#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
شباب المظاهرات و قصة أصحاب الأخدود
التاريخ: 8/ ربيع الثاني/1438هـ
الموافق: 6/ كانون الثاني/2017م
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 27 دقيقة
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1- فضل من تظاهروا أول الثورة وفتحوا أبواب الثورة لهذا الشعب
2- أسرانا وشجاعتهم
3- أفْضَلُ الجِهَادِ .. وسادة الشهداء.
4- رب كلمة أحيت أمَّة
5- قصة أصحاب الأخدود
6- كنَّا عايشيين !!
7- الطواغيت ومشكلتهم مع الإيمان بالله
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
8- الدعوة لاستمرار المظاهرات
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله ربِّ العالمين، ابتلى عباده ليختبرهم وأثابهم على صبرهم بجنات النعيم) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 142)
والصلاة والسلام على قائد القادات وسيِّد المجاهدين، إمامِ الرسل، سيدنا محمد الذي ابتلاه ربُّه بألوان البلاء فصبر فكان خير الصابرين، وشكر فكان خير الشاكرين، صلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد إخوة الإيمان يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) (الحديد:10)
إخوة الإيمان والعقيدة بناءً على ما تحدثنا عنه في الأسبوع الماضي، وقد تحدثنا عن أهميَّة عودة الشعب إلى المظاهرات لتصحيح مسار الثورة والمجتمع، ولأطر المتنازعين على الحق … وأنا أتحدَّث عن التظاهر والمظاهرات مرَّت بذهني وبذاكرتي صورة إخواننا الذين أنفقوا من قبلِ الفتحِ وقاتلوا … مرَّت بذهني صوَر أبطالٍ كانوا يقفون أمام القتلة والمجرمين بصدورٍ عارية، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مطالبين بحق هذا الشعب بالحريَّة والكرامة والمعاملة العادلة، بعيدا عن التمييز الطائفي، بعيدا عن إجرام أفرع الأمن، بعيدا عن محاربة الإصلاح والمصلحين، ليقفوا في وجه من دعم الفساد والمفسدين، أولئك الشباب الذين أنفقوا من قبلِ الفتحِ وقاتلوا، أولئك الذين تظاهروا يوم كان التظاهر أمرًا مُخيفًا، أي شجاعةٍ تلك ، وأيُّ إيمانٍ بقضيَّةٍ ذاك الذي يدفع الإنسان ليقف أمام قاتله …
يقف أمام من سيأخذه لمعتقلٍ حيث سيقطِّعه ويُعذِّبه ويقتله وغالبًا لن يعيد جثمانه أو ما سيتبقى من جثته إلى أهله … أولئك الشباب الذين طرقوا لنا أبواب الحرية بأيديهم الحمراء التي ضرجتها الدماء الزاكية ، أولئك الشباب الذين اندفعوا منذ ست سنوات هاتفين الله أكبر، اندفعوا بصدور سليمة وبفطرة سليمة يجمعهم مطلب ردِّ الظلم ودفع الظالمين …
أولئك الذين لم تفرِّقهم الأهواء ولم تفرِّقهم الجماعات أولئك الأبطال الذين أحيوا هذه الأمَّة الراقدة وأثبتوا أنهم الخير الباقي في أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- ، هذه الأمَّة التي لم يُتودَّع منها بعد؛ ففي مُسند الإمام أحمد يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ” إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تُوُدِّع منهم “.
فوالله ما تُودِّع منَّا وفينا مثل أولئك الشباب الذين وقفوا برغم إرهاب المجرمين ليقولوا للظالم أنت ظالم، وقفوا يوم لم يكن لدينا سلاح، يوم كُنَّا مُلاحقين وخائفين، وقفوا وضحوا بأرواحهم ليقولوا للظالم ، (إنك أنت ظالم)، وقفوا ليكونوا الدليل على بقاء الخير في أمَّة محمد، رُغم كلِّ محاولات إضلال هذا الشعب …
والله ما تُودِّعَ منَّا وفينا من يجاهد أفضل الجها،د وفي الحديث الحسن الذي رواه أَبُو داود والترمذي عن أَبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – ، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – ، قَالَ :(( أفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ )).
وفي الحديث الحسن الذي أخرجه الترمذي والحاكم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».
