الخطبة الأولى:
الحمد لله معزِّ الإسلام بنصره مذلِّ الكفر بقهره القويُّ على عباده فلا يدافع الظَّاهر عليهم فلا يمانع نحمده جلَّت قدرته وعزَّ سلطانه ونعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيد الأولين والآخرين سيدنا محمَّد نشهد أنه بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمّة وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمقتضاها فقد أفلح وفاز فوزا عظيما وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك تلك البيضاء التي بيّنت طريق المؤمنين الصادقين المجاهدين وفضحت سبل الجاهلين والبغاة والمرتدين فصلوات ربي وسلامه على هذا النبي الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الغرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : قال الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23)
لعلنا جميعا فجعنا بخبر استشهاد الأخ أبي عمير أمير أحرار الشام بحلب ذلك الرجلُ الذي ما عرفناه إلا قريبا حبيبا لإخوانه المجاهدين ، ما عرفناه فيما شهدنا -ولا نزكي على الله أحداً من خلقه- إلا ذا حكمة وعلم وبصيرة وخبرة كيف لا؟؟ وهو المجاهد الذي خاض غمار الثورة الإسلامية الأولى في سوريا في ثمانينيات القرن العشرين ومن ثُمّ هاجر في سبيل الله للجهاد في شتى أصقاع الأرض وسجن وأوذي في الله حتى قامت الثورة السورية على طاغية الشام فكان فيها عَلَمَا حتى لقي الله بأيدي أولئك البغاة المجرمين مغسولي العقول الذين وصفهم رسول الله فقال (قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ)
لكن في استهداف أخينا ومقتله دروساً وعبر لا بدً لكل عاقل أن يتعظ منها ورسول الله يقول: (( لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ )) . متفق عليه
أفنبقى مغفلين سذج وأمم الكفر قاطبة على ما بينها من خلاف وتنافس وفرقة تحيك المؤامرات للمسلمين:
والكفر أهلوه جميعا ملة — مهما تعادوا هم على قومي يد
ولهذا كان شأن أعداء المسلمين وعملائهم في كلٍّ زمان أن يستهدفوا قادة المسلمين وحكماءهم لخشيتهم وخوفهم منهم قال تعالى: ( لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) ولعل هذا ديدنهم منذ بعثة سيدنا محمد فكم وكم حاولوا قتله كم وكم حاول المنافقون ضعضعة دولة الإسلام بعده بقتال أبي بكر وافتعال الفتن وهو رضي عنه علم دواءهم فقاتلهم عن بكرة أبيهم ثم لما اشتدّ عود دولة الإسلام كان لابد من ضرب قياداتها فقَتَل أبو لؤلؤة المجوسي سيدنا عمر وهو قائم يصلي بالناس الفجر وكان أبو لؤلؤة فارسياً أتي به أسيرا بعد فتح فارس ثمّ في زمن عثمان وعلي ظهر الطابور الخامس بقوة فظهر المنافقون الذين أظهروا الاسلام وأبطنوا الكفر فخرج ابن سبأ اليهودي الملقَّب بابن السوداء فحرض الجهلة والسفهاء والمغرّر بهم فقتلوا سيدنا عثمان في داره وهو يقرأ القرآن ثم أوقدوا نار الفتنة بين معاوية وعلي رضي الله عنهما لإضعاف دولة الإسلام والله تعالى يقول (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ثمّ ما لبث أن ظهر الخوارج الغلاة فتابعوا مسيرة التغرير بالجهلة والرعاع وإصدار أحكام التكفير والردّة بغير مستندٍ شرعي من كتاب ولا سنة ولا بفهم السلف الصالح حتى أقدم مجرمهم على قتل سيدنا علي وفشِل الذي حاول قتل معاوية وقد أفهمهم ساداتهم من المجرمين أنهم يتقربون إلى الله بهذا الفعل (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف:103-105)
إخوة الإسلام والإيمان والعقيدة لو شئنا أن نعد أو أن نذكر ما حاول به الكفرة المجرمون على مر التاريخ من استهداف لقيادات المسلمين لما وسعنا اليوم ولا غد ولكنا نستعرض أمثلة قديمة وحديثة فالأمر لم يهدأ ولم يستتب بعد الصحابة بل كان هذا شأن الكفرة في شتى دويلات الإسلام وصولا آخر الأمر إلى سلاطين دولة بني عثمان ومن ثمّ في مطلع القرن العشرين كان دعاة الإسلام ودعاة الحق يستهدفون في كل مكان وزمان فما إن ظهر الإمام حسن البنا رحمه الله في مصر إمام المجددين وداعية المسلمين في القرن العشرين أول من دعا إلى إقامة جماعة تسعى لإقامة الخلافة الإسلامية ما كان من إنكلترا إلا أن أرسلت عملاءها فقتلوه وهو في العقد الرابع من عمره وكذلك كان شأن دول الكفر والإجرام التي حكمت بلادنا فكم وكم قتل في دول المسلمين عامة وفي دول العرب خاصة من مفكرين وعلماء ودعاة وحكماء قتلهم أولئك المجرمون الذين تصدروا للسلطة قتلوهم لأنهم كانوا يعرفون خطر النُّخب والقادة وأصحاب العقول
أما رأينا كيف استهدف الكيان الصهيوني الشيخ أحمد ياسين رحمه الله وهو في ظاهر الأمر عجوز ضعيف مشلول لكنه كان قائدا ذا حكمة وعقل وروية وكان سلكا جامعا أرسلوا له طائرة استهدفته وقتلته أما قال القائل أما سأل السائل لم يقتل رجل عجوز مشرف على الموت قعيد في كرسيه أما استهدف الكيان الصهيوني قيادات حماس جميعا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الإمام جُنَّةٌ يقاتل من ورائه يتقى به
الإمام جنة القائد الحكيم الخبير جنة أي يحفظ قومه ويحفظ جنده ويحفظ من معه يحفظهم من جور عدوهم ويحفظهم من بغي بعضهم على بعض ويكون سلكا جامعا يوحد كلمتهم ويشد أزرهم فالإمام جُنَّةٌ يقاتل من ورائه يتقى به لهذا كان استهداف القادة والنخب والكوادر نسأل الله عز وجل أن يتقبل شهداءنا وأن يرحم قاداتنا
عرفت وجربت الأمور فما أرى — كماض تلاه الغابر المتأخر
ولكن أهل الفضل من أهل نعمتي — يمرون أسلافا أمامي وأغبر
فإن أبكه أعذر وإن أغلب الأسى — بصبر فمثلي عندما اشتد يصبر
أيقظني الله وإياكم من رقدة الغافلين، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين. قال الله تعالى وهو أحكم القائلين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على عبده الذي اصطفى عباد الله نحن عندما نتحدث عن أهمية دور القادة وخطورة مكانتهم وأنّهم في كل زمان ومكان مستهدفون فلا بد لنا كمسلمين أن نسعى لحلٍّ هذه المشكلة وأن نفوِّت على أعدائنا إمكانية ضرب القوى والمؤسسات والتنظيمات والدول باستهداف القادة ، ولعلّ هذا الذي مكن الأخوة في حماس من الصمود في وجه العدو الصهيوني ذلك بأنّ تلك الحركة الإسلامية كانت قد عملت على تربية وتعليم وتدريب أجيال وأجيال من القادة وهذا ما حدّث عنه رسول الله فيما صح عنه مما رواه البزار والبيهقي عندما قال موجها: ” يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”
فلا حلّ إذا إلا بصناعة وتطوير أجيال من القيادات والكوادر ببذل خلاصة علم وتجربة السابقين لهم فيكونوا على أهبة الاستعداد وفي موضع المسؤولية والتدريب وبإشراف مباشر من القادة وأهل العلم والخبرة لكي نبقى أشداء أعزاء لا ننتظر عون وخبرة عدونا الذي لن ينصح لنا بخير ولهذا كان اهتمام رسول الله وهو خير القادة بصناعة النخب والكوادر فوجه أصحابه لتعلم ما يُحتاج إليه في دولة الإسلام فأمر بعضهم بتعلّم اللغات وابتعث بعضهم إلى اليمن لتعلم صناعة المنجنيق والدبابات التي كانت في عصره والأحاديث في هذا صحيحة ومستفيضة هكذا كان قائد القادات وسيد السادات يهيء لدولة الحق والعدل لتكون دولة عِلم وقوة
وختاماً فإننا ننصح الأخوة المجاهدين عامة بالنصائح التالية:
1- الأخذ بالأسباب الممكنة لحماية القيادات والنُّخب واتخاذ التدابير الأمنية الكفيلة بذلك.
2- ضرورة إدراك أنّ حربنا طويلة الأمد وأنّه يجب أن نتنبَّه لخطورة استنزاف القيادات والكوادر وضرورة العمل على زيادة عددهم وتطويرهم بشكل دائم.
3- تشكيل لجنة علمية تعمل على اختيار مناهج تطوير وتعليم للقيادات والكوادر (العسكرية والسياسية والإدارية والشرعية)
4- البدء بعملية فرز نوعية للعناصر واختيار المناسب منهم لدورات القيادات والكوادر بمختلف الاختصاصات.
5-التأكيد على أهمية أن تطال دورات التطوير القيادات والكوادر الحالية صاحبة القرار (فهذه الثورة اليتيمة الفقيرة بالنخب ابتلي فيها كثير من الأخوة بأن يكونوا في موضع صنع القرار وهم أولي بضاعة مزجاة في العلم والخبرة وهذا لا ينتقص من مكانتهم وقد قال صلى الله عليه وسلم (من ابتلي بها أعين عليها ومن سألها وكل إليها) لذا وجب اعانة أولئك الإخوة وتطويرهم ووجب عليهم أن يتعلموا لكي يخلصوا النصح للمسلمين لذا فقد نقل عن سيدنا عمر قوله: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا.
6-العمل على الاستفادة من خبرات بعض الإخوة المهاجرين بعد البحث والاستقصاء عنهم، وجذبهم واحتوائهم لكيلا يتمّ استقطابهم من جماعات الخوارج علماً أن نسبة كبيرة من الإخوة المهاجرين لأرض سوريا لا يحملون هذا الفكر وقد كانوا خير عونٍ لنا بخبراتهم وقدراتهم.
7-ضرورة إيجاد حلٍّ سريع لمشكلة تنظيم البغدادي يتضمَّن عملية تعريةٍ لفكرهم ومنهجهم ، بُغية تخليص المغرَّرِ بهم والجاهلين من أبناء وطننا ولعلَّ هذا يقع بشكل مباشر على عاتق الدُّعاة والعلماء الذين لابدّ من زيادة أعدادهم وتطويرهم ليكونوا على قدر المسؤولية، بالإضافة لضرورة ضرب معاقل ذلك التنظيم وتحريرها عسكرياً وإنهاء نقاط تجمُّعه.
8-لابدّ لكلِّ غيور على وطنه ودينه من المساهمة في ملاحقة الطابور الخامس من عملاء النظام والمخرّبين داخل الثورة أو باسمها.
نسأل الله عز وجل أن نكون ممن يسمعون الكلام فيتبعون أحسنه
إني داع فأمنوا