الكاتب: محمد أبو النصر
مدّة الخطبة: 22 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ – وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.
2- المعاصي والمنكرات موجودةٌ في كل زمان ومكان.
3- ما المعيار لتحديد خيرية المجتمع ولاستحقاق عذاب الله؟
4- يا رب تأمَّر المترفون ففسقوا وطغوا، فلِم يكون إهلاك الجميع؟؟
5- مسؤولية الأفراد والهيئات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وتغيير المنكر.
6- من كان يعبد داعش فإنّ داعش قد ولّت من هنا ومن كان يعبد الله فإنّ الله حي باق لا يموت.
7- أهمية وجود مؤسّسة متخصِّصة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
8- إنّ الله يزع بالسلطان أكثر ما يزع بالقرآن.
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
9- توضيح معنى قوله تعالى: (لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
10- مساعي الأعداء لحرف مسار الثورة. (يريدون أن نرضى بالفُتات).
11- أهمية عودة الشباب للمظاهرات.
12- أنتم من تعطون الشرعية وأنتم من تنزِعونها.
13- دور المظاهرات في تبيين نبضِ الشارع.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذكر الدليل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكفار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين
أمّا بعد عباد الله:
قال الله تعالى وهو أحكم القائلين: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) [الأعراف: ١٦٥].
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: ١١٧].
(وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) لم يقل الله تعالى وأهلها صالحون بل قال وأهلها مصلحون.
إخوة الإيمان هذه اشارة ربانية مفادها أن العذاب العام وإهلاك الأمم لا يُرفع إلا إن سرت فيها دعوة الإصلاح فلا يكفي من المسلم أن يكون صالحًا بنفسه لا يسعى في إصلاح بيئته المحيطة (فما بالك بمن يتفاعل معها على ما فيها من شرور وآثام )
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ”.
[لاحظوا معي إخوة الإيمان: لم يسكت عن المنكر بل نهاه عنه مرَّةً واحدة، وفي اليوم التالي رآه مداوما على معصيته فلم يمنعه ذلك من الجلوس والأكل والشرب معه فضرب قلوب بعضهم ببعض، (أي سوّد قلوب من لم يعص بشؤم المعاصي التي طغت في المجتمع حتى ألفها جميعهم) فأصبحت قلوبهم قاسية لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرا فهلكوا جميعا]
ثُمَّ قَالَ [تلا روحي فداه الآيات الكريمة]: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)) [المائدة: ٧٨ – ٨١].
ثُمَّ قَال روحي فداه: “كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَي الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ” والحديث بطوله رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمِذيّ: حديث حسن غريب.
إخوة الإيمان ليس في المجتمع الإسلامي تكون المعاصي والمنكرات عُرفا مسكوتا عنه، فالمعاصي والمنكرات موجودةٌ في كل زمان ومكان حتى في خير القرون، ولكن الفرق والمعيار لتحديد خيرية المجتمع أنَّه في المجتمع السليم المؤمن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وتغيير المنكر،قائمًا حصنا منيعا للمجتمع يدفع الخير للانتشار والشر والفساد للخوف والتقوقع والانحسار.
أما إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا ترك الناس ذلك أفرادًا ومؤسّسات، أفرادًا (وهذا يشمل جميع المسلمين فكلهم مأمورون بذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “من رأى منكُم منكرًا فلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”. [رواية مسلم]. وهذا دليل وجوب ذلك على كل مسلم، على مستوى الأفراد، أمّا على مستوى المؤسسات، على مستوى السلطة، على مستوى الهيئات فلا بدّ أن يكون لدينا هيئة أو جهة متخصِّصة بالأمر والمعروف والنهي عن المنكر كالشرطة وما شابه ذلك.. (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)
أما إن لم يكن هذا موجودًا في المجتمع فنحن نترك المجال للشر ليتسع وليتمدد ولينتشر وليصل حتى إلى أبناء وبنات الصالحين في دورهم، فلو كنت صالحا لن ينفعك ذلك إن لم يكن الإصلاح والسعي فيه سمة غالبة على المجتمع عندئذٍ سيصل الشر لبيتك أيُّها الصالح –لابنك ولابنتك ولزوجتك- عندئذٍ يتسع الشر وينتشر ليصير هو السمة الغالبة للبلد فيأتي عذاب الله العام ليدمر البلد كلّها وليقلب عاليها سافلها وفي مثل هذا قول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16]
دَمَّرْنَاهَا كُلّها، المُسرِفون المُترَفون والفقراء المساكين الصالحون المستضعفون، دَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرً، يا رب تأمَّر المُترفون ففسقوا وطغوا، فلِم يكون إهلاك الجميع؟؟ ما ذنب غير القاداتِ وغي المتأمِّرين وغير المُترفين؟؟ فالله تعالى يقول (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) وفي قراءة (أَمَّرنَا مُتْرَفِيهَا) (فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) ماذنبنا؟ لم ندمّر بإفساد القيادات والمتصدِّرين؟ لم ندمّر بإفساد المُترفين؟؟ …
مفاد الآية توجيه من الله تعالى: الذنب ذنبكم لأنّكم لم تأمروا أولئك بالمعروف، ولم تزجروهم عن المنكر، ولم تُغيّروا المنكر بل كنتم عونًا لهم على ذلك وسكتُّم عنهم، وقبلتم تأمُّرَهم وتسلُّطهم عليكم، فيهلك الجميع ويغرق المركِب بالجميع.
وفي هذا روى البخاري عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
“مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ [المُتتبِّع لشرع الله] وَالْوَاقِعِ فِيهَا [المتجاوز الحد لما حرّم الله] كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا,[ أي عملوا قُرعة فكان البعض على سطح السفينة العلوي والبعض داخلها من الأسفل] فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ, فَمَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ آذَوْهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا فَاسْتَقَيْنَا مِنْهُ وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا,[لندعهم فهم أحرار في نصيبهم، ما لنا وما لهم!!] وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ [أصلحوهم ومنعوهم عن الفساد] نَجَوْا جَمِيعًا” [فإن تركوهم ليثقبوا السفينة لن يغرق من في أسفلها فقط بل ستغرق السفينة بالجميع]
فلو تركنا أسافل وأراذل القوم ليفسدوا وليجاهروا بالمعاصي فنحن كمن يترك أولئك ليثقبوا السفينة فيأتي عذاب الله على كلِّ من في البلد-ولاتَ ساعة مندَمِ-
ولعلَّنا جميعًا شهِدنا إخوةَ الإيمان كيف أنّه بعد خروج الدواعش من كثير من المناطق عاد بعض الفاسدين المُفسدين ليجاهروا بالمعاصي، عادت النساء تخرج بالسراويل وبالبناطيل وبالعباءات الرقيقة والشفَّافة، عاد السفهاء الفسّاق ليتسكعوا على الطرقات يضعون الأراكيل بل ويجاهرون برفع الصوت بالأغاني الماجنة الفاجرة، تخيّل أنّ كلّ هذا يحصل ونحن في زمن حرب، قد نتعرض للقصف في أي لحظة ليموت الإنسان ومن ثَمَّ يُبعث على ما مات عليه، ورغم كلِّ ذلك نستثمر أوقات الرخاء في معصية الله، إن لم نُصلِح أنفُسنا ونُصلح مُجتمعنا الآن فمتى ننصَلِح والله تعالى: (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77))[المؤمنون75-77] [أي آيسون من كل خير].
فالله تعالى يعامل النّاس بالرحمة فلا يعودون لله !فيعطيهم بالشِّدة عسى أن يتوبوا فلا يرجعون ! فما تكون النتيجة؟ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [أي آيسون من كل خير]
لذلك إخوة الإيمان نقول لكم ولا نخاف في الله لومة لائم: من كان يعبد داعش فإنّ داعش قد ولّت من هنا ومن كان يعبد الله فإنّ الله حي باق لا يموت.
وهذه رسالةٌ نرسلها للمتسلطين وأصحاب القوّة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) ، لا يمكن أن نُفلح في مجتمعنا إلّا إذا كان عندنا هيئة أو شرطة متخصصة تأمُرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر.
الداعية الناصح المسلم الصالح يعظ وينصح ويرغِّب في الخير، ولكن هناك أناس لهم نفوس مُتمرّدة عتيّة لا ينفع معها الترغيب فيأتيها الترهيب فإن لم ينفع معها الترهيب فلا بدّ لها من الشِّدَّة، لذلك قال العلماء وبعضهم يقِفُهُ على عثمان بن عفّان –رضي الله عنه-: (إن الله ليزع بالسلطان أكثر ما يزع بالقرآن) أي بالقوة والسلطة أكثر ما يزع بالقرآن.
