يوم عرفة دروس وعبر من خطبة حجة الوداع

يوم عرفة دروس وعبر من خطبة حجة الوداع

 

 

رابط الخطبة على صفحة الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

خطبت بتاريخ: 9/ذو الحجة/1435هـ
الموافق: 3/ تشرين الأول/2014م

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- تذكير بفضل يوم عرفة ويوم الجمعة.
2- في مثل هذا اليوم وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه على عرفة في حجة الوداع.
3- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر بأهم أسس بناء المجتمع والدولة الإسلامية.
4- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يؤكد حقوق الإنسان ومبدأ العدالة الإنسانية.
5- نقض ما تبقى من علائق الجاهلية حينها.
6- العدالة في المجتمع المسلم تبدأ من الأسرة وحديثه عن حقوق المرأة في الإسلام.
7- تركت فيكم ما لن تضلوا بعده.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
8- أهمية استثمار يوم عرفة بالطاعات والإكثار بالدعاء.
9- صلاة العيد على من تجب والتشجيع على احضار النساء والولدان إلى مصلّى العيد.
10- ما كان يتعاهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صبيحة يوم العيد.
11- سنة التكبير يوم عرفة وأيام العيد.

الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره ومستدرج الكفار بمكرِه. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع، والحاكِم بما يريد فلا يدافع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله :
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
(خيرُ يوم طلعتْ عَليْه الشَّمْسُ يومُ الجمعةِ) أي خير أيام أسبوعكم يوم الجمعة.

وروى ابن حبّان وأبو يعلى عن جابرٍ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “وما من يوم أفضلُ عند الله تعالى من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء فيباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السماءِ فيقول: (انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا ضاجِّين، جاؤا من كل فجٍّ عميق يرجون رحمتي ولم يَروا عذابي) فلم يُرَ يومٌ أكثر عتيقًا من النَّارِ من يوم عرفة”. … فما من يومٍ أكرم في عامنا عند الله من يوم عرفة.

فكيف بنا وقد أكرمنا سبحانه وتعالى في هذا العام بجمع الخيرين، فجمع لنا يوم عرفة ويوم الجمعة، لنزداد خيرًا إلى خير، ولنزداد بركةً إلى بركة، ليغتنم المغتنمون العارفون لمعنى استثمار نفحات الله سبحانه.

إخوة الإيمان في مثل هذا اليوم العظيم وقف رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – على جبل عرفات في مشهدٍ مَهيب مع صحابته الكرام مُحرمين حاجِّين في حَجَّةٍ سُمِّيت حَجَّة الوداع – إذ كانت وداعًا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لصحبه الكرام – في ذاك الموقف ذكّر رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بقواعد التعامل الاجتماعي، وبأُسُسِ العدالة الإنسانية مُقرِّرًا حقوق الإنسان ومنهيًا مفاسد الجاهلية، مذكِّرًا بأهمِّ أسس بناء المجتمع والدولة الإسلاميّة (دولةِ الحق والعدل والكرامة).
في تلك الخُطبة العظيمة الموجزة بدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ( يا أيها الناس: اسمعوا قولي فإنِّي لا أدري، لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً).

سبحان الله: وكأنّه روحي فداه كان يشعر بدنوِّ أجلِه وبقرب لقائِه بربِّه، فكان حديثه حديث مودِّع مُحب مخلِص.

ثمّ قال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى).

أين دعاة حقوق الإنسان، وأين المجرمون من دعاة القومية والعصبية الجاهلية، وهذا سيد البشرية يقرّر العدل للناس والحريّة فلا تمايز إلّا بالتقوى.

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13

ثُمَّ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا لا يجني جانٍ إلّا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا يَجني ولَدٌ على والِده ألا إنَّ المسلم أخو المسلم، فليس يحلُّ لمسلمٍ من أخيه شيء إلا ما أحلَّ من نفسهِ).

هذه أسس العدالة ينطِقُ بها من لا ينطِق عن الهوى ليقرِّرَ لأمّته ما يصونها وما يحصّنها من كل شرٍّ وسوء ليكون كلامه صلوات ربّي وسلامه عليه درعًا يحمي الضعفاء من تطاول المتطاولين.

ثمّ يُتبِعُ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بنقض ما تبقّى من عُرى الجاهلية ومن علائقها، فيقول:
(أَلاَ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ودِماءُ الجاهلية مَوضُوعَةٌ، وإِنَّ أوَّلَ دَمٍ أَضَعُ من دِمائِنا دَمُ ابنِ ربيعةَ بن الحارثِ، كان مُستَرْضَعا في بني سعدٍ، فَقَتلَتْهُ هُذيلٌ، ورِبا الجاهليةِ موضوع، وأوَّلُ رِبا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا، رِبا العَبَّاسِ بنِ عبد المطلب، فإنّه موضوعٌ كُلُّهُ)
نعم: هكذا شأن إمام الأمّة وهكذا شأن القائد الحقّ يبدأ بنفسه فيعفو عن حقّه وعن حقّ أقربائه قبل أن يأمُرَ النّاس بالصفح والعفو.

