سأل الرسول عليه الصلاة والسلام ربه أن يعيذه من الجبن، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال } واستعاذ الصالحون من الجبن، وقد عدته العرب جريمة كبرى وسيئة في الرجل، ومن أعظم مميزاته وأعطياته صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة المحمدية أنه أخرجهم شجعاناً، والتوحيد الذي أتى به رسولنا عليه الصلاة والسلام عدو للجبن والخوف، والجبناء يموتون في اليوم مرات والشجاع يموت في عمره مرة واحدة، والحق مرٌّ قد يذهب بالنفوس ويطير بالرءوس، لو لا المشقّة ساد الناس كلّهم
الجود يفقر والإقدام قتّال قال عبادة في الصحيحين : {با يعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عصابة حوله أن نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم } وعند ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: [[أخذ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول الحق ولو كان مراً ]]ولما قام مسيلمة الكذاب في اليمامة ، وادعى النبوة؛ زج أبو بكر الصديق بشباب من شباب محمد عليه الصلاة والسلام في وجهه وقال: [[والذي نفسي بيده لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة ]] وقالها عمر لأهل فارس، وقالها كثير غيره فرضوان الله عليهم، وقال أبو بكر الصديق على المنبر: [[والذي نفسي بيده لأرسلن لهم خالداً يذهب وساوس الشياطين من رءوسهم ]]. الفرق بين الشجاع والجبان قال المتنبي :
أرى كلنا يبغي الحياة بجهده حريصاً عليها مستهاماً بها صبا
فحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحق أورده الحربا
يقول: إن الجبان يحب الحياة وكذلك الشجاع، ولكن الفرق بينهما أن هذا يحيا سعيداً مكيناً مرفوع الرأس، وذاك يحيا خائفاً جباناً فاتراً متخلفاً، ويقول الله عز وجل عن شجاعة أهل الإيمان: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ) أي: قل يا محمد أنت وأصحابك وجيلك للكفرة والعملاء والزنادقة والمارقين والمرتدين: إنكم تتربصون بنا إحدى الحسنيين؛ إما أن نعيش أعزة نحمل المبادئ ونحن أقوياء، أو أن نموت في سبيل الله شهداء وهذا مكسب عظيم،وذمّ الله اليهود الجبناء فأخبر أنهم يحبون الحياة، فقال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ )أي حياة، حياة البهائم، حياة الوحوش والزواحف حياة القردة والخنازير، أي حياة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للمؤمنين (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) يقول: إن تعبتم أو خفتم؛ فإن العدو الكافر المنافق يناله مثلما ينالكم. ولكن يقول الله: (وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ) يقول: اصبروا قليلاً ، مع العلم أنه ينالهم الأذى والقرح، وأنتم كذلك ينالكم الأذى والقرح، ولكن النتيجة مختلفة. وهذا كما قال النابغة الجعدي لما وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام واستهل قصيدته يمدح قبيلته:
تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
يقول:أتوا إلينا وهم أقوياء أشداء ومعهم سيوف تقطع الرءوس ومعنا سيوف، فسقيناهم الموت وسقونا الموت بها، وصبرنا قليلاً فانتصرنا.
