بقلم: ماهر علوش
الثورة السورية سوف تشهد تحولًا كبيرًا لن يقف عند حدود الضربة الصاروخية التي استهدفت مطار الشعيرات الحربي.
التصريحات الأمريكية قبل الضربة الصاروخية تشير إلى أنه تم إغراء الأسد لارتكاب حماقات جديدة، وتم نصب الفخ له.
ارتباك روسي بسبب مشروع قرار مجلس الأمن، ومناكفة إعلامية وسياسية بين أكبر دولتين في العالم على هامش الحدث.
اتهامات أمريكية تشير إلى تورط روسيا في عملية قصف #خان_شيخون، والإعلام العالمي يحمل روسيا مسؤولية ما يحدث.
التصريحات الأمريكية تشير إلى اتهام روسيا بناء على رصد ومتابعة الأجواء، وامتلاك أدلة الاتهام يعني احتمال ابتزاز أمريكا لها.
ترامب يتعرض لضغوطات كبيرة تقوم بها الأجهزة المتصارعة داخل الإدارة الأمريكية، وهذا يعني الاستسلام لرؤية ما، أو الخروج عن المألوف.
الضربات الصاروخية ردًّا على مجزرة #خان_شيخون وجهت رسائل في عدة اتجاهات: روسيا، إيران، النظام، تركيا، والداخل الأمريكي.
إلى روسيا: إن أمريكا لن تسمح لموسكو بفرض رؤيتها في منطقة الشرق الأوسط، وإن عليها التنازل لصالح تسوية دولية لا تنقذ النظام.
إلى إيران: إن حلفاء النظام -بما فيهم روسيا- لم يعودوا قادرين على حمايته من التدخل الأمريكي، وإن على الجميع التزام الخطوط الحمراء.
إلى النظام: إن أيامك باتت معدودة، وعليك الخضوع لتسوية دولية، وإنه لا أحد يمكنه حمايتك فيما لو أرادت أمريكا أن تقف ضدك.
إلى تركيا: إن أمريكا تعمل بشكل تكاملي مع حلفائها، وإن العلاقات التركية-الأمريكية أهم من حماية نظام فاقد للشرعية الأخلاقية والقانونية.
إلى الداخل الأمريكي: إن ترامب لا يخضع لأي ضغط خارجي أو ابتزاز روسي من شأنه تهديد مصالح بلاده على حساب تحقيق مصالح روسيا.
إلى الداخل الأمريكي: إن ترامب يختلف عن أوباما، وإنه حاسم في قراراته لا يتردد، وإن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين بالفعل خط أحمر.
الأيام القادمة سوف تشهد حراكًا دوليًّا-إقليميًّا، يهدف إلى تفكيك المنظومة الداعمة للنظام، والبداية ردع إيران، وتحجيم ميليشياتها.
الاقتصاد أهم مفاتيح المعركة، فترقَّبوا المزيد من الحصار الاقتصادي، واستمرار العقوبات على روسيا، أو رفعها تدريجيًّا، وخفض أسعار النفط.
إيران تعيش انهيارًا اقتصاديًّا، ونسبة البطالة بين الشباب تزيد عن 40%، وترامب لن يُفرج عن المليارات التي يعولون عليها من الاتفاق النووي.
مضمون رسائل أمريكا عبر تركيا إلى إيران: إما الخروج من سوريا، وانسحاب الميليشيات الإيرانية، وعلى رأسها حزب الله، وإما الحرب.
الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية في سوريا قريبًا في دائرة الهدف، ورد فعل إيران سوف يُحدد خيارات المنطقة: الحرب أو السلم.
الرد الروسي-الإيراني على التحرك الأمريكي سيكون على ثلاث خطوات: فتح معارك عنيفة في إدلب والغوطة الشرقية بهدف الحسم العسكري.
وإلا فإطلاق يد الحشد الشعبي العراقي في سوريا، وابتزاز أمريكا في الموصل، ودفع حزب الله لافتعال معركة مع إسرائيل تحت شعار المقاومة.
وربما يحاول النظام وإيران وروسيا اللعب على ورقة الميليشيات الكردية وتحريكها باتجاه إدلب، إلا أن النأي بالنفس هو الخيار الأكثر أمنًا لهم.
البنتاغون بات أكثر تفاعلًا في الملف السوري من CIA، وهذا يعني أنه سوف يتم إعطاء الحرب التقليدية فرصة أكبر لتغيير أو إنهاء الصراع.
روسيا ليس لديها إلا خيار مواجهة أمريكا في الملفات الدولية الكبرى، والحديث عن بناء تفاهمات وتقاسم مصالح بين الدولتين خيالات وأوهام.
القرار الأمريكي بنزع الشرعية عن نظام الأسد ينهي كل أحلام النظام بالبقاء، وسيدفعه لمزيد من التوحش، وحسم خيارات البقاء مع حلفائه.
إرهاصات تحرك عسكري أمريكي محدود في المنطقة ظهرت قبل مدة، وما زالت تتأكد يومًا بعد يوم، وملفات إدانة النظام أصبحت جاهزة دوليًّا.
قبل شهرين: اهتمام دولي بتقرير لمنظمة العفو الدولية يتحدث عن عمليات شنق جماعية، وإبادة ممنهجة، يقوم بها نظام الأسد في سجن صيدنايا.
