ليلة النصف من شعبان وما جاء فيها
لتحميل البحث بصيغة PDFأولاً- ما ورد في فضلها في القرآن الكريم:
قال تعالى في مستهل سورة الدخان: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان:1-4]
جماهير المفسرين على أن الليلة المباركة المذكورة في الآية هي ليلة القدر، ولكن رُوي عن عكرمة – أحدِ التابعين- أنها ليلة النصف من شعبان، وقد ردَّ كبارُ المفسرين هذا الرأي لأنه يتناقض مع قوله تعالى:
” إنّا أنزلناه في ليلة القدر ”
قال الطبري: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهَا لَيْلَةَ الْقَدر.
وقال ابن كثير: ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان -كما روي عن عكرمة – فقد أبعد النُّجعة فإنَّ نصَّ القرآن أنَّها في رمضان . والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح ، عن اللّيث ، عن عُقيل عن الزهريّ: أخبرني عثمان ابنُ محمدِ بنِ المغيرةِ بنِ الأخنسِ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ” تُقطع الآجالُ من شعبانَ إلى شعبانَ ، حتّى إنَّ الرجلَ لَينكِح ويُولَد له، وقد أُخرج اسمه في الموتى “فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص.
وقال ابن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن (ج4 ص117):
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ الْقَاطِعِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ نُزُولِهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْ زَمَانِيَّةِ اللَّيْلِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لَا فِي فَضْلِهَا، وَلَا فِي نَسْخِ الْآجَالِ فِيهَا، فَلَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهَا.
ثانياً – ما ورد في فضلها في السُنَّة النبويَّة الشريفة:
* حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَطَّلِعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ، وَقَاتِلِ نَفْسٍ ”
رواه الإمام أحمد في مسنده ٦٦٤٢ وابن ماجة ١٣٩٠ ورواه ابن حبان 1980 عن معاذ ابن جبل كما روي عن أبي ثعلبة الخشني وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأبي بكر الصديق وعوف ابن مالك وعائشة. ولهذا فقد اختلف في هذا الحديث اختلافاً كثيراً؛ فمن العلماء من صححه أو حسنه بسبب تعدد طرقه وشواهده وممن قَوَّى الحديث: ابنُ حِبّان ، والمنذري في الترغيب والترهيب، وصحح الحديث أخيراً : العلامة الألباني – رحمه الله – والأرناؤوط في تحقيق المسند ومنهم من ضعفه لأن هذه الشواهد والطرق لا تخلوا من مطعون في عدالته ولا تخلوا من العلل القادحة، فهي وإن تعددت لا تتقوى لأنها شديدة الضعف، وممن ضعفوا الحديث من جميع وجوهه، العقيلي في الضعفاء ( ترجمة : عبدالملك بن عبدالملك 3/789) ، وابن الجوزي كما في العلل المتناهية ( رقم 915-924) ، وأبو بكر ابن العربي ( أحكام القرآن 4/1690) وأقره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/128).
بل قال أبو الخطاب ابن دحية : ” قال أهل التعديل والتجريح : ليس في حديث النصف من شعبان حديث يصح ” . ( الباعث لأبي شامة : 127) .
* حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
” إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ”
رواه ابن ماجه ١٣٨، فيه ابن أبي سبرة رموه بالوضع كما في ” التقريب ” . وقال البوصيري في “الزوائد”:” إسناده ضعيف لضعف ابن أبي سبرة، واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة . قال فيه أحمد بن حنبل وابن معين : يضع الحديث ” … ولهذا قال عنه الألباني في السلسلة2132: موضوع السند، وقال الارناؤوط: إسناده تالف بمرة.
* حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ، فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» قَالَتْ: قَدْ قُلْتُ، وَمَا بِي ذَلِكَ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ»
رواه احمد ٢٦٠١٨ الترمذي ٧٤٩ ابن ماجه ١٣٨٩
قال الترمذي: سمعت محمدا -يعني البخاري-يضعف هذا الحديث ن وقال: يحيى ابن أبي كثير لم يسمع من عروة والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى ابن أبي كثير ولهذا قال عنه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب 1247 ضعيف جداً وقال عنه الأرناؤوط في تحقيق المسند: إسناده ضعيف.
* ( تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ).
أخرجه الطبري في “التفسير” ( 25/ 65. )، والبيهقي في ” شعب الإيمان ” ( 3/ 386/ 3839 ) وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة برقم 6607 وقال عنه منكر وسبق قول ابن كثير عن هذا الحديث: ” هو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص “.
وهناك أحاديث أخرى ذكرها العلماء في كتب الموضوعات فأغنى تخريجها عن ذكرها في هذه المقالة السريعة والله الموفق
ثالثاً: من أقوال العلماء في ليلة النصف من شعبان وفي بعض الأعمال فيها:
* قال النووي رحمه الله في المجموع (ج٤ ص 56) مُبيِّناً بدعية صلاة الرغائب في النصف من شعبان: الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ بصلاة الرغائب وهي ثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً تُصَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ فِي رَجَبٍ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَهَاتَانِ الصَّلَاتَانِ بِدْعَتَانِ وَمُنْكَرَانِ قَبِيحَتَانِ وَلَا يُغْتَرُّ بِذَكَرِهِمَا فِي كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ وَإِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يُغْتَرُّ بِبَعْضِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَنَّفَ وَرَقَاتٍ فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فَإِنَّهُ غَالِطٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الرحمن بن اسمعيل الْمَقْدِسِيُّ كِتَابًا نَفِيسًا فِي إبْطَالِهِمَا فَأَحْسَنَ فِيهِ وَأَجَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
* وقَالَ إمامنا الشَّافِعِيُّ في الأم (ج١ ص٢٦٤) ذاكراً قبول الدعاء فيها: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ:
إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى، وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ .
* وأما العلَّامة ابن رجب الحنبلي فإنه قد توسع في هذا الموضوع في كتابه الماتع لطائف المعارف (ج١ ص١٣٦) واقتطفنا منه هذه اللفتات الجميلات:
وأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه ففي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر” وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه ومن أمثلها حديث عائشة ….._ ثم ذكر نحواً من الأحاديث التي ذكرناها أعلاه ثم قال رحمه الله _ وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف ويروى عن نوف البكالي أن عليًّا خرج ليلة النصف من شعبان فأكثر الخروج فيها ينظر إلى السماء فقال: إن داود عليه السلام خرج ذات ليلة في مثل هذه الساعة فنظر إلى السماء فقال إن هذه الساعة ما دعا الله أحد إلا أجابه ولا استغفره أحد من هذه الليلة إلا غفر له ما لم يكن عشارا أو ساحرا أو شاعرا أو كاهنا أو عريفا أو شرطيا أو جابيا أو صاحب كوبة أو غرطبة قال نوف: الكوبة الطبل والغرطبة: الطنبور اللهم رب داود اغفر لمن دعاك في هذه الليلة ولمن استغفرك فيها.
وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها وقد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم وافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة.
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ووافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إلى البصرة عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة إفراغا أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الأضحى وفي صحته عنه نظر.
* وفي كتاب الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي المالكي المتوفى سنة ٥٢٠ هـ (ج١ ص ١٣٠):
عن زيد بن أسلم؛ قال: ” ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها “.
وقيل لابن أبي مليكة: إن زيادا النميري يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر. فقال: ” لوسمعته وبيدي عصا؛ لضربته “؛ وكان زياد قاصا.
* وقد نقل الشيخ أبو شامة المقدسي هذا الكلام في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث (ج١ ص ٣٥) وأقرَّه.
* وقال ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم (ج٢ ص١٣٦):
ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة. ومن العلماء: من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف، من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: «إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب» وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم -على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن. وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر،
فأما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزينة، هو من المواسم المحدثة المبتدعة، التي لا أصل لها.
وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف، من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدروب والأسواق. فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد، وقدر من القراءة لم يشرع، مكروه. فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه، ولو سوِّغ أن كل ليلة لها نوع فضل، تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها، لكان يفعل مثل هذه الصلاة – أو أزيد أو أنقص – ليلتي العيدين، وليلة عرفة.
* وفي [لقاءات الباب المفتوح] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يُسَنُّ للإنسان أن يُخصِّصَ يوم النصف من شعبان بالصيام.
لكن من كان يقوم كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام. انتهى
خلاصة البحث مفردة في الصفحة التالية
الخلاصة
1- الخلاف في فضيلة ليلة النصف من شعبان خلاف قائم بين الفقهاء بناءً على اختلاف المُحَدِّثين في تصحيح أحاديث فضلها فلا يجوز الإنكار على أيٍّ من الفريقين والرأيين، ونحن نميل إلى القول بفضيلة هذا اليوم وليلته.
2- إفرادها بالصوم وتخصيصها بالقيام غير مشروع؛ لأنه لم يرد إلا في حديث ضعيف جداً على أقل تقدير، وفضيلة اليوم لا تدل على مشروعية تخصيصه بصوم، فالأصل في العبادات المنع حتى يثبت العكس، ولو كان خيراً لسبقنا السلف إليه، ومع ذلك فلا يجوز الإنكار على من يصومه أو يقوم ليلته لورود ذلك عن بعض السلف كما ذكر ابن تيمية وابن رجب، وبالمقابل لا يُنكِرُ المُثبِت على النافي.
قال ابن كثير في تفسيره عند تفسير قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]:
” وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ”
3- تحري ليلتها بالدعاء لا بأس به لورود ذلك عن السلف كما نصّ عليه الإمام الشافعي في الأم.
4- اتخاذ هذه الليلة موسماً وتحريها بصلاة مخصوصة كصلاة الرغائب، أو الوعظ، أو الزينة والطعام، ولا سيِّما إذا كان طعاماً مخصوصاً فهذا من البدع المنكرة التي نصّ العلماء على إنكارها، كما سبق.
تـنـبـيه:
من العجب في هذه الأيام أن يحتج بعض من يحسبون أنفسهم من طلبة علم بقاعدة:
” الأصل في الأشياء الإباحة ” على مشروعية ما ذكر سابقاً في ليلة النصف من شعبان!! وكأنَّ من سبقه من العلماء لا يعلمون هذه القاعدة، ولو كان هذا الكاتب طالب علمٍ لعلِم أنَّ هذه القاعدة مذكورة في باب الأطعمة ونحوها وليس في باب العبادات والقربات.
قال ابن حجر في فتح الباري (ج3 ص54) : ” الأصل في العبادة التوقف ” وقال في (ج2 ص80):
” التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى ”
وقد ذكر الدكتور محمد الزحيلي قاعدة ” الأصل في العبادات الحظر، وفي العادات الإباحة ” (برقم 201 ج2 ص 769) من كتابه القيّم القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب وذكر لهذه القاعدة ألفاظاً أخرى وهي: الأصل في العبادات التوقيف، الأصل في العبادات البطلان.