والله لإنَّهم أولئك الشباب الذين وقفوا يوم لم يتجرأ أحد على الوقوف في وجه الظالم ليقولوا له (أنت ظالم) أولئك خير الشهداء ((رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)) … لذلك فشتَّان شتاب بين من يتظاهر في الأمن والأمان وبين من يقف أعزل اليد عاري الصدر أمام قاتله … شتان بين من تظاهروا في مدنٍ فيها عصبة قبليَّة تحميهم، وبين من تظاهروا في المدن الكبرى حيث لا ناصر ولا مُعين لهم إلَّا الله …
عندما نتحدث عن أولئك، عندما نتحدَّث عن أبطال المظاهرات وعن زمن الثورة الجميل، أذكَّر أبطال جامع آمنة ، أذكَّر أبطال جامعة حلب ، أذكَّر المظاهرة الكبرى يوم جنازة شيخنا مفتي حلب الشيخ ابراهيم سلقيني رحمه الله، الذي وقف وقفة حقٍّ أمام مسؤولي الأمن في حلب فشتموا الذات الإلهية وتعمَّدوا إهانته فأصابته جلطة دماغيَّة مات على إثرها، لأنه لم يحتمل هذه الإهانة مع ما صُدم به من مواقف مشايخ النظام المدجَّنين في أفرع المخابرات، أولئك الذين باعوا دينهم بعرضٍ من الدنيا قليل، عندما نتذكَّر أولئك الأبطال نوقن بصدق من قال : (رُبَّ كلمة أحيت أمَّة) .. ربَّ كلمةٍ أيقظت جيلًا كاملا … رحم الله أولئك الأبطال الذين جدَّدوا في الأمَّة بلال وابن مسعودٍ وهما يصدحان بالحقِّ بين صناديد مكَّة ولا ناصِر لهم إلا الله.
رحم الله مئاتٍ استشهدوا في المظاهرات ليفتحوا لنا باب الثورة، رحم الله عشرات الآلاف الذين قتلهم السفاح في جنوده، وفرَّج ربي بعظيم قدرته عن سبعين ألفًا أو يزيدون من إخواننا وأخواتنا يموتون في اليوم مئة مرَّةٍ وهم ينتظرون فرج الله، وهم ينتظرون العون والنصر من إخوانهم المؤمنين.
رحم الله أبطالًا كانوا فينا كفتى أصاحب الأخدود الذي حدثنا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث في صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
” كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ [ أي قبل الإسلام .. ] ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، [ ليورِّثه هذه الصنعةَ الخبيثة، وليكون ساحر الملك من بعده .. ] فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، [والراهب كان على دين النصرانية الحق قبل أن يُحرف، دين عيسى ابن مريم وسائر الأنبياء، إنَّ الدين عند الله الإسلام فكان الفتى يجلس ويسمع منه … ] فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، [فأعجب الفتى بكلام الراهب، وعرف بأنَّه الحق وأن كلام الساحر ضلال وباطل …]
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، [ قتلَ الدابة الكبيرة بالحجرة الصغيرة كرامةً بإذن الله…] فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، [الطبيعة البشرية تخاف الابتلاء والفتنة وتخشى ارهاب الطغاة المُجرمين… ]
وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، [ولم يرجع عن دينه … ] ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى [لما وقر في قلبه بعد أن رأى عظمة قدرة الله وقد رد عليه بصره …] فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ [الغلام ..] : اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ [ الغلام ..] يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، [ .. اللهم اكفنا العدا بما شئت …] فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ [رماه أكثر من مرَّة فلم يقتله حتى إذا عجز …] أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: [مناديا أمام الناس مُقرَّا على نفسه بلسانه بربوبيَّة ربِّ الغلام… قائلا: ] بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ.
