الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 22/ جمادى الأولى/1436هـ
الموافق: 13/3/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 35 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ.
2- فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى.
3- فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
4- وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ.
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
5- موقف الأهل من الثورة وكيف يتعامل الشباب معه.
6- المنافقون وموقفهم المتذبذب والمتلون.
7- لسان حال بعض الدول والقادة: (اتبعونا ولنحمِل خطاياكُم).
8- ما يعصِمُ المجاهد مِن أن يكون مطيَّةً لمشاريع البعض.
9- شعرٌ في الحثِّ على الجهاد.
10- نقول لمن يأس: اليوم بدأنا.
رابط الخطبة على صفحة الفيسبوك
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يُدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) (العنكبوت: 1-3)
إخوة الإيمان ونحن على مشارف العام الخامس من جهاد الشام المبارك، ونحن نستقبل الذكرى الرابعة لانطلاق شرارة هذه الثورة، لانطلاق صيحة المظلومين التي دوَّت تصمُّ آذان الطغاة الظالمين على أرض الشام الحبيبة، أحببت أن نتدبَّر سويةً الآياتِ الكريمة من مطلع سورة العنكبوت وأن نقارنها بواقعنا وما وصلت إليه ثورتنا وفيها يقول الله تعالى: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3))
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا، أحسب أهل سوريا أن يقولوا آمنا أن يقولوا لا إله إلا الله حقَّا، لا معبود ولا حاكمية إلّا لله ولا سلطان إلا لشرع الله وحده، أحسبوا أن يقولوا الله أكبر في وجه الطواغيت، وهم لا يفتنون، أحسبوا أن هذا يكون بالسهل، ولعل ظنّهم كان أن تكون أيَّامًا وأشهرا كما كانت في تونس ومصر ويبقى الظلَمَةُ في الظلام هم الحاكمون، وما دروا أنّ المعادلة تختلف في أرض الشام التي متى تحررت ستكون باكورةَ تحرر الأمة الإسلامية وعودة مجدها، فكان الامتحان وكان الاختبار من ربِّ الأرباب ومسبّب الأسباب.
فلمَّا نادى الناسُ بالإخلاص لله (هي لله هي لله) وخرجوا معلنين التوكُّل عليه وحده (يا الله مالنا غيرك يا الله) فكان الاختبار لهم كما كان لسلفهم، (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
سُنّة الله في الامتحان والاختبار، متى هتف الموحدون لله وحده، أتى الامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا، لَيعلمنَّ الله الذين خرجوا تلبيةً لأمره ونُصرةً لدينهِ حقًّا، لَيعلمنّ الله الذين خرجوا نصرةً لإخوانهم المظلومين حقًّا، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ)، أولئك الذين لا يطول عليهم الأمد، ولا تلين عزائمهم بمضي الزمن، بل يزيدهم الجهاد صلابةً وثباتًا على مبادئهم، فهم لا يرون في طول المعركة إلّا فرصةً ذهبيةً لن تتكرَّر لينالوا شرف الجهاد في سبيل الله، ذلك الشرف الذي حُرم منه الكثيرون وحرمنا منه عشراتِ السنين، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، وليعلمنّ المتسلِّقين على الثورة، وليعلمنّ قطَّاع الطرق المجرمين، وليعلمنّ المنافقين المُتكالبين على المناصب، وليعلمنّ من ظلموا عباد الله وأساؤوا للمؤمنين،
وليعلمنَّ الله من خرجوا أول هذه الثورة – زَمنَ السِلمية – فلمَّا طالت وانقلبت جهادًا ارتدُّوا على أدبارهم خاسرين، وليعلمنَّ الله من باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، وليعلمنَّ الله من اتخذ الدين مطيَّةً، يكفِّرُ ويبدِّعُ ويفسِّق ويشقُّ الصفَّ وصولًا لشهوته في السلطة والمنصِب، وليعلمنَّ الله الذين تعلَّقت قلوبهم بعلائق الجاهليةِ وضلالاتها فأبوا أن يثوروا عمَّا تعلموه زمنها وإن خرجوا في الثورةِ ظاهِرًا
(فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم:32)
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، بشارةٌ لكل مؤمن، بشارةٌ لكلِّ مجاهد، فالكلُّ معروف لربِّ العِزَّة والكلُّ سيحاسب عاجلًا قبل آجل ولن يَتِرَكَ الله شيئا من عملك أخلصت فيه لله.
ثم يلتفت الخطاب القرآني في الآيات الكريمة لأولئك المجرمين لأعداء الدين، لمن فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا، فيقول المولى مخاطبا خلقه أجمعين: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (العنكبوت:4).
