الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 4/ شعبان /1436هـ
الموافق: 22/ أيار/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 23 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- النفير.
2- عواقب ترك النفير.
3- وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ …؟ هل أعددت جوابًا للسؤال؟
4- انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا.
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
5- قالوا علام خرجت؟ ((قصيدة))
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يُدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد
عباد الله:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (التوبة:38)
أمرٌ ربَّاني وتوجيهٌ إلهيٌ لعباده المؤمنين، وزجرٌ وتوبيخٌ للمنافقين والقاعدين والمتكاسلين عن نُصرة ربِّ العالمين، أولئك الذين ارتضوا الحياة الدنيا ولو كانت حياة ذُلٍ وهوان، فقدَّموا الزائل القليل على الأبدي الكثير، وما ذاك إلّا لقلَّة إيمانهم، وضَعف يقينهم بوعد ربِّهم… فما كانت عاقبة فِعالهم؟؟ … تتبع الآيات الكريمة… (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39))
إن تركتم الجهاد وأبيتم النفير في سبيل الله فقد عرَّضم أنفسكم ومجتمعكم لعذاب الله في الدنيا قبل الآخرة.
في الدنيا: بالذلِّ والهوان وتسلط الكفار والفجَّار والبغاة عليكم يسومونكم سوء العذاب.
وفي الآخرة: فعذاب الله لمن يأبى طاعته سبحانه.
(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، لعلَّ بعضكم قد يظنُّ أن تقاعس قومٍ ما عن نصرة دين الله قد يضير دين الله في شيء !!! وهذا واللهِ جهل خطيرٌ بسنَّة الله في نُصرةِ دينه وأمره، فالعذاب والخزي للمتقاعسين، أمَّا دين الله ، أمَّا شرع الله، فباقٍ رغم أنفِ النَّاس أجمعين، يهيئُ الله له من حيث لا نحتسب قومًا ينصرونه، وقد والله شهدنا ذلك بأعيننا جهارًا نهارًا، شبابٌ خلقوا لجنَّات النعيم يأتون لا ندري اسمهم ولا نعرف بلادهم أتوا ليقاتلوا ويقتلوا ويدفنوا ولا يدري بهم أحد …
أتوا لله وفي الله ولأجل دين الله باعوا واللهُ اشترى.
ربحوا البيع واللهِ ربِّ العالمين، ربحوا البيع واللهِ ربِّ العالمين
ثمَّ تتبع الآيات تضرب لنا مثلًا نعرفه جميعًا، لكي نتذكر دائمًا أن هذا الدين منتصرٌ لا محالة، فإمَّا أن نكون من المنتصرين المستعمَلين في نصرته أو أن نكون من المستَبدَلين الخاسرين الخائبين، إذ يقول تعالى متبعًا: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40) عندما تظن أنَّ النصير قد عُدِم فأعلم بأنَّ لله جنودًا لا يعلمها إلّا هو، يمُن الله بهم على الصادقين، على أولئك الذين أيقنوا بمعيَّةِ الله لهم (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ليجعلَ اللهُ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هي العُليا ومن رضي فله الرِّضا ومن سَخِطَ فعليه السَّخط
ونحن الآن إخوة الإيمان نقف أمام منعطفٍ خطير وكبير ومهم من منعطفات هذا الجهاد الشامي المبارك وهذه الثورةِ الأبيَّة، والقاصي والداني يعلم التجهيز لمعركة حلب الكبرى، تلك المعركة التي لابدَّ فيها من تضافر الجهود كلِّها، تلك المعركة التي اجتمعت من أجلها جميع فصائل المجاهدين.
فأين أنت أخا الإسلام من ذلك؟ وأين بصمتك في هذا العمل الجليل؟
والله تعالى لم يبق حجَّةً لأحد إلا ودحضها بقوله سبحانه: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة:41)
فالشاب والكبير، الخفيف والثقيل، الأعزب وذو الزوجات والبنون، كلٌّ وجب عليه النفيرُ بما يستطيع، إن لم تستطع بجسدك فليكن بمالك، إن لم تكن مقاتلا فلتكن مُمرِّضا أو مسعفًا أو مذخِّرا أو مساعدًا في تجهيز طعام الغزاة، إن لم تملك سِلاحًا فجاهد بسيارتك أو بما تملك فإن عجزت عن هذا كلِّه فلتكن ممن يجهّز غازيًا بسلاح أو مال، فإن لم تملك فأخلُف غازيًا في أهله بخير، تنفق عليهم وتعينهم حال انشغاله بالدفاع عنّا وعن أعراضنا لكي لا تكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ لَمْ يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِياً، أَوْ يَخْلُفْ غَازياً في أهْلِهِ بِخَيرٍ، أصَابَهُ اللهُ بِقَارعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ)) [رواه أَبُو داود بإسناد صحيح].
