سلسلة الأسرة المسلمة (3) – عوائق في طريق مُبتغي العفاف
#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
سلسلة الأسرة المسلمة (3)
عوائق في طريق مُبتغي العفاف
التاريخ: 1/ شعبان/1438هـ
الموافق: 28/ نيسان/2017م
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 27 دقيقة
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ الأحلام الوردية وانتظار فتى أو فتاة الأحلام.
2⃣ تأخر البنات بالزواج بحجة اكمال الدراسات العليا ومزاحمة الرجال على المناصب.
3⃣ عضل الآباء للبنات وأسبابه.
4⃣ الظلم الاجتماعي بعضل الشباب كما البنات!!
5⃣ المغالاة بالمهور.
6️⃣ اكراه الشباب والبنات على الزواج ممن لا يرغبون وتبعاتُ ذلك.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة
الحمد لله الذي خلق آدمَ من سلاسة من طين، ثم جعل نسْلَه من سلالة من ماء مهين، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وهو المنزَّهُ عن الوالِد والولد وعن الشبيه والنظير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلَق الخلقَ ليعبدوه ويطيعوه ويُوحِّدوه، لا يريد منهم رزقًا ولا يريد منهم أن يُطعِموه، إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيِّدُ الأولين والآخرين، وأكثر الأنبياء أُمَّةً، وأرفعُهم درجة، وأعلاهم رُتبةً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد إخوة الإيمان:
لقائنا بكم يتجدَّد مع خطبة جديدة في سلسة بناء الأسرة المسلمة، وقد كان حديثنا في اللقاء الماضي عن التشجيع على الزواج المبكِّر للشباب والشابات وعن الفوائد العظيمة المرجوة من ذلك على صعيد الفرد والمجتمع والدولة المسلمة.
وقد بيَّنا في اللقاء الماضي – أيها الأحبة – نهي النبي عن تأخير الزواج، وعن التبتل (أي عن عدِم الزواج) ولو كان ذلك بقصد التفرُّغ والانقطاع للعبادة. ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – ، قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا وَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَقدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ. قَالَ أحدُهُم: أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً. وَقالَ الآخَرُ: وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ. وَقالَ الآخر: وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَداً. فجاء رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فَقَالَ: (( أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))
فمن رغِبَ عن سنَّة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في المسارعة إلى الزواج متى أمكنه ذلك فليس من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن رغِب عن سنَّةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- في تزويج البنت متى أتاها الكُفءُ وفي إعانة الشاب على الزواج، فليس من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد خالف سنته …
و مازال حديثنا – أيها السادة – عن هذا الموضوع، واليوم سنتطرق إلى العقبات التي تقف في وجه من يُريد أن يعُفَّ نفسه من الشباب؛ إذ أنَّ هذا الأمر الربَّاني بالسعيِ لتزويج الشباب والشابات، وهذا النهيُ النبويُّ عن تأخير الزواجِ والتبتُّل، يُقابل بعقباتٍ كثيرةٍ في مجتمعنا، عقباتٌ تقف في وجه من يُريد أن يُحصِّن نفسه بسياج العِفَّة، عقباتٌ مردُّها إلى عاداتٍ اجتماعيةٍ سلبيَّة تحملُ في طيَّاتها مخالفاتٍ شرعيَّة.
عاداتٌ ومخالفاتٌ اجتمعت لتكون عقبةً كؤود في وجهِ مُبتغي العفاف من شبابنا، حتى غدا الشابُ في مجتمعنا يتزوج في كثيرٍ من الأحيان وقد تجاوز الثلاثين، بينما كان آباؤنا يتزوجون في أول العِشرين، فانعكس هذا التأخر في سنِّ الزواج على بناتنا أيضًا، حتى فشَتِ العنوسة بين النساء، وفشا الحرام بين الناس!!
نعم أيها الأحبَّة، فشا الحرام بين الناس، كيف لا؟! وقد اكتفى البعض بالخليلات عن الحليلات، وبالصاحبات عن الزوجات، وتقلَّب الناس فيما حرَّم الله، وما ذاك إلا نتيجةَ هذه العادات السلبية التي سنفصِّل الحديث عن بعضها اليوم.
ولعلَّ البعض قد يبرِّر لهذا الواقِع، يُبرِّر لتأخير سنِّ الزواج، يبرِّرُ بتغيُّر الظروف والأزمان، يروِّج أسبابًا قد تبدو للوهلة الأولى أسبابًا واقعيَّةً مُقنِعة، ولكنها في الحقيقة لا تعدو شيئا لو تعاون الناس على البر والتقوى … ولكنَّها في الحقيقة لا تعدوا شيئًا لو التزم الناس سنَّة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأعانوا الشباب والشابَّت على العفاف.
لو أردنا أن نسرد هذه الأسباب سنرى أنَّ كثيرًا من الشباب والشابات يتأخر زواجهم أو يعزِفون عن الزواج بحجّة إكمال الدراسة الأكاديمية، أو بحُجَّة البحث عن الأميرة الخيالية أو فارسِ الأحلامِ الورديَّة، يتأخر البعض عن الزواج بحُجَّة التفرُّغ لتأمين المستقبل من الناحية المادية، يتأخر البعض عن الزواج لمغالات الناس بالمهور وللطلبات غير الواقعيَّة، تتأخر بعض البنات بالزواج لعضل الأولياء وعدم تزويجهم لبناتهم مع تقدُم الكُفءِ صاحب الدين، يتأخر البعض بالزواج بسبب إكراه الأولياءِ الشبابَ أو البناتِ على الزواج ممن لا يريدون، يتأخر البعض بالزواج لظنِّهم بأنَّهم غير قادرين على تكوين الحياة الزوجية الأسَرية، أو لما تعلمه الناس في التلفزيونات مما يُنشر عن الثقافة الغربية القائمة على عدم تحمُّل المسؤولية الأسريَّة …
أسبابٌ كثيرةٌ – أيها السادة – تقف في وجه مبتغي العفاف، أسبابٌ كثيرةٌ كانت عونًا على نشر الفساد والرذيلة في المجتمع، أسبابٌ ورد التحذير منها والنهيُ عنها في كتاب الله وفي سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا أردنا أن نفصِّل قليلًا فيما قُلنا، فلنبدأ بما ذكرنا أوَّلا مما نراه من عزوف بعض الفتيات عن الزواج بحجة إكمال الدراسات العليا، أو أخذ الوظيفة المثلى، أو الحصول على فتى الأحلام الذي رسمَته لنفسها؛ إمَّا عن أضغاثِ أحلامٍ، أو مِن دروسِ أفلام الغرام… وما تكون اليقظةُ من تلك المسكينةِ ومن وليِّها – أيها الأحبَّة – إلا عندما يفوتها قطار الزواج، وقد ذهب ريعان شبابها، وقلَّت فُرصتها، وضعُف أملُها، وقلَّت خياراتُها … ومثلها – ومثلُ تلك الفتاة – ذلك الشاب الذي يتأخر زواجه بحُجَّة بحثه عن فتاة أحلامه!!
بعض الشباب لا يتزوج حتى يجد من يتوهَّم أنها تحقق المواصفات التي يُريدها مئة بالمئة… تلك الشروط والمواصفات التي قد لا توجد إلا في الحور العين وفي نساء جنَّاتِ النعيم!!
هذه الدنيا – أيها السادة – ليست دار مُقامٍ ولا دار كمال، فالكمال لله ربِّ العالمين.
يتأخَّر ذلك الشابُّ وهو يبحث عن تلك الفتاةِ التي تُحقِّقُ شروطه، ذاك الشابُّ المسكين يجب أن نوجِّه له النُّصح قائلين له: ” فلتعم أخا الإسلام أنّه كلما كبُرَ عمرك قلَّت خياراتك بعد سنِّنٍ معين، وخفَّت رغبتك وآثرت الوَحدة وداهمتك الشيخوخة وكابدت مشاقَّها وحدك وندمت ولات ساعة مندمِ … الصغير يكبر، والجديد يقدم ويبلى، والعمر يمضي، والشيخوخة تقبل، فاحذر أخي المسلم واحذري أختي المسلمة حتى لا تقعوا في شباك العنوسة، فتندمون ولات ساعةَ مندم…
هذا مما يكون من شأن الشباب والشابَّات، أمَّا ما يكون من شأن أولياء الأمور، فمصائب كثيرةٌ، بلايا تقع في مجتمعنا تقف في طريقِ الساعي للعفاف، مصائب كثيرة من أخطرها وأشدِّها ظُلمًا على البنات؛ ما يقوم به بعض أولياء الأمور من عضلِ بناتهم، وتأخير زواجهنَّ، والله تعالى يقول في مُحكمِ تنزيله: ((فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)) [البقرة:232].
