مضينا معاً في ظلال سورة الأحزاب وهي تذكرنا بالصدق مع الله ورسوله، وتطهرنا من أخلاقيات النفاق، ومن أهم ما يدل على صدقك مع الله وتطهر القلب من أخلاقيات النفاق؛ حسن الظن بالله تعالى، والوقوف مع المؤمنين في أثناء الشدة وتطهير اللسان واليد والقلب من إيذائهم، وأن تكون عوناً للمؤمنين في شد أزرهم، والثبات عند الشدائد ،﴿ وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 22] ومن ثمّ كان قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب: 57-58]
فإنه كما حدثتنا الآيات عن ما يجب علينا تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حقوق فهو أولى بنا من أنفسنا وهو القدوة الأكمل، وليس لنا خِيرة مع أمر الله ورسوله، ويجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذُكر، وغيرها من الحقوق والصفات التي مرت معنا، فتأتي الآيات هنا لتحذرنا من أن يقع أحد في إيذاء في حق الله أو حق رسوله أو أي نبي من الأنبياء أو حق المؤمنين، وإذ يأتي هذا كله في هذه السورة ليدل أن أي إيذاء في حق الله أو رسوله أو المؤمنين مظهر من مظاهر الخلل الخطير؛ وأن التطهر من الإيذاء والحذر منه مظهر من مظاهر الصدق مع الله ورسوله، ودلالة التطهر من النفاق، وثمرة التحقق بحقوق الله ورسوله علينا.
لقد كانت قضية الإيذاء والتحذير منها حاضرة جداً في سورة الأحزاب فذُكر الإيذاء صراحة سبع مرات، مرة في بيان أحكام خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 53]، والتحذير من الإيذاء هنا لأن هذه القضايا يستغلها مرضى القلوب.
ثم ذكر الإيذاء في سياق الأوامر المطلقة في التحذير وبيان عقوبة من يقع في الإيذاء ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب: 57-58].
ثم في سياق التشريعات حفظاً من الإيذاء ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [الأحزاب: 59].
ثم في بيان التحذير من الوقوع فيما وقعت به الأمم السابقة في حق أنبيائهم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ﴾ [الأحزاب: 69].
وفي سياق عدم الالتفات إلى الأذى: ﴿ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ [الأحزاب: 48]
وعرضت لنا السورة صوراً من إيذاء المنافقين الخطيرة كقوله تعالى:
﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً، أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشـِحَّةً عَلَى الخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾ [الأحزاب: 18-19]
إن أخطر أنواع الإيذاء اليوم هو ذاك الصد عن دين الله ومنهج الله وتحكيم شرع الله، وأسوأ أنواع هؤلاء الصادين عن دين الله أولئك الذين يلبسون اسم الإسلام ويدعون أنهم مسلمون ويقولون لك الإيمان بالقلب ثم يطلقون شعارات ومناهج ليس لها هدف إلا إقصاء الإسلام عن واقع الحياة وإقصاء المسلمين وإقصاء الصالحين والمصلحين، فتارة يرفعون شعار الفصل بين الدين والدولة، دون أن يفرقوا بين رفض استغلال الدين لاغراض خاصة وبين أن يكون مصدر التشريع وقوانين الأمة وهويته مستمدة من الكتاب والسنة، أو يرفعون شعارات أن الدين شيء مقدس ومطلق وعظيم، فيقولون لا يجوز أن تنزل به إلى عالم السياسة والواقع، وليس لهم من وراء ذلك إلا الإقصاء والصد عن دين الله، أو يرفعون شعارات الدين علاقة بين العبد وربه؛ فيقصرون الإسلام على مجرد شعائر وحركات منفصلاً عن واقع الأمة في التربية والأخلاق والحكم، أو يرفعون شعارات نحن مسلمون ولا نختلف مع الإسلام لكن نختلف مع الإسلاميين، ثم يقولون لك لا أحد يزاود علينا بالإسلام،
فنقول: إن كنتم صادقين احملوا الإسلام شريعة وشعائر عقيدة وعبادات دولة وقانون مصحف وقوة لنكون من ورائكم، فالمسلم ليس له أرب في الدنيا إلا أن يحمل شرع الله وليس المناصب، فتعود الأسطوانة هي هي، ثم إذ تتطلع المسلم الصالح لأن يتقدم للخدمة العامة وأن يكون له موقع في الإدارت والمؤسسات والمسؤوليات ليحقق مصلحة للامة ويمنع فساداً ما استطاع؛ اتهم بأنه يتطلع إلى المناصب؟ أحلال عليهم المناصب حرام على الصالحين من الأمة، أن يتطلعوا هم إلى المناصب ويتولونها عليها جائز! أما أن يتطلع الصالح للمنصب للإصلاح فصار محل اتهام،ثم تجدهم يشهرون بكل من يحمل فكرة الإسلام الشامل، ويتهمونهم بشتى الاتهامات ، أقله اتهامهم بالفشل، ونقول: حكمتم باسم قومية وعروبية ودنيوية واشتراكية فما كان في عهودكم إلا الفساد ولاستبداد ونهب البلاد وتضييع الأوطان والتخلف ، ثم مع ذلك يتبجحون فينسبون التخلف إلى الإسلام والمسلمين، ماذا نريد أن نعدد من مظاهر الإيذاء.