أيقظني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده الصالحين المُصلِحين، قال تعالى وهو أحكم القائلين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (الجاثية:15)
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن. أمّا بعد،إخوة الإيمان: فعَنْ قَيْس بن أبي حازِم قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: ١٠٥] قَالَ: وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ” رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ولعل أول عقاب يكون هو انتشار الظلم والباطل في المجتمع أما مفادُ قوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فالمعنى: اثبت على ما أنت عليه من الحق فلن يضُرّك تقصير المُقصِّرين، ولكن مما هو واجب عليك من الحق في كتاب الله وفي سنّة رسول الله أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المُنكر فالذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المُنكر قد قصّر فيما كُلِّفت به نفسه من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن فعله فقد برئت ذمته وإنْ لم يُستَجاب له].
وعن حُذيفَة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المُنكَر أو ليوشِكَنَّ الله أن يبعثَ عليكم عذاباً مِنه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم” رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
فكيف يستجيب الله لمن يدعوه وهو ينظر للظالم يظلم جاره فيقف وجيرانه يتفرّجون، هل كان لمجرم؟ لظالم أن يتفرعن على النّاس لو وقف الناس صفّا واحدا يردعونه؟
ولعل الأخطر في هذا الباب أننا جميعا إخوة الإيمان نشهد ما يحصل في مجتمعنا وما يُبذل لحرف مسار ثورتنا عن طريقها، دول الأرض وضعاف النفوس من أبناء جلدتنا ممن يباعون ويشترون، والجهلة المتنطِّعون الغُلاةُ بجهلهم، وغير ذلك من العوامل التي يسعى أعداؤنا لاستثمارها بُغية حرف الناس عن هدف جهادهم الأصلي ألا وهو: إسقاط النظام البعثي النصيري بكل أركانه ومحاسبة المجرمين وتحكيم شرع الله رب العالمين.
يريدون حرفنا عن هدفنا، ويريدون إرضاءنا بالقليل بعد أن بذلنا الكثير من الدماء والتضحيات هذه مسؤولية خطيرة وطامة كبيرة يجب أن يساهم كل منا بدوره في ردها فأراذل القوم وعملاء الغرب الممهِدون للعَلمانية وللصلح مع البعثية المُمهِّدون لبقاء الدولة العميقة بمخابراتها ومؤسساتها بيد أزلام إيران من النصيرية وغيرهم، كل أولئك يراهنون عليكم يراهنون على أنّ الناس قد بلغوا من الكرب والشدّة مبلغ الاستسلام فسيقبلون بالتنازلات وببيع دماء الشهداء والدليل على هذا السكوت والخنوع والرضا.
فالذين خرجوا أوّل الثورة بالمظاهرات ألوف مؤلفة ممن كانوا يقفون عزّلا عراة الصدور أمام بنادق الشبيحة لم نعد نسمع صوتهم ولم يخرجوا الآن ليبينوا موقفهم من أولئك، لم يخرجوا ليقولوا للمفسدين بين أظهرنا (يا مفسدين) لم يخرجوا ليقولوا لهم (إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية) لم يخرج النّاس ولم يرفعوا صوتهم بالحق وكأنّ طول زمن الثورة أنسى الناس أنّ كلمتهم هي من تعطي الشرعية وهي من تنزع الشرعية فلم يستثمروها الاستثمار الحق، فلم يعبِّروا عن رأيهم ونحن أمّة الإسلام التي قال الله فيها (وَأَمْرُهُمْ شُورَى) بل إن بعض المتحمسين أخذوا يوظفون بعض المظاهرات لتوافه الأمور ولإثارة النعرات وللتشهير بمن يحتمل أمرهم الستر فأصبحنا كرة تتقاذفها أقدام العملاء وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولهذا إخوة الإيمان فنحن نوصي المسلمين عامة والشباب المتحمس المتقد -الذي كان له خير دور أوّل الثورة- بأن يعودوا لتفعيل المظاهرات المضبوطة بضوابط الشرع (ما فيها إخلال بالآداب ولا تعيير ولا تشهير بغير ضرورة بالهيئات أو الأشخاص ولكنّها تعبير عن رأي الشارع ونبضه) هلا عدّتم أيها الشباب لتبيين موقفكم من أولئك ولنزع الشرعية عمّن يتكلم باسمنا من غير تفويض.
وأقول لكل خائف أنّ من لم يخف من شبيحة بشار لن يخاف ممن دونهم والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إنّي داعٍ فأمِّنوا