ولعل من أشد ما يُدمي القلب في ذلك، ما يفعله البعض، من تأخير زواج بناتهم، وصرف أنظارهنَّ عن التفكير في الزواج، وتنفيرِ الخطَّاب عنهنَّ ومعاجزتِهم أو المغالاة بمهورِهنَّ … لا لشيءٍ إلا الطمع في أموال البنات وأرزاقهن…
بعض البنات قد يكون لهنَّ رزقٌ؛ ميراثٌ أو مرتَّبٌ مثلا إن كُنَّ موظَّفات، فإذا بوليِّ أمرهنِّ يماطل بتزويجهنَّ ولو أتاهن صاحب الدين والكفاءة، لا لسببٍ مُقنع إلا الطمعُ فيما يأتي بناته من رزقٍ وفيما ينفقونه عليه !! أيُّ ظُلمٍ اجتماعيٍ هذا أيها الأحبَّة؟!
كذلك حالُ بعضِ الأولياء الذين يعضِلون البناتِ الصغيرات حتى تتزوَّج خواتهنَّ الكبيرات!!
مالذي يمنع من تزويج الصغيرةِ إن أتى من يطلبُها؟! لماذا نعضِلها وقد قسم الله لكُلٍّ رزقه وقِسمته ونصيبه.
إياك أن تعضل بنتً أيها الأخ، ستندمٌ كثيرًا إن بقيت ابنتك بلا زوج، ستندم يوم لا ينفع الندم.
ومثل ذلك الظُّلم والعضلِ ما يكون في حقِّ الشباب، عند من يُشغِّل ولده معه سنين طويلة بأكله وشربه ولا يُعطيه أجر المِثل، فيكبر الولد ولا مال معه يتزوَّج به ويطمع الوالد في استثماره أكثر، أو لا يهتمُّ الأب بشأن زواجه أصلًا، فيؤخِّر وقت زواج ولده الشاب!!
ويلٌ لأولئك الآباء الظلمة؛ ويلٌ لأولئك الظالمين الذين ظلموا وغشُّوا رعيتهم التي استرعاهم الله إياها؛ ويلٌ لهم من الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة)).
(مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً)؛ أولادك وبناتك من رعيَّتك، (يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ) منع بنته الزواج، أخَّر زواجَ ولده أو ابنته طمعًا في الدنيا (يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة) لغشِّه للرعية التي استرعاه الله إياها.
الأحلام الوردية، الزوجة التي تحقق مئةً بالمئة من الشروط التي يتمنَّاها الشاب، عضل الأهل للشباب وللبنات، وما زال الحديث مستمرًّا عن العوائق التي تقف في وجه مُبتغي العفاف في مجتمعنا، وفي هذا الباب لابدَّ أن نتحدَّث عن أمرٍ خطيرٍ في هذا الباب ألا وهو المغالاة بالمهور.
وكثير من الناس – أيها الأحبة – يُغالى في مهر ابنته لمقاصد مذمومةٍ غالبًا؛ إما متاجرةً بها، فالبعض يعتبر ابنته تجرَةً، يُعطيها الزوج المهر فيأخذ الوالد ثلاثة أرباعه ويجهزها بربعه!!
نعم، المغالاة بالمهور، تجارةً بالبنات وطمعًا للمال أو مفاخرة وطلبا للرياء, أو مجاراة للأعراف الفاسدة، أو إتباعا لرأي وأهواء النساء, وكأنَّ قيمة المرأة وقيمةَ أُسرتها تتحدَّد بقيمة مهرها وتتناسب معه!!
ينسى ذاك أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد تزوَّج نساءَه وزوَّج بناته بالمهر اليسير البسيط القليل، وهنَّ أشرف وأكرم النساء حسبًا ونسبًا، وفي هذا الحديثُ الصحيح الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد، عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أنَّه قال : “أَلا لا تَغلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ مَكرُمَةً في الدُّنيَا أَو تَقوَى عِندَ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – كَانَ أَولاكُم بِهِ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – مَا أَصدَقَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – امرَأَةً مِن نِسَائِهِ وَلا أُصدِقَتِ امرَأَةٌ مِن بَنَاتِهِ أَكثَرَ مِن ثِنتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةً ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغلِي بِصَدَقَةِ امرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ في نَفسِهِ”.
ولكم رأينا ذلك حقيقةً في مجتمعنا!!
نعم أيها الأحبَّة، إِنَّ الرَّجُلَ لَيُغلِي بِصَدَقَةِ امرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ في نَفسِهِ، فأنت أيها الأب عندما تثقل كاهل الزوج وتشغل ذمتَه بالديون ليعيش عروسيَّته مهموما كئيبا كارها مُنكَّدًا، تكون قد فتحت باب العداوة والبغضاء بين ابنتك وبين زوجها وبينك وبين صهرك من قبل أن يدخلَ بالبنت حتَّى، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ((إنَّ أعظم النساء بركة أيسرُهنَّ مؤونة)). فكيف للزوجين أن يشعُرا بالسعادة وقد نُزعت بركةُ زواجهما من أوَّله، وقد عاشا أول حياتهما كَدًّا وتعبًا لتسديد الديون، وفي الحديث الذي رواه مسلم أنَّ رجلًا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني تزوَّجت على أربع أواقٍ، [أي ما يساوي تقريبا نصف كيلو من الفضة أو أقلَّ من ذلك] فقال النبي صلى الله عليه وسلم -: ((عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟! [ يقولها النبي متعجِّبًا] كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ!))، [تزوَّج على أقل من نصف كيلو من الفضة ولعل أبسط النساء في مجتمعنا يتزوَّجن على أكثر من ذلك، ورسول الله يعاتب الرجل: كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ! ] وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((لو تزوجت امرأة بملء يدها من الطعام، لحلَّت له))… وَقَالَ – روحي فداه – : ” إِنَّ مِن يُمنِ المَرأَةِ تَيسِيرَ خِطبَتِهَا وَتَيسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيسِيرَ رَحِمِهَا ” [خرجه ابن حبان والحاكم وغيرهما بسند حسن]، من يُمنِ المرأة؛ من سعادتها واسعادها لزوجها ولزوج أهلها، المرأة السعيدة مع زوجها وفي بيتها، تسعد أهلها وتقلل المشاكل على أبيها وعلى إخوانها، إِنَّ مِن يُمنِ المَرأَةِ تَيسِيرَ خِطبَتِهَا وَتَيسِيرَ صَدَاقِهَا، فرحمَ الله رجُلاً أعان على زواج ابنته بتيسير مهرها، فأحبَّه صهره وبارك الله له فيما اختار لابنته.
وهنا قد يسأل السائل: هل هناك حدٌّ لأعلى المهر أو أدناه؟
كثيرٌ من الناس يسأل هذا السؤال بعد أن يسمع نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن المغالاة في المهور.
والجواب أنه لا حدَّ لذلك؛ لا حدَّ أعلى ولا حدَّ أدنا، ولكنَّ الأحاديث الشريفة وضَّحت بركة تيسير المهر، والحياة التي نحيا وضَّحت لنا، كيف أنَّ المرأة يسيرة المهر تكون حياتها أسعد مع زوجها، تجارب الحياة علَّمتنا أن لا قيمة للمهر، أمام حياة التعاسة التي قد تعيشها البنت مع زوجٍ لا يُكرمها، ومن توهَّم أنَّه إن كتب الكثير على صهره قد يمنعه ذلك من طلاق البنت، فهذا واهمٌ جاهل…
هذا الذي تكتبه من حقوق في العقد هو على صاحب الدين والتقوى، أمَّا قليل الدين وعديم الضمير، سيُضرُّ بالبنت حتى تدفع له أكثر مما أخذَت في سبيل أن يُعتقها…
فالخيار الصحيح لمن أراد أن يُسعد ابنته أن يُحسن اختيار زوجها وأن يُيسر زواجها من الكُفء المؤمن.
المغالاة بالمهور، أضفناها لأسباب تأخير الزواج، وقبل أن نختم – أيها الأحبَّة – لابدَّ أن نُذكِّر بسبب خطيرٍ قد يكون باعثًا لنفور الشباب عن الزواج، سبب ينتشر في كثيرٍ من قُرانا، ألا وهو إجبار أهل الشاب أو أهل البنت ولدهم أو ابنتهم على الزواج بمن لا يرغب ولا ترغب، وهذا بابُ شرٍّ خطير وبابُ فسادٍ عريض.
إذ يقوم بعض الآباء باجبار بناتهنَّ على الزواج ممن لا يرغبن، يُريد أن يُزوِّجها ممن نفرت عنه نفسها، يُريد أن يزوِّجها بابن أخيه مثلًا، يُريد أن يُزوِّجها بابن عمِّها، أو بمن له مصلحةٌ معه، يجبرها على ذلك.
وبعض الآباء إذا أراد أن يزوِّج ولده الشاب، تراه يريد إجباره على الزواج ممن لا يُريد من قرابته، كابنة عمِّه أو من للأب مصلحةٌ مع والده، دون النظر إلى الرغبة والتوافق النفسي بين الشابِّ والفتاة،
فيتزوَّج الفتى على مضض، وتتزوج الفتاة وهي كارهة، وهذا العمل محرم في الشرع وهو من عادات الجاهلية التي كانت قبل الإسلام، هذا الفعل يتنافى أصلًا مع غاية الزواج بتحقيق السكن النفسي والراحة النفسية، وهذا من أسباب فشل كثيرٍ من الأسَر، ومن أسباب تأخر كثيرٍ من الشاب والبنات بالزواج،
إذ أنَّ بعض الشباب والبنات إذا عُرضت عليهم فكرة الزواج تراهم يمتنعون ويُسوِّفون لأنَّهم يعلمون بأنهم سيزوَّجون ممن هم له كارهون، فيرفض الشاب الزواج أو ترفض البنت على أمل أن يجعل الله لهم مخرجًا وأن يصرف الله عنهم من يريدون إكراهه أو إكراهها عليه، وفي الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد عن عائشة الصدِّيقة – رضي الله عنها وعن أبيها – : «أن فتاة دَخَلَتْ عليها. فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ، ليَرفَع بي خَسيستَهُ ، وأنا كارهة. قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فجاء رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-. فأخبرَتْهُ، فأرسل إِلى أبيها فدعاه. فجعل الأمرَ إِليها. [أي جعل القرار لها في الاختيار، إن شاءت رضيت بمن زوَّجها أبوها وإن شاءت فسخ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عقد نكاحها ] فقالت: يا رسول الله، قد أَجَزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أُعْلِمَ النساء: أن ليس للآباء من الأمر شيء».
نعم أيها السادة، ليس للآباء أن يكرهوا أولادهم وبناتهم على من لا يريدون، فكم من امرأةٍ زوجها أبوها وهي كارهة، فكان ذلك سببًا في انحرافها إلى الحرام والفاحشة بدل أن يكون زواجها عونًا لها على العفافِ والطُهر.
وكم من شابٍّ عزَف عن الزواج، واكتفى بالحرام عن الحلال، وكم من بيتٍ خُرِب أو كانت الحياة فيه جحيمًا بين الزوجين، لأنَّ الأهل ظَلموا أولادهم بتزويجهم ممن هم له كارهون …
أسبابٌ عديدةٌ لتأخُّر سنِّ الزواج، موانع عديدةٌ تقف في وجه من يُريد العَفاف في هذا المجتمع، أسباب عديدةٌ مردُّها في مجملها لمخالفة كتاب الله ولمخالفة هديِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أسبابٌ عديدةٌ وضَّحنا أخطرها وبيَّنا موقف الشرع منها، وللحديث عن بناء الأسرة المسلمة بقيَّةٌ نُكملها في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى … أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.