علاقة الإيذاء بالنفاق ومرض القلب:
من هنا عندما يأتي الحديث عن الإيذاء في سياق التطهير من النفاق والتحقق بالصدق والتحقق بكمال الاتباع لرسولنا صلى الله عليه وسلم ندرك أن أخطر أنواع الإيذاء يصدر عن أولئك الذين لم يصدقوا مع الله ورسوله، ويحاربون الذين صدقوا مع الله ورسوله، وأخطر أسباب الإيذاء هو فقد الصدق مع الله ورسوله، فهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين وسائلهم مؤسسات الضرار والمال الفاسد والإعلام الكاذب والارجاف داخل الصف المؤمن ، لذلك حذرنا الله منهم وحذرهم في سورة الأحزاب ذاتها: ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً ﴾ [الأحزاب: 60]
و إنما فعلوا ذلك كله أنهم باعوا ضمائرهم وقلوبهم وعقولهم لأسيادهم ممن يأمرونهم من أعداء الأمة فسمحوا لأنفسهم أن يكونوا تبعاً لعدو خارجي أو لمتسلط داخلي رغبة في تحقيق نزوات نفوسهم وشهواتهم وتنفيساً عن حقد أعمى تجاه الإسلام والمسلمين، لذلك قال تعالى بعد ذلك مبيناً حالهم إذ يعتذروا يوم القيامة، ولا يقبل منهم:: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ ﴾ [الأحزاب: 67]
حقيقة الصراع:
عندما نتفحص حقيقة الإيذاء ومصادره ووسائله وأسبابه،ندرك أن القضية ليست مجرد صراع سياسي، فإن الصراع السياسي له أدواته من الاقتراع الى البرلمان ….
لكنه الصراع العميق بين منهجين رباني يصر على أن تكون الكلمة لله، وأن تكون هوية الأمة ومناهجها مستمدة من القرآن والسنة.
وآخر: دنيوي علماني، سعى عشرات السنين ليفسد الأمة ويفصلها عن منهج الإسلام ثم يرى كل شيء يتبخر!!
حالهم كيهود إذا قالوا لطالوت ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247] أو ﴿ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ [هود: 91] أو﴿ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 82] فيأخذ الإيذاء أشكالاً تارة بالسجن وتارة بالاقصاء عن العمل أو ممارسة الحياة العامة، أو الاتهام بالتخريب والافساد أو تعطيل حركة الإصلاح.
لا يمكن الإحاطة بصور الإيذاء التي تقع في حق الله أو رسوله أو اتباع الأنبياء، القرآن حدثنا كيف وصف الرسول أو بعض الأنبياء السابقين الشعر والكهنة والسحر والاتهام بالإفساد والاتهام بأنه يريد أن يفرق جماعتكم ويخرجكم من أرضكم فالحديث عن هذه القضايا طويل طويل ولو أخذنا كل سورة من الإيذاء الذي تعرض له الأنبياء السابقين لوجدناها نفسها تتكرر اليوم اقرأ في سورة غافر ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]
وفي السنة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ: أَتَأَلَّفُهُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ: (يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ)) صحيح البخاري،4667
وفي رواية للبخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا، فَقَالَ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، قَالَ: (وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ) فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: (لاَ، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ… ( البخاري 6163)، وهكذا يتهم المسلمون اليوم بذات الاتهامات.
إنه عندما يُقرن خطورة إيذاء المؤمنين بعد ذكر الإيذاء في حق الله ورسوله هذا يبين لنا كم هو خطر عظيم الوقوع في إيذاء المؤمنين، ولماذا يؤذونهم: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8].
الهدي الرباني للمواجهة:
إنه لا مخرج من ذلك كله إلا التقوى والكلمة السديدة و حمل الأمانة بقوة والطاعة المطلقة لله ورسوله وهذا قدرنا معاشر المسلمين الذين آمنا بالله حقاً وبرسوله صدقاً فلا نبالي بإيذائهم لذلك جاء الأمر بعد ذلك ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً، إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 70-72]
ولئن كان الله شدد النكير وتوعد أشد الوعيد هؤلاء الذين يقعون في إيذاء في حقه سبحانه أو في حق رسوله أو في حق المؤمنين والمؤمنات فقد أرشدنا سبحانه أن لا نلتف إليهم ولا نتأثر بهم ولا نخضع لهم ولا تناهر معنوياتنا وقوانا أمامهم ولا نضعف ولا نستكين ، لذلك جاء في سورة الأحزاب نفسها: ﴿ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ [الأحزاب: 48]، وجاء فيها أيضاً ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً ﴾ [الأحزاب: 25]
﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [الأنبياء: 41]
وقال تعالى: ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 111]، وقال تعالى: ﴿ خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]
وبعد:
واجبنا أن نطهر قلوبنا ونصفي علاقتنا مع الله ومع المسلمين ونصدق مع الله ورسوله ونحاسب أنفسنا حتى يطهر كل إنسان نفسه من أن يقع في أدنى إيذاء في حق الله ورسوله أو المؤمنين وحسبكم من الحديث القدسي (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) صحيح البخاري، 6502