خطبة عيد الأضحى / سوريا الحرّة / 1434هـ
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر على من طغى وتجبر.
الله أكبر، الله أكبر، على من عتا وتمرّد.
الله أكبر كلما وقف الحجّاج بعرفة خاشعين مهلّلين .
الله أكبر كلما طاف الحجّاج بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين مكبرين .
الله أكبر كلما وقف الحجّاج بالمشعر الحرام طالبين راغبين .
الله أكبر كلما رموا الجمرات مكبرين محلّقين رؤوسهم ومقصرين .
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلا.
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ، تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالدعوة الإسلامية، فهدى به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزلزل به كيان الوثنية، اللهم صلّ وسلم على خاتم الأنبياء، وخير الأولياء ، وأبر الأصفياء، تركنا على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . . . أما بعد
عباد الله:
إنّ من كرم الله عزّ وجلّ علينا أن سنّ لنا أعيادا تكون لنا بهجة وسرورا، وفرحاً وحبورا، يجد فيها المسلم مندوحة للنفس ينسى فيها شيئا من همومه وأحزانه ويعود فيها أرحامه وخلّانه.
وماسمي العيد عيداً إلا لأنّ الله تعالى يعود بعوائد الإحسان على عباده أو لأنّه يعود ويتكرر بالفرح. ودليل مشروعية هذه الأعياد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه سلم المدينة قال: “كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا ًمنهما يوم الفطر ويوم الأضحى” حديث صحيح رواه النسائي.
وهذا دليلٌ على أنّ أعيادنا هي ما جاءت به الشريعة، لا يجوز لأحدٍ أن يبدِّلها أو يغيرها أو أن يأتي بأعيادٍ أخرى تزاحمها، ولهذا كان لها شعائر وأحكام شرعية خاصة علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم كحرمة الصيام فيها والتوجيه للتكبير والصلاة الخاصة بها و استحباب إظهار الفرح والسرور والترويح عن النفس وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب” حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغير ذلك مما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يستحب في هذه الأيام.
وها نحن اليوم في سورية الأبية يعود علينا هذا العيد وقد رفع الله راية المسلمين وأذلَّ الكفر والكافرين وأبدلنا من بعد خوفنا أمناً بأن طهر هذه القرى وما حولها من أولئك العتاة المجرمين فأعزّ الله جنده وهزم الأحزاب وحده ولهذا كان لابدّ لنا معاشر المؤمنين أن نظهر شيئاً من الفرح والبشر بما أفاضه الله علينا من النِّعم (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس58] ويتجلى هذا الفرح بالتكبير والتفاؤل بنصر الله القريب والعمل الجاد على إتمام ما بدأنا به سائلين المولى سبحانه أن يجعلنا سبباً في إكمال النصر والفتح المبين ليعمّ العيد الحقيقي ربوع شامنا الحبيبة.
مـا العيد إلا أن نعود لديننا — حـتـى يعود نعيمنا المفقود
مـا الـعيد إلا أن يُرى قرآننا — بـيـن الأنـام لواؤه معقود
مـا الـعيد إلا أن نكون أمّة — فـيـها محمد لا سواه عميد
مـا العيد إلا أن نعدّ نفوسنا — للحرب حيث بها هناك نجودُ
مـا العيد إلا أن تكون قلوبنا — نـحـو الـعدو كأنها جـلـمـود
ولنعلم يا إخواننا أنّ الله سميعٌ قريبٌ مجيب فهاهم مسلمو الأرض قاطبة في بلد الله الحرام يلهجون بالدعاء لسورية وأهلها، كيف لا وهي بلاد الإسلام الطيبة التي حدّث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال روحي فداه: ” إني رأيت كأن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام” حديث صحيح رواه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وقال صحيح على شرطهما.
فاستبشروا إخوة الإيمان والإسلام وافرحوا في عيدكم، فما هذا الذي نمرُّ به إلا إرهاصات فجرٍ قد اقترب بزوغه، ومخاض لولادة جديدة لهذه الأمة، واعلموا أنّ النصر مع الصبر وأنّ الفرج مع الكرب وأنّ مع العسر يسرا.
ولنكثر من التكبير الذي يقض مضاجع الكفرة, ويزلزل عروشهم, ويزرع الرعب في قلوبهم, ويزيدنا إيماناً وقوة وثباتاً ويقيناً بنصر الله وينزع من قلوبنا مهابة من لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا ولهذا كان من سنّته صلوات ربي وسلامه عليه أن نكبِّر دبر كلِّ صلاة وفي كلِّ محفلٍ واجتماع من فجر يوم عرفة إلى عصر رابع أيام العيد.
ولعلّ هذا التكبير هو مظهر تعبيرنا عن الفرح الذي يراعي مشاعر المحزونين والمكروبين والمنكوبين منّا ويزرع فينا بذور الأمل لنوقن بفرجٍ من الله قريب (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف 21)
أقول هذا القول وأستغفر الله
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الحمد لله الذي لم يزل بالمعروف معروفاً، وبالكرم والإحسان موصوفاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلَّ يوم هو في شأن ييسر عسيراً ويجبر كسيراً، ويغفر ذنباً ويرفع كرباً، ويغيث ملهوفاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، رفع الله ذكره تعظيماً، وأعلى في العالمين قدره تكريماً، وزاده محبة وتشريفاً، فأكرِم به صادقاً أميناً عفيفاً، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه وسلَّم تسليماً كثيراً . . . أما بعد:
عباد الله:
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، وسنة من سنن الأحكام ، قال الله تعالى: ” فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ ” وهي مشروعة بكتاب الله عزّ وجلّ، وسنة رسوله وإجماع المسلمين، قال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (الحج34) وقال تعالى:( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج 37).
ثم اعلموا رحمكم الله، أنه يشترط في الأضحية أن تبلغ السن المحدد شرعاً (خمس سنين للإبل، وسنتان للبقر، وسنة للمعز وستة أشهر للضأن إذا اختلط بمن جاوز السنة فلم يميز) ومما يشترط للأضحية أن تكون خالية من العيوب، و أن يضحى بها في الوقت المحدد شرعاً، وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر، إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام العيد، ومن ذبح قبل الصلاة فإنها تعد من اللحم وليست أضحية.
ثم اعلموا أيها الناس، أن الأضحية الواحدة من الغنم، والسُبع من الإبل والبقر، تجزئ عن الرجل وأهل بيته أحياءً وأمواتاً، ويشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق، لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج 28)، والمختار أن يأكل ثلثاً، ويتصدق ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية، لا لحماً ولا جلداً، ولا يجوز أن يعطى الجزار شيئاً منها مقابل الأجرة ، لأن ذلك بمعنى البيع ، ولا بأس أن يُهدي للجزار هدية بعد أن يعطيه أجرته.
نسأل الله عزّ وجل أن يعيننا على طاعته وأن يتقبل منّا ومن المسلمين هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
إني داعٍ فأمِّنوا: