الكاتب: محمد أبو النصر
المكان: أحد مساجد حلب المحررة
مدّة الخطبة: 27 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.
2- تكلم لنا أيها المسلم عن ربِّك خمس دقائق.
3- كيف نعرف ربّنا؟
4- لم نعرف الله حق المعرفة فتشككنا في وعوده.
5- سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.
6- لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
7- عندما يأتي عذاب الله فلا رادّ لأمره (أمثلة من عصرنا هذا).
8- إن تنصروا الله نصركم بقوته التي لا رادّ لها.
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
9- تفسير آية الكرسي وما جاء فيها.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكفار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادةَ من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه.
وأشهد أنَّ نبيّنا محمّداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم
بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعدُ عبادَ الله:
قال الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67).
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حقّ قدرِه، ما عظّمُوه حقّ تعظيمه، ما أنزلوا الله تعالى من نفوسهم المنزلة التي تنبغي لجلاله قدرِه ولعظيم سلطانِه.
إخوة الإيمان كم نغفَلُ عن ذكر الله فإذا أصابتنا مصيبةٌ لجأنا إلى الله، وإذا أردنا أن نُطيِّبَ خاطِرَ النّاس ذكرنا الله الرحمن الرحيم، وإذا أردنا أن نُصدّق أقسمنا بالله ربّ العالمين.
فربُّنا الرحمن الرحيم، الرحيم بالمؤمنين الرحمن بالعالمين، القهار الجبّار القاصِم للعتاة البغاةِ الظلمة المجرمين.
يا ترى هل عرفنا الله تعالى حق المعرفة؟ هل قدَرنا الله حق قدْرِه؟ الله ربُّنا وخالقنا ومُنشِؤنا ومصوِّرنا وموجدنا من العدم هل قدرناه حقّ قدره؟ هل عرفنا عنه ما ينبغي أن نعرف عن ربِّنا ومولانا؟
لعلنا لو سألنا بعض المسلمين ممّن معنا أن يتكلم لنا عن الله ربِّ العالمين- لو أوقفك من لا يعرف الله، لو أو قفك غير مسلم يقول لك يامسلم تكلّم لي عن ربِّك- لو سألنا البعض أن يتكلم عن الله ولو لخمس دقائق لعجز عن أن يتكلم عن ربِّه وأن يصفه بما ينبغي أن يوصف به، عجز عن أن يصف لنا خالقه وبارئه ورازِقه ومصوِّره!!
ولعلّنا بالمقابل لو سألنا البعض أن يتحدّث لنا عن لاعبٍ من لاعبي الكُرَة -عن فاجرٍ من الفجرة عن فاسِقةٍ من الفسَقة، عن غانِيَةٍ من الغواني…. – لوجدنا البعض يتحدّث الساعات الطويلة عنهم وعنهنّ لا يكلُّ ولا يمل!!
أستغفر الله وأتوب إليه من هذا القياس والمثال، ولكني أردت أن أقرِّب للمسلمين وأن أوضح لهم الطامّة التي نحن فيها، نطلب نصر الله وندعو الله ونناجي الله ونحن لا نعرف الله ربّ العالمين!
لذلك عندما نقول للناس: (إن الله وعدنا النصر)، ترى قلوبهم متردِّدَةً خائفة لأنّهم أساسًا لم يعرفوا الله (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ذلك ربُّنا ومولانا الذي رحِمنا برحمته فجعل لنا في كل شيء آيةً تدلنا على قدرته ووحدانيته وعظمته، هذا ربنا، هل نعجز عن أن نعرفه حق المعرفة؟! وهو القائل سبحانه: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(192)) آل عِمران
الله ربنا ومولانا الذي دلنا على طريق معرفته فقال: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)) الذاريات
فالأرض بفجاجها وجبالها وسهولها وبحارها وما يعيش عليها وما جعل الله فيها آيةٌ للعقلاء المكلّفين، كلُّها دليل ينطق ويشير لعظمته سبحانه. (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى)(طه:53-54)
لأولي النهى لأصحاب العقول التي تفهم وتعرف أنّ عظمة الصنعة أكبر دليل على قدرة وعظمة الصانع.
هل تعلم أخا الإسلام أن نجمًا صغيرًا استطاع أن يُحدّد العلماء موقعه على بعد ملايين السنوات الضوئية -قالوا أنّه من صغار نجوم المجرّة- نصف قطره يتسع للمجموعة الشمسية كاملة، هل تعلم أن في هذه السماء المنظورة -وهذه كلُّها ما نراه من نجوم وكواكب وما يدرك بالتلسكوبات والمناظير كل هذه السماء الدنيا إذ أنّ الله تعالى حجب عن البشر ما بعدها- هذه السماء الدنيا فيها ملايين المجرات في كل منها ملايين المجموعات من النجوم والكواكب لعلّ المجموعة الشمسية التي فيها الأرض منها كمِثل قطرةٍ من بحر، كل منها يسير بدقةٍ منتهية في مداره ومساره لا يطغى على مسار وزمان غيره ولا حتى الشيء اليسير، وهذه كلُّها السماء الدنيا التي تمكّنّا من رصدها فما بالك بالسماوات الطباق التي حجبها الله عنا!! كل هذه العظمة في الخَلق ألا تدل على عظمة الخالق (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (لقمان:11) هذا ربُّنا وخالقنا الذي أمرنا بالأخذ بالأسباب، فغفِلنا بالأسباب عن مُسبِّب الأسباب، فشردت عقولنا بما هيّئه الله لنا، شردنا بالأسباب وجعلنا الأسباب إلهًا من دون الله حتى غفلنا عن ربِّنا الذي خلقنا لأمرٍ واحدٍ بيّنه إذ قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) ذاك ربُّنا على عظمته وعلى قُدرته خاطبنا خطاب من يريد رحمة عباده وهدايتهم فجاء في القرآن كثيرًا قوله : أفلا تعقلون أفلا تتفكرون أفلا تبصرون.
هو الله – ربُّنا اللطيفُ الرَّحيمُ الذي جعلَ كلَّ ما يُحيطُ بنا من مخلوقاته يدلُّنا عليه, بل جعلَ جسدَ الإنسانِ وما فيهِ من روحٍ ومشاعرَ من جملة البراهينِ الساطعةِ على عظيمِ قدرتهِ وواسعِ رحمته ووافرِ حكمته وبديعِ صنعته, قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }(فصّلت:53)
وقال تعالى مبيِّنا فضله على خلقه: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } (المؤمنون:12-14)
هذا ربُّنا الذي يخلق بشرا بلحمٍ وعظم مخلوقًا يعيش على هذه الأرض من ماءٍ مهين مدفوق لا حياة فيه فإذا أذن الله بأن يكون من هذا الماء الدفوق مخلوق جديد كان منه علقة ومضغة ومن ثمّ مخلوق جديد.
الخالق البارئ المصوّر المتفضِّل الذي لا يُعجزه شيء وصف نفسه بأنّه الرحمن الرحيم وقدم لنا الأمل بوافر عفوه ومغفرته مِن قبل أن يهدِّدنا بعذابه ونقمته فقال وهو الرحمن الرحيم أحكَم القائلين: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
يامن غرق في تيه الشهوات في تيه الجهل والمعاصي يامن أسرف على نفسه أقبل على ربِّك وافتح صفحة جديدة فربُّنا يغفر الذنوب جميعا لمن أقبل عليه صادقًا مُخلصا هذا ربّنا الغفور الرحيم رحمةً بنا من عذابه وعقابه خوَّفنا وخبَّرنا عاقبة العتاة المتمردين لنتعظ ولنكون من الصالحين النّاجين فأكمَلَت الآيات الكريمة] (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56))(الزمر:53-56)
(وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) بعض النّاس عندما يُذكّرُ بالله يسخر بالناصحين، يقول: أنا كافر؟ أنا مرتد؟ أنا لا أعرف الله ؟ لماذا تنصحني ؟؟
وينغفل هذا المسكين عن قوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55) ،الأصل في التذكير أنّه للمؤمنين، يأخذ الأمر هزلًا وسخريّا حتى يأتي أمر الله (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر:56)
مخلوق من خلق الله (جبريل عليه السلام) حمل قرى قوم لوط بطرف جناحه وجعل عاليها سافلها
وهذا نبي الله نوح كذبه قومه فطلب نصر الله:
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)) (القمر:9-14)
أغرق الله تعالى الأرض جميعًا لدعوة نوح، أغرق ولم يُبقِ عليها إلا من كان مع نوح في السفينة، هذا عذاب الله عندما يأتي وهذه قدرته التي لا تقف قدرةٌ في وجهها وهذا عذابه الذي لارادّ له، الذي لو كنّا مؤمنين به موقنين به حقّا لكان هذا النصر من الله وهذا المدد ومثلِه عونًا لنا (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (طه:128-129)
إخوة الإيمان: لعلّ القائل قد يقول هذه أمثلةٌ قديمة عن القرون التي خلت وهذا ليس في زماننا.
أعطيكم مثالًا ممّا في زماننا أعطيكم ممّا نسمعه في نشرات الأخبار كلّ فترةٍ وأخرى: أمريكا الدولة العاتية المتمرِّدة التي تملك أعتى سلاحٍ في الأرض، والتي تهابها دول الأرض قاطِبَةً، كُلَّ بِضعَةِ أعوام يُسلِّطُ الله عليها أعاصير وعواصف لا رادّ لها، ما لا يقف البشر في وجهه، كلنا سمع بالإعصار ساندي منذ عامين ومن قبله الإعصار إيزاك والإعصار كاترينا وغيرها الكثير تلك الأعاصير التي يطلقون عليها أسماء ونسمع أسماءها في نشرات الأخبار، ولكن يا ترى هل سألنا أنفسنا ما الذي تُخلِّفُهُ تلك الأعاصير.