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الضرب حتى نحسب الجو أشقرا
إلى أن يقول في نهاية قصيدته:
بلغنا السما جوداً وجداً وسؤددا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال عليه الصلاة والسلام وهو يهتز متبسماً: إلى أين يا أبا ليلى ؟ قال: إلى الجنة. قال: لا فض فوك، فعاش مائة سنة ما سقط له سن ولا ضرس والشاهد هنا أن المسلم يناله الضر لكن النتيجة مختلفة.المؤمن شجاع والكافر جبان :قال عمر بن الخطاب : [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة وجلد المنافق ]] فكون الفاجر شجاعاً والمؤمن جباناً؛ هذه مصيبة وداهية كبيرة،وأحيانا للأسف تجد الكافرين والمنافقين شجعانا وتجد بعض الناس من المؤمنين ممن يصلي الصلوات الخمس إذا هبت الريح من الباب أغمي عليه ورش بالماء، فيقول عمر : [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة، وجلد المنافق ]] وسوف تأتي أخبار لهؤلاء. والله تعالى وصف أولياءه بالشجاعةفقال عزوجل)الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ) فهم يبلغون الرسالة ويظهرون مبدأهم ويقولون رأيهم، ويقولون لصاحب المنكر: اتق الله، ومع ذلك لا يخافون إلا من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم مدح الله أوليائه فقال: )مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) نزلت هذه الآية في أنس بن النضروغيره من شجعان الصحابة ومنهم عمير بن الحمام يأكل التمر يوم بدر ، قال عليه الصلاة والسلام: {يا أهل بدر إن الله اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، يا أهل بدر ، والله ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، فألقى عمير التمرات من يده وقال: بخ بخ، إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة } ثم أخذ غمد السيف وكسره على ركبتيه -وهذه ساعة الصفر عند العرب- ثم أخذ السيف وقاتل حتى قتل وهو ينشد:
فليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
يقول: أحسن الحياة أن أتقدم قبل أن أقتل وأنا مهزوم، فهي خيبة في الدنيا وخيبة في الآخرة.يقول السموءل ، وهو يهودي كان يسكن خيبر ، وقد أقر له الناس بالشجاعة، وقد يوجد في اليهود شجعان، والجبن صفة عامة فيهم، لكن النادر لا حكم له،يقول:
وإنا لقومٌ لا نرى القتل سبةً إذا ما رأته عامرٌ وسلولُ
يقرب حُب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالُهم فتطولُ
تسيل على حدِّ الظباة نُفُوسَنا وليست على غير الظباة تسيلٌ
إذا مات فينا سيدٌ قام سيدٌ قئولٌ لِما قالَ الكرامُ فعولُ
وأسيافُنا في كل شرقٍ ومغربٍ لها مِن قِراع الدارعينَ فلول
العقيدة منهج حياة :يقول عليه الصلاة والسلام كما عند أحمد والترمذي بسند صحيح: ((يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام ورفعت الصحف )). وفي رواية غير الترمذي ((احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة .واعلم أن ماأخطأك لم يكن ليصيبك وماأصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا)) هذه العقيدة إذا استحكمت في قناعات المسلمين فإنهم يزحزحون الجبال من أماكنها .ولن يجبنوا عند ئذ عن قول كلمة الحق ولن يتقاعسوا عن الجهاد في سبيل الله بل سيتحولون إلى مشاريع شهادة وإلى موت زؤام يتهدد الكافرين واعداء الله عزوجل .دخلت امرأة عجوزعلى الحجاج وقد قتل ابنها في أول النهار، فقال لها(أتدرين يا فلانة أنا قتلنا ابنك؟ قالت: لو لم تقتله لمات فقد انتهى أجله ولو صبرت عليه لمات بين يديك) ولما قال الحجاج لأسماء بنت أبي بكر بعد أن قتل ولدها عبد الله بن الزبير قال لها هل سرّك مافعلنا بعدو الله فقالت له والله لقد افسدت عليه دنياه وافسد عليك آخرتك.الخنساء النخعية يموت أخوها صخر فتملأ الدنيا صراخا وعويلا عليه وترثيه بقصائد تعتبر من درر الشعر العربي ومن عيون الأدب ويخترق سهم من سهام النور قلبها فتدخل تحت دائرة لاإله إلاالله وإذا بها تنقلب رأسا على عقب تلك التي ملأت الدنيا صراخا على أخيها صخر إذا بها تقدم أبنائها الأربعة شهداء في سبيل الله وتقول لهم قبل ذهابهم إلى المعركة (يابنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والله الذي لاإله غيره إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة والله ما هجّنت حسبكم ولادنّست نسبكم ولاخنت أباكم ولافضحت خالكم واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية يابني اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها فيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد ولاألفينّ طعنة في ظهر واحد منكم سيروا إلى الجنة على بركة الله ) وجيء لها بولدها الأول شهيدا فسجدت شكرا لله وجيء لها بالثاني شهيدا فركعت ركعتين لله وجيء لها بالثالث شهيدا فصلت ركعتين لله وجيء لها بالرابع شهيدا فصلت ركعتين وقالت الحمد لله اللهم كما شرفتني باستشهادهم ألحقني بهم .