أي أصابه الله ببلاء عظيمٍ لا رادَّ له ولا منجا منه، ذاك الجبان الذي لا يجد جوابًا لقوله تعالى:
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) (النساء:75)
ما أعددت لهذا السؤال؟ أين أنت من واجب الأخوة في الله؟ من لأعراضنا ولبناتنا ولعجائزنا المستضعفين المقهورين هناك عند الكفرة؟!
تتبع الآيات الكريمة تخبرنا من هم أصحاب النخوة والغيرة والحمية، (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (النساء: 76)
فجند الرحمن قادمون وأولياء الشيطان منهزمون، فصبرًا إخوتنا في حلب الأسيرة فمساعي المجاهدين وتجهيزاتهم ستسرٌّ خاطركم، وتسعدكم من بعد حزنكم، وقد سمعنا جميعا البشائر في الأيام الماضية والنصر صبر ساعة
ولسان حالنا يقول (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) (النمل:37)
وتلك الأيام نداولها بين الناس…
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21)
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.
إخوة الإيمان:
قالوا علام خرجت؟ قلت لأنـــني *** حرٌّ سمعت توجع الأحــــرار
وسمعت نوح المسلمات فقمـت كي *** أفديهم بالنفس والأعمـــــار
ورأيت دمع يتيمة تبكي علـــى *** فقد الأحبة تحت كل دمــــار
ورأيت أمّاً تحتمي وصغارهــــا *** في خيمة محروقة بالنــــــار
ورأيت ثكلى فجّعت بوليدهـــا *** قد مزّقته قذائف الغـــــدار
ورأيت شيخاً قد تحدّب ظهـــره *** رفع الأكف لواحد قهّـــــار
وبكيت حين رأيت طفلاً خائفــاً *** عقبيه تدمى لائذاً بفـــــرار
والكل يسأل هل ترى من قومنــا *** حُرًّا فتي آخذً بالثـــــــار
وقرأت قول الله (إلا تنفـــروا) *** فلتبشروا بالخزي ثم العـــــار
ووعيت قول محمد (فلتنفــــروا *** يوم النفير) كما رواه بخـــاري
أ وَ بعد هذا هل يطيب العيش فــي *** هذي اللذائذ أو يقرُّ قــــراري
كلا فإني مسلم بعقيدتـــــي *** شهمٌ أهب لصيحة استنصـــار
قالوا : تمهّل، قلت: إن عداتنــا *** لم يمهلوا إخواننا لنهــــــار
قالوا: استشرت، قلت :أي مشورة؟! *** من بعد ربي ونبيه المختــــار
قالوا: إذاً متعجّلٌ، قلت: الـذي *** سن التعجّل صفوة الأخيــــار
هذا التعجّل في الجهاد وهذه *** آثاره يا نعمت الآثــــــار
والله قد أمر العباد بـ(سارعــوا) *** وبـ(بسابقوا) لكرامة الغفـــار
قالوا: إذا متحمّسٌ، قلت: اعلموا *** أن الحماس مزيّتي وشعــــاري
قالوا وقد يئسوا: فأنت معانـــد *** قلت: الثبات على الطريق فخاري
يا من عدلتم بالجهاد شبابنــــا *** كفّوا عن التشهير والإنكــــار
أيلام من عشق الجنان ورَوحهــا *** وعلى خطى الأصحاب دوماً ساري
أيلام من هجر الحياة ولهوهــــا *** وبعزم حر هبّ لاستنفـــــار
أيلام من لله أرخص نفســــه *** يبغي بها الفردوس خير قـــرار
فدعوا الجهاد وأهله من لومكـــم *** وحذارِ من وصف النفاق حــذارَ
من لم يحدّث نفسه بالغـــزو أو *** لم يغز مات فميتة الأشــــرار
إن الجهاد هو الطريق لعزّنــــا *** وبتركه ذلٌّ وعيش صغــــار
إني داعٍ فأمِّنوا