أعطيكم معلومةً بسيطة: الإعصار كاترينا فقط عندما ضرب أمريكا خلَّفَ قرابة ألفي قتيل وخساراتٍ قاربت مئة وعشر مليارات من الدولارات – فقط في الولايات المتحدة الأمريكية عدا ما جاورها من الدول – وانقطعت الكهرباء عن خمس ملاين إنسان، ما من دولةٍ في العالم تجرؤ على أن تفعل عشر معشار ذلك بأمريكا ولكنّه عذاب الله، وعقابه الذي لا رادّ له (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(القمر:50-51)
هذا ربنا القهَّار الجبّار العظيم قاصم الجبابرة، قاهِر المتمردين، الرحمن الرحيم بالمؤمنين، هذا ربُّنا الذي وعدنا ووعد ربّنا صدقٌ لا يُرَد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ، إن أقمتم شرع الله، إن أعليتم شرع الله، نصركم الله بقوته التي لا رادّ لها
إذا كان ربنا ومولانا الذي عرفنا قدرته فيما ذكرنا قد أمرنا أوامر ووعدنا عليها وعودا فهل نَكفُر وعد ربِّنا ونخفِرُ عهده ونصدِّق من خالف ذلك من خلقه … أفلا تعقلون
اللهم زدنا بك يقينا وبدينك التزاما
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)) (آل عمران:193-194)
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن. أمّا بعد.
إخوة الإيمان:
ونحن نتحدّث عن عظمة الله سبحانه، ونحن نتحدث عن عظمة ربّنا وقدرته، لابدّ لنا من أن نذكر أعظم آية في كتابه نالت عظمتها من ما ذُكر فيها عن عظمة الله وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أُبيّ بنِ كعب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا أبا المنذر أتدري أي آية في كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [وهي آية الكرسي] فضرب في صدري وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر.
تلك الآية التي جاء في البخاري عن فضلها (أنّ من قرأها عندما يأوي إلى فراشه لا يزال عليه من الله حافظ ولن يقربه شيطان حتى يصبح )
آية الكرسي نعلِّمُها لأبنائنا ولبناتنا وكثيرٌ منّا لا يعلم معانيها!! فالله تعالى يقول:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255)
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود بحقّ إلّا الله سبحانه.
(الْحَيُّ) الحي حياة حقيقية، لا عدمَ قبلها ولا فناء ولا موت بعدها، كلُّ المخلوقات كانت في عدم وستنتقل لموتٍ بعدها، أما الله فهو الحي الحياة الحقيقية، أزلي سرمدي، باق أبدي.
(القيوم) أي القائم بذاته، فما من مخلوق خلقه الله إلا وهو بحاجة لإمداد غيره ولإمداد ربّه ليبقى أمّا الله فهو غني عن العالمين.
(لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) أي لا يأخذه تعب ولا نعاس ولا نوم – ولا ينبغي له – تعالى عن أن يشبّه بخلقه
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) كل ما في السماوات والأرض خلقٌ من خلق الله وأمرهُ بيد الله.
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) اسمع يامن تُسرف على نفسك وتمنّيها بشفاعة رسول الله فالله يقول (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وهو القائل سبحانه
(وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء:28) فلا تكون الشفاعة إلا لمن أذن الله ورضي أن يُشفع له فلا تَغُرّنك أمانيُّ المسرفين.
ربنا وبارئنا وخالقنا ومصورنا يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) (طه:7). (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19) (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (المُلك:14)
(وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) لا يحيطون بشيءٍ من علمه إلّا بما شاء هوَ أن يطلع عليه خلقه.
(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) تعالى كُرسيُّ الله عن أن يشبّه بما يعرفه البشر، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا، ولنعلم إخوة الإيمان عظمة هذا المخلوق يكفي أن نعلم أنّه جاء فيه (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) (صحيح رواه ابن حبّان والبيهقي)،(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (لقمان:11)
(وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) ولا يتعبه حفظ خلقه وهذا الذي ذكرنا ليس إلا ما أراد الله أن نطلع عليه من خلقه لنعلم أنه العليُّ العظيم
ربُّنا الذي عرفنا عظمته في مخلوقاته، هذا ربّنا الذي عندما خرجنا دفع للظلم ونصرةً لدينه نادينا (ما لنا غيرك يا الله) ووالله إن وقع في قلوبنا حقّا وصدقا ويقينا أنه لا مُعزَّ ولا مُذلّ ولا مجري للأمور إلّا الله، ولا رافع ولا خافض ولا مدبِّر للكون إلّا الله، إن فوّضنا التفويض الحقيقي لله، أتانا نصر الله، وأتانا مدد الله، وأتانا من حيث لا نحتسب، إنّه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير
إنّي داعٍ فأمِّنوا