[لاحظوا – إخوة الإيمان – كيف ضحى هذا الفتى بنفسه وقد كفاه الله شرَّهم في الأولى والثانية لكي يدفع الناس لينعتقوا من العبودية للطاغيت الذين نصَّبوا أنفسهم على الناس أربابًا من دون الله …]
فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، [أمر جنوده، شركاؤه في الجريمة، فليس عندنا مبرر بدعوى العبد المأمور، فكل نفسٍ بما كسبت رهينة … أمر جنده الظلمة بإضرام النيران …] وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ ” [ا.هـ ]
[فألقت نفسها ووليدها في النار ، فالموت لأجل الحق خير من العيش لأجل التصفيق للباطل … لم يلم النبي ولا الصحابة صاحب الأخدود لأنَّه أيقظ الناس من سكرتهم ولم يعتبروه أنَّه كان سبب ابتلائهم وامتحانهم لأنه شجعهم على الثورة على الملك الظالم الكافر، لم يلم العقلاء الفتى لأنَّ ما كان ينتظر الناس من عذاب الله لو استمروا على ما كانوا عليه كان أدهى وأمَر … فهم ابتُلوا ثمَّ بعد سنين من عاش منهم انتصر وعاش كريمًا عزيزا … ومن قُتل منهم استعلى بدينه وإيمانه وترفَّع عن الحيوانية التي تغدو فيها حياة الإنسان كحياة البهائم (أكلٌ وشربٌ وبذرٌ للذريَّة) عندما وصف الله الكفار قال ((إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)) [الفرقان:44]. لأنهم بملء إرادتهم قلبوا حياتهم البشرية حياةً حيوانيةً بهيميَّة ، وهذا كان حال كثيرٍ منا، كثيرٌ ممن يعتب على الشباب الذين فتحوا أبواب الحرية وأضرموا نار الثورة، هذا لسان حالهم عندما يقولون ((كنَّا عايشيين !!)) كنا نأكلٍ ونشُربٍ ونأتي الشهوات، وشتان بين من يعيش لذلك وبين من يعيش لأجل هدف كبير ومبدأ عظيم يموت ويحيا من أجله ، ثمَّ يموت في يومه الموعود الذي وعده الله إياه من قبل يولد …
(( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) )) [البروج]
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ، لأنَّ الإيمان به يعني نزع ربوبية من سواه ، ويعني إفراده بالحاكمية، ويعني أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،
((وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) ))
فالله شاهد عالم مُطَّلِع يُمهل الظالم ولا يُهمله، الله شاهدٌ عالم ما كان ليُضيع إيمانكم، وما كان ليُضيع دماء إخوانكم
اللهم ألهمنا رُشدنا وثبِّت على الحقِّ أقدامنا واختم بالصالحات أعمالنا …
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا إخوة الإيمان أنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، أما بعد إخوة الإيمان سيرا على درب من سبقنا من إخواننا، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، أمرا بالتوحد ونبذًا للتفرق، أمرا بالإصلاح ومحاربةً للفساد، لا بدَّ أن تستمرَّ مظاهراتنا وإن كنَّا نتظاهر حيث الأمن والأمان … فكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى … من بذلوا قبل الفتح وبعده
وبإذن الله سنعود بمظاهراتنا إلى زمن الثورة الجميل يوم جمعنا هدف واحد وعلمٌ واحد نطالب بمطالبنا، ولا نذكر اسم فصيل ، فنحن لم نخرج لنتملَّق أحدًا فكلهم – ولا أستثني منهم أحدا – لديه ما يكفي من الخير ولديه ما يكفي من السوء … وكلهم بلا استثناء سبب بالحال الذي وصلنا إليه اليوم ..
لن نخرج لننصر أحدهم على الآخر، فنحن خرجنا بالثورة لنعيش بكرامة وحريَّة لا نكون تبعا افلانٍ ولفلان ممن تسلَّقوا على الثورة فأضروا بها أكثر مما نفعوا …
سنخرج بمظاهراتنا لنطالب بالتوحد ولننبذ التفرق ولنسقط المفسدين..
سنخرج بمظاهراتنا استجابة لأمر الله بلزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سنخرج بمظاهراتنا ونحن نعلم أن عملاء النظام وداعش سيسعون لإفسادها بحجج شتَّى… فسنذكِّرهم – بل سنريهم – ما كنا نُعدُّه للشبيحة في آخر فترةٍ من المظاهرات السلمية …
ثورتنا باقية … وفرج الله قريب … والعاقبة للمتقين … والنصر صبر ساعة … وعلى الله فليتوكل المؤمنون
إني داعٍ فأمِّنوا