هل ظنَّ أولئك المجرمون أنهم ناجون بفعلتهم؟ هل ظنُّوا أنَّهم سيسبقون عذاب الله وبطشه؟ هل ظنّ أولئك أنهم يستطيعون الهربَ من نقمته وعذابه في الدنيا قبل الآخرة؟ (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ!!) والله لقد خاب تفكيرهم وخسئ ظنُّهم قال تعالى:(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ) (الأنفال:59)
ولقد روى البخاري ومسلم عن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ الله لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ “، ثُمَّ قَرَأَ – روحي فداه – : { وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود: 102]
ثمَّ تتبع الآيات الكريمة: ( مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت:5)،
أيُّها المؤمن أيُّها المجاهد يا من أيقنت بوعد الله ونصره للمؤمنين مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، فحاشى لله أن يُخلف وعده أولياءه (فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
لو تفكّرنا سويةً لم ختم الله تعالى بهاتين الصفتين من أوصافه الجليلة (السميعُ العليم) لِمَ لَمْ يقل مثلًا
( الجبار المنتقِم )؟؟
فهذا كلامُ الله المحكم الذي لا مكان فيه لحشوٍ لا نفع منه، فبعد أن ذكر الله المجرمين وتهديدهم، والمؤمنين وثباتَهم وحالهم مع بلائهم، يُذكِّرُ المولى عباده بأنَّه السميع العليم سميعٌ لدعائهم سميعٌ لشكواهم سميعٌ لتكبيراتهم … العليمٌ بحالهم، عليمٌ بصدق الصادقين وبإخلاصِ المُخلصين، عليمٌ بمؤامرات المتآمرين وبنفاق المنافقين، عليمٌ بكلِّ جهدٍ يبذله عباده الصادقون وما أخَّر الله تعالى نصره إلّا ليفضح سِتر المنافقين وليزداد إحسان المُحسنين فيجزيهم الله أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ …. لذلك تتبع الآيات الكريمة مذكِّرةً بأمرٍ مهم وهي قوله تعالى: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت:6)
فيامن خرجت مجاهدًا في سبيل الله لا تنظر إلى المقصِّرين ولا إلى المتراجعين، لا تقل حوَّلوا وبدَّلوا، لا تقل ولَّو الأدبار منهزمين، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، لا تمنُن علينا بجهادك ولا تمنُن علينا تريد أن تتسلط على رقابنا، تريد أن ترتبع الأمر دونَ مشورةِ المسلمين (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت:6)
فالله غنيٌ عنِّي وعنك غنيٌ عنَّا وعن جهادنا، والله مُتِمُّ نورِه ولو كره الكافرون، ولكن ليبلو بعضكم ببعض وليتَّخِذ منكم شهداء، إكرامٌ من الله تعالى وضحته الآية التالية: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ )(العنكبوت:7) مغفرةُ السيِّئات ورفع الدرجات للمؤمنين العاملين في سبيل الله …
اللهم اجعلنا منهم يا كريم …. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن.
أمّا بعد إخوة الإيمان:
نتبع مع تدبُّرِ آياتِ الله، ذاك التدبُّر الذي يختلفُ عن التفسير بجزئيَّةٍ مهمَّةٍ وخطيرة، وهي تفكُّرُ كُلِّ واحدٍ منَّا بمقامِه مِن هذه الآيات الكريمة.
أين أنا من تطبيقها؟ وبم أجيب ربِّي إن سألني عنها؟
يا من تقاعست عن خدمة الجهاد والمجاهدين ويا مَن خذَّلت ابنك وأبناء غيرك عن اللَّحاق برَكب هذه الثورة تفكّر فيما تتبعه الآيات الكريمة، وما زلنا مع مطلع سورة العنكبوت إذ يتبع الله بقوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (العنكبوت:8)
آيةٌ كريمة تتحدَّث عن وجوب الإحسان للوالدين وعن ضوابط ذلك أتت وسط الآيات التي تتحدَّث عن الجهاد وأهله وعن موقف النَّاس منه، ولو أعملنا فكرنا في سياق الآيات لعرَفنا أنها أتت تجيب عن سؤال يطفوا على السطح كلَّما نادى منادي الجهاد، سؤالٌ يسأله الشباب كثيرًا، مفاده: أريد الجهاد في سبيل الله ولكن أهلي يمنعوني عن ذلك فهل أطيعهم؟ … يأتي الجواب القرآني: وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا…إذ لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالِق.
ولكن لنتوقف قليلًا ولنلاحظ بديع التوجيهات القرآنية، إذ سبق ذلك التذكير بوجوب الإحسان للوالدين، فمخالفتهم في هذه المسألة لا تعني الإساءة إليهم أو جواز مخالفتهم في غيرها، فهم ما منعوك عنها غالِبًا إلّا لخوفٍ تملَّك نفوسهم عليك فطغى على قوَّةِ إيمانهم ففتنوا ولم يضحوا بأولادهم في سبيل الله
ولعلّ هذا من الأخطاء الخطيرة التي وقع فيها بعضُ شبابنا المجاهدين – غفر الله لهم – إذ بعضهم يعامل أهله بسوء الخلق وعدمِ الإحسان بحجّة أنهم منعوه عن الجهاد، وينسى أنَّ الله تعالى الذي أمر بمخالفتهما في موضوع الجهاد قدَّم الإحسان ذِكرًا فهو الأصل وهو ديدن المؤمنين، ولعلَّ البعض يسأل قائلا: أبي أو أمي يقولان لي لئن خرجت مجاهدًا لنغضبنَّ عليك فما رأي الشرع في ذلك ؟
يأتي ختامُ الآية الكريمة ليجيب عن هذا التساؤل بقوله تعالى ( إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) فعندما تكون بارًا محسنا لوالديك وتخالفهما بالجهاد في سبيل الله فالله يعلم حقيقة ذلك فلا تلحقُك تبعات عقوق الوالدين …
ثمَّ تتبع الآيات الكريمة تبيِّن موقف المؤمنين والمنافقين، فيقول المولى تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (العنكبوت:9)
فأولئك الذين شهد صالح عملهم على صدق إيمانهم فلا ثوابَ إلا باقتران الإيمان بالعمل الصالح ،أمَّا في الطرف الآخر فتبيِّن الآيات نموذجًا شاهدنا كثيرًا من أفراده بين أظهرنا فيقول تعالى:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 10)
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ) من الناس من رأى الانتصار الآني لثورة تونس ومِصر فظنَّ أن ثورة سوريا سرعان ما ستنتصر فخرج فيها وهتف لها (فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ) ذاق البأس والشِّدَّة ذاق متاعب الجهاد وضنكه رأى قصف العدو وتدميره (فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) فإذا به ينكصُ على عقبيه ويسعى بالفتنة بين المؤمنين (أنتم سبب البلاء !! أنتم سبب القصف!! …)
ينشغل بترهاته وينسى من قصفه ومن قتل أهله ومن شرَّد عياله ومن أهلكَ ماله فينسى كلَّ ذلك ويسعى بالفتنة بين المؤمنين عامَّة زمن الضعف، أمّا زمن قوّةِ المؤمنين وتقدمهم فحاله ما وصفه المولى بقوله:
(وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ(10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)) (العنكبوت:10-11)
الله تعالى عالم الغيب والشهادة، يعلم السرَّ وأخفى، يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصدور، فكيف لا يعلم المنافقين من المؤمنين؟؟؟
بلى إنَّه يعلم ولكنَّه لتمام عدله ووافر رحمته يقيم الحُجَّة على خلقه.
ومن ثُمَّ تتبع الآيات الكريمة بتوجيهٍ مهم لمشهدٍ خطير يمرُّ به المؤمنون في جهادهم في كلِّ زمانٍ ومكان، ذاك الموقف هو الدعوة للتنازل والدعوة للتفاوضِ على المبادئ …
فتتبع الآيات الكريمة بقول الله تعالى:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (العنكبوت: 12-13)
دول الشرق والغرب المنافقون والمتنطعون كلٌ يقول للمجاهدين ( اتبعوا سبيلنا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)
كم رأينا من الدول التي تدعي نُصح قادة المجاهدين تقف صامتةً أمام المجازر التي تحصل بأهل هذا البلد ولعلّ أحسنهم حالًا من يندد ويستنكر.
وكم رأينا يوم تغير حال ثورتنا مَن يدعو المجاهدين لحرفهم عن مبادئ جهادهم وعمَّا خرجوا مجاهدين من أجله، فيطلب منهم تحويل سلاحهم عن عدوهم المجوسي الرافضي ليوجهوه لصدور إخوانهم وليكون بأسهم بينهم شديدا، وماله حجَّةٌ في ذلك إلَّا دعاوى شتَّى قد يَصدُق منها واحدةٌ ويُكذَّبُ منها الكثير، ولا يكون وبالها إلى على الشباب المساكين المجاهدين…. الذين يحاول البعض جعلهم مطيَّةً لمشاريعه باسم الوطنية وباسم الدين وبغير ذلك مما غدا مطيَّةً يبرر بها كلٌ من أولئك انحرافه
فيا من خرجت لتقاتل الكفار ولتذود عن أمَّة الإسلام، يا أيُّها الثوار الذين خرجتم ردًّا للظلم عن المسلمين يامن تريدون عودة الثورة للطريق الصحيح الذي بدأت به يامن تريدون أن يعود للثورة ألقها وصفاؤها وطهرُها.
الله تعالى يعطيكم توجيهًا يعصِمُكم به من أن تكونوا مطيَّةً لمشاريع أولئك فيبيِّن لكم حال تِلك الدعاوي ومآلها بقوله سبحانه:
( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (العنكبوت: 12-13)
ذلك الذي يوجهك لقتل أخيك المسلم، لن يحمل عنك شيئا من خطاياك، إنهم لكاذبون، (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
فيوم القيامة لن يحمل أحدٌ عنك وزرك، ولكنَّ أولئك المُفترين العُصاة وأولئك المحرِّضين على الباطل سيحملون مع أوزارِهم أوزارًا كأوزارِ من أضلوهم ودفعوهم وغرَّروا بهم، سواءً كان ذلك التغرير لقتال إخوانهم المؤمنين أو للمصالحة ولتقديم التنازلات أمام أعداء اللهِ الكافرين،
فليكن سلاحك مصوَّبا على مكامن الأعداء الكافرين ودع كيد أولئك وحجَجِهِم
أخا الإسلام ونحن نستذكر الذكرى الرابعة لانطلاق هذه الثورة فلنعاهد الله على أن يكون سلاحنا مصوبًا على الكفّار وحدهم، أن يكون سلاحنا للذود عن حمى الإسلام والمسلمين أما أصحاب المشاريع فلينزلوا من مقراتهم ليتقاتلوا هم، ولا تتلبس بدم مسلم، أيًا كانت حجّتهم أولئك الذين شتتوا هذه الثورة وحرفوها عن مسارها، (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)، أولئك المفترون الذين حرفوا ثورتنا (وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)، إخوة الإيمان إن دَبَّ اليأس في صدور البعض وإن تراجع البعض وإن تخاذل البعض، فأبشركم بأن لله تعالى عبادًا مجاهدين يستشعرون حلاوة الجهاد تزيدهم النار صلابة كما تزيد النار صلابة الفولاذ، كل يوم عندهم هو يوم انطلاقة الثورة، إن يئس من يئس، وملّ من ملّ، وتراجع من تراجع، نحن ثورتنا بدأت اليوم، إن انحرف المسار، التصحيح سيبدأ اليوم، التصحيح سيبدأ في هذه اللحظة، يوم يوقن كل مجاهد لماذا خرج، خرجت لدفع الظلم عن المسلمين، من أراد أن يحرف بندقيتك خدمة لمشروعه، قل له أنا خرجت لأقاتل المجوس ومن معهم، أما إن أردت أن أقاتل إخوتي الموحدين فتعال أنت وقاتل، عليك لعنة الله رب العالمين، إخوة الإيمان والله إن لله تعالى جندًا لا نعرفهم يتجدد إيمانهم في كل لحظة، لا يزالون صابرين على الحق وسيظهرهم الله تعالى ويعلي شأنهم وينصر دينهم ويمدهم بجيل جديد من المجاهدين يكونون عونًا لإخوانهم ينصرون شرع الله يسمعون منادي الجهاد فيلبّوا في سبيل الله ولا يلتفتون إلى هذه الترهات.
حكّمْ سلاحك في صدورِ العُذَّل *** واذا نزلتْ بدار ذلَّ فارحل
وإذا الجبانُ نهاكَ يوْمَ كريهةٍ *** خوفاً عليكَ من ازدحام الجحفل
فاعْصِ مقالَتهُ ولا تَحْفلْ بها *** وأقْدِمْ إذا حَقَّ اللِّقا في الأَوَّل
واختَرْ لِنَفْسِكَ منْزلاً تعْلو به *** أَوْ مُتْ كريماً تَحْتَ ظلِّ القَسْطَل
لا تسقيني ماءَ الحياة ِ بذلةٍ *** بل فاسقني بالعزَّ كاس الحنظل
اللهم اصرف عنّا كيد الكائدين وضلال المُضِلِّين وافتراء المُفترين
إني داعٍ فأمِّنوا