ثم اهتمام دولي بتقرير لـ”هيومن رايتس ووتش” يتحدث عن استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي في حلب، ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
ثم إصدار وزارة الدفاع الأمريكية توصية بنشر قوات برية للقتال في سوريا، وازدياد الحديث إعلاميًّا-سياسيًّا عن احتمال التدخل المباشر.
ترامب يقترح زيادة تاريخية لميزانية الدفاع 10%، ويقترح تخفيض ميزانيات أخرى، أهمها الخارجية 28%، ما يعطي مؤشرًا لاتجاه حسم الصراع.
إسرائيل تتدخل بقصف محدود في عمق الأراضي السورية، وتتحدث عن خطورة الدفاعات الجوية التي يمتلكها النظام، وتهدد بقصفها وتدميرها.
منظومة صواريخ S400 التي امتلكها النظام باتت تشكل تهديدًا كبيرًا للمحيط الإقليمي، وفقدان النظام لأعصابه يعني خروجها عن السيطرة.
مناورات عسكرية متكررة تجمع بعض الدول الإقليمية: السعودية، الإمارات، السودان، الأردن، تركيا… وإسرائيل دخلت على خط المناورات أيضًا.
منطقة الشرق الأوسط وثورات الربيع العربي على مفترق طرق، وطبول الحرب تقرع في شتى أنحاء العالم، ونحن نسمع صداها في قلب المشرق.
الآن يتم إعادة تشكيل النظام العالمي، والحرب في سوريا هي كلمة السر التي سوف تعيد ترسيم الحدود السياسية والثقافية والاقتصادية للدول.
العالم أمام خيارات: إما أن تعود “التحالفات التقليدية” وهو الأرجح، وإما أن تظهر تحالفات إقليمية-دولية جديدة، ولا وقت لدى الأطراف للمغامرة.
استدارت إيران إلى أمريكا، واستدارت تركيا إلى روسيا، لكن الواقع والتاريخ يحددان أن الدوران إلى الخلف دون الاستقرار يعني السقوط بشكل مباشر.
عودة “التحالفات التقليدية” واحتدام الصراع في الشرق مقدمة الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذا تحدده مشاركة الدول في صناعة أحداث القرن.
الدول الكبرى التي تستطيع النأي بنفسها أو الحد من انخراطها في الحرب سوف تمتلك الفرصة الأكبر للدخول إلى عالم الكبار، ألمانيا واليابان والهند تستعد.
في زمن الحرب تتسع دائرة الصراع، وتتآكل بعض القوى الدولية تدريجيًّا، وترتفع القوى الإقليمية تدريجيًّا، لتملأ الفراغ الناتج عن انحسار الفعل الدولي.
ترامب كان يَعِد بسقوط حلف الناتو، وأنه مؤسسة بالية عفى عليها الزمن، واليوم يتراجع ليمنح الحلف فرصة تجديد نفسه والتحرك بشكل أفضل.
هذه “بداية النهاية”، والمهتمون بعلم الفلسفة والاجتماع والتاريخ أكثر استشعارًا للتحولات الكبرى، وأسرع إدراكًا لأحداث المستقبل من طبقة السياسيين.
من يظن أن روسيا سوف تنحني للعاصفة الدولية فهو مخطئ، والسبب أنها تتحرك بدافع عالمي، وأيديولوجيا أكثر تطورًا من سابقتها بدايات القرن الفائت.
روسيا أعادت انتشارها السياسي والعسكري في المنطقة العربية والقارة السوداء وأمريكا الجنوبية، وهذا يمنحها المزيد من القوة للتحرك في الملفات الدولية.
روسيا سوف تتحرك بقوة لفرض رؤيتها، وقد تضطر لمواجهة محدودة، ربما تخرج عن السيطرة لتتحول إلى مواجهة شاملة… والخاسر الأكبر من يتأخر.
هناك محاولات لاحتواء الحرب، وفرص نجاحها ضعيفة جدًّا في ظل اضطراب إقليمي غير مسبوق، وفي حال اشتعلت الحرب فإنها ستطال الجميع.
التحركات الميدانية تنذر باتساع الحرب، وتزيد من احتمال المواجهة، والدول تستعد للدفاع عن مصالحها، ومن يأتي في الزمن الضائع فلن ينال سوى الفتات.
حتى تنتصر الثورة لا بد أن تتحرك كجزء من محور إقليمي تتكامل معه في الرؤية والهدف، وهو بدوره يتحرك كجزء من محور دولي يتكامل ويتدافع معه.
وحتى تتحرك الثورة ضمن محورها الإقليمي لا بد لها أن تعيد تشكيل نفسها على الصعيد السياسي-العسكري، بحيث تستطيع التفاعل مع الأحداث الدولية.
وهذا يحتم على فصائل الثورة السورية، وجميع المكونات السياسية، والهيئات والمنظمات المدنية، أن تجتمع مع بعضها البعض ضمن مشروع واحد.
يقوم بمهمة إعادة تعريف الثورة، وتصحيح مسارها، وتوطين خطابها، وتحسين أدائها السياسي والعسكري، وتمكينها من الجلوس في المحافل الدولية.