ثمّ يُكمل روحي فداه موضِّحا معالم العدل في مجتمع المسلمين. هذا العدل الذي لابدّ من أن يبدأ من أصغر وحدةٍ في المجتمع ألا وهي الأسرة فيقول روحي فداه: ( ألا واستَوصوا بالنساء خيرًا، فإنَّهُنَّ عَوانٌ عندكم – أي أسارى – ، ليس تملكون شيئًا غير ذلك، إلا أنْ يأتين بفاحشة مبيِّنة، فإن فعلْنَ ذلك فاهجرُوهنَّ في المضاجع، واضرِبوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ، فإن أطعنكُم فلا تَبغوا عليهن سبيلاً، ألا وإن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا، فأمَّا حقُّكُمْ على نسائكم، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَن تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإنَّ حَقَّهُنَّ عليكم: أنْ تُحْسِنُوا إليهنَّ في كِسوتِهنَّ وطعامِهن).

هذا دين الإسلام وهذا شرع الله الذي كرّم المرأةَ ابنةً زوجةً وأمًّا، فما أكرم النساء إلّا كريم وما أهانهنّ إلّا لئيم.

ثمّ يضع رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قاعدةً لأمّته ومعيارًا يعينها على معرفة الحقّ في مدلهمّاتِ الخطوب فيقول روحي فداه: (وقد تَرَكْتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعده، إِن اعتصمتم به، كتاب الله)
ثمّ يختم بقوله: (وأنتم تُسأَلُونَ عنِّي، فَمَا أنْتُمْ قائلون؟)
قالوا: نَشهَدُ أنكَ قد بَلَّغْتَ وأدَّيتَ وَنَصَحْتَ.

فقال بإِصبُعِهِ السَّبابةِ، يَرْفَعُهَا إِلى السماء ويَنكِّبُها إِلى النَّاسِ: (اللَّهمَّ اشْهَدْ، اللَّهمَّ اشْهد ثلاث مرات)
اللهم نشهد أنّ نبيّك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين …… أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى.

إخوة الإيمان كنّا قد ذكرنا سابقًا أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: “يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ”. كما أنّ من فضائلِ يومِ عرفةَ للحاجِّ ولغيرِهِ أنَّ الدعاءَ فيهِ خيرُ الدعاءِ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلّم -: ” أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ”
فلنغتنم ما تبقّى من ساعات هذا النهار المبارك بالتسبيح والتحميد والتكبير وبقراءة القرآن وبالإكثار مِن الدعاء وبالخلوة مع النفس مراجعين تقصيرنا سائلين المولى تبارك وتعالى العفو والمغفرة والقبول.

ولنسعَ لقيام ما أمكن من ليلة العيد فقد ورد بأنّها من ليالي إجابة الدعاء، ولنكثر من الدعاء والإلحاح على الله تعالى بأن يُعجِّل الفرج وأن يكشف الضُرّ عنّا إنّه سميعٌ قريبٌ مجيب.

وأذكِّرُكم إخوة الإيمان بأن لا تفوتكم صلاة العيد يوم الغد إن شاء الله وهي ستقام في مسجدنا هذا بعون الله تعالى بعد طلوع الشمس بنصف ساعة أي في تمام الساعة السابعة صباحًا إن شاء الله .

وصلاة العيد واجبةٌ على الأصح على من تجب عليهم صلاة الجمُعة، أمر بها رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – الرجالَ والنساءَ حتى العواتق وذواتِ الخدور يشهدن دعاء الخير ودعوةَ المسلمين، ولذا استحبَّ جماهير أهل العلم الخروج لها.

فحريٌّ بنا أن نخرج إلى صلاة العيد رجالًا ونساء صغارًا وكبارا تعبُّدا لله عزَّ وجل وامتثالًا لأمر رسوله – صلّى الله عليه وسلّم – وابتغاءً للخير، فلا تحرموا النساء والولدان الفرحة بصلاة العيد، فكم في ذاك المصلّى من خيرات تنزل ومن جوائزَ من الربِّ الكريم تَحصُل ودعواتٍ طيبات تقبل.

ومصلّى النِّساء في مسجدنا مفتوح لذلك بعون الله.

ولقد كان رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – يتعاهد أموراً في العيد، داوم عليها ونقلها عنه صحابته، حري بالمسلم أن يتأسى فيها بنبيه فمن ذلك:
أنّ المصلّي يغتسل ويتطيّب ويبادر بالخروج إلى المُصلّى وهو يُكبِّر من بعد صلاة الصبح ليحصل له الدنو من الإمام وانتظار الصلاة، وهو في صلاة ما انتظر الصلاة.

ومن السُّنّة أيضًا أن يأتي للمسجد من طريق وأن يعود من طريق آخر كما كان يفعل رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-.

ومن السُّنّةِ أنه في عيد الأضحى يؤخِّرُ الأكل حتى يفرغ من صلاة العيد، ومن استطاع أن يُضحّي فالسُّنّة أن لا يأكل حتى يَطْعَمَ من أضحيته.

وليخرج الرجال مُتنظِّفين متطيبين لابسين أحسن ثيابهم، وليبلِّغوا نسائهم بأنّ طالبة الرحمة والقبولَ من الله حريٌّ بها أن تخرج بلباسٍ خالٍ من المخالفة لشرع الله، فتتحرى الخروج بحشمةٍ وبلا تبرُّجٍ وبلا طيب ولا زينة وأن تتجنَّب مخالطة الرجال عسى الله تعالى أن يكشف عنَّا ما حلَّ بنا إنّه القادر على كل شيء وهو الغفور الرحيم.

ختامًا لا ننسى أنّ الإكثار من التكبير في هذه الأيام سنّة وهو بعد الصلوات المفروضة (وليس بعد الأذان كما هي البدعةُ في بلادنا)
وهذا يكون للصلوات المفروضة من فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام العيد. وصفتها أن نُكرِّرَ ثلاثًا:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)
اللهم لك الحمد ملئ السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد
إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 4.7 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *