الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 16/ رمضان /1436هـ
الموافق: 3/ تموز /2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 19 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- رمضان أيامٌ معدودات فلتدرك نفسك
2- الفائزون والخاسرون في رمضان
3- رمضان ثورة على العادات وكبح لجماح النفس
4- رمضان مدرسة العزيمة لأمة ستصنع التغيير
5- رمضان مصنع الأبطال
6- المجاهدون الذين انتفعوا من مدرسة الصيام (بدء معارك فتح حلب نموذجًا)
7- شباب ذللوا سبل المعالي (شِعر)
8- رمضان أيامٌ معدودات فلتدرك نفسك
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
9- أهمية الدعاء ودعاء للمجاهدين
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يُدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ: سرعان ما تنتهي، وعما قريب تمضي، وتنقضي، أيامٌ عظيمة مباركة لا تقدر بثمن ولا تعوض إذا فاتت، أيام تُضاعف فيها الأعمال، وتُستجاب فيها الدعوات، وتُبارك فيها الحسنات. تلك الأيام التي انقضى نصفها، وتسارع انقضاؤها، فالموفق السعيد والرابح الناجِح من عرف لها قدرها فاستغل اللحظات وأكثر الحسنات وشغل جوارحه فيما يرضي رب البريات
وجاهلٌ مسرفٌ خاطئ ذاك الذي تأتي عليه هذه الأيام فلا تتغير أحواله ولا تستقيم أموره، ولا يرى من رمضان إلا انقطاعًا عن الأكل والشرب، لا ينقطع عن فساده، ولا عن عناده وظلمه ولا عن غيبته وعدوانه، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”
ذاك الجاهل وإن صام النهار فقد فاتته أيام رمضان ومرت عليه ساعاتها ولم يتزوَّد من التقوى ولم يغيِّر نفسه ولم يرق بها ولم يستشعر قيمة أيّام رمضان.
أيام رمضان تلك الأيَّام التي جعلها الله أيَّام التغيير والثورة، أيام تغيير العادات والثورة على المؤتَلَفات.
أيَّامٌ يعوِّد الله فيها المؤمن على ما يجب أن يكون منه عادةً، من صبرٍ وثباتٍ وعزيمةٍ، وقربٍ من الله وتوبة .
دورةٌ تدريبية مكثَّفة افترضها الله في كلِّ عامٍ على هذه الأمَّة المحمديّة ليريهم قدرتهم على التغيير.
فمن استطاع التعود على ترك الطعام والشراب طيلة النَّهار سيستطيع غير ذلك.
كما امتنعت عن شهوتك من بعد الفجر شهرا، فأنت تقدر على الامتناع عن غيرها.
أيامٌ يربي الله فيها أمَّة العزائم على الثبات والصبر وتحمُّل الشدَّة.
أيامٌ تتعود فيها النفوس على القرب من الله فتتذوَّق حلاوة الوصل بالله الملك العلَّام.
أيّام نتعود فيها على قيام الليل، فمن استطاع الاستيقاظ شهرا على السحور ما الذي سيمنعه بعدها من القيام.
أيامٌ نتعوَّد فيها الصلاة في جماعة، أيامٌ نتعوّد فيها الرحمة والتعاون والتعفّف والتسامح، والشعور بالآخرين، أيامٌ تربينا على ترك الشح والأنانية.
أيامٌ تعين قلوبنا القاسية على الخشوع، وأعيننا الجافَّة على الدمع، موسمٌ لنغيِّر ما بأنفسنا عسى الله أن يُغيِّرَ ما حلّ بنا: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(موسمٌ وفرصة ذهبية لنتعوَّد على مجاهدة النفس وممانعتها لتقف عند حدِّها.
فرصةٌ لنكون ممن قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
هذا رمضان، هذا العزيز الذي انتصف ولم نشعر بسرعته، هذا مدرسة الصبر والتقوى، هذا زمن التزود من الخير (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ(
هذا رمضان مصنع الأبطال والمجاهدين، شهر العزَّة والفتح المبين
هنا مصنـعُ الأبطالِ يصنعُ أمةً *** وينفخُ فيهـا قوةَ الروحِ والفِكرِ
ويخلعُ عنهـا كلَّ قيدٍ يعوقُها *** ويُعلِي منارَ الحقِّ والصدقِ والصَّبرِ
رمضان الذي افترض الله صيامه في نفس العامِ الذي شُرِع فيه الجهاد حتى نفهم بأن الصوم ليس هو فقط امتناع عن مأكول ومشروب وشهوة، إنما هو مدرسة تنمية وتقوية، مدرسة إمداد وإعداد، مدرسة اقتدار واستنفار تُعِدُّ المؤمن للجهاد؛ فمن منّا عقل هذه المعاني وتجسَّدها يا ترى؟
هل تغيّرنا حقَّ التغيير؟ هل استفدنا من هذه المدرسة العظيمة؟ مدرسةُ أمَّة التغيير التي غيَّرت وستغيِّرُ وجه الأرض، أمّة التغيير التي لا ترضى بالضيم ولا ترض بالمذلة، تلك الأمَّة التي أيقظ الله فيها مسيرة التغيير بعد طول رقاد لتنادي (إن الحكم إلا لله)
أمّة جعل الله تغيُّر أحوالها سببا لإيقاظها ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )
فإن لم نتب ونرتجع وننزجر عن الباطل ونستنفِر لنصرة الحقِّ ونحن في رمضان الجهاد وفي هذه الشدَّة فمتى نتغيَّر ونترك سيِّء عاداتنا ونلتزم شرع الله
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) (الحديد: 16(
متى ستتغير إن لم تتغيَّر الآن؟؟
أما تدري يا ضعيف الهمَّة يا قليل العزم أننا ونحن نحدِّثك عن تغيير بعض طباعك وعن إصلاح بعض تقصيرك في صلاتك وصيامك وعن لزوم الأدب مع الخلق ومع الخالق، أما تدري أنه في وقت نتحدَّث لك عن أسهل الطاعات، هناك إخوانٌ لنا علت همَّتهم وسمت عزائمهم إلى كبار المعالي وإلى ذروة سنام الإسلام، فلم يغيِّروا أنفسهم وحسب بل ها هم يغيِّرون وجه الأرض ومسيرة التاريخ ويسطِّرون ملاحم البطولة والفداء لتحرير الأرض وللذود عن العِرض ولدفع الