ عمَّا بلغه عنهم وبلغهم عنه، وتكون الرؤية بحضور محرَم الفتاة، وأن يكون ذلك دون الخلوة بها، من غير تدليسٍ ولا غشٍّ ( من الخاطِب أو المخطوبة)، وأن يرى منها مقدار ما سمح الشرع به، وسنفصِّل الحديث عن ذلك – إن شاء الله – واحدةً واحدة في اللقاء القادِم … نفعنا الله وإياكم بما سمعنا، وجعلنا وإياكم ممن يلتزمون هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في كلِّ شؤون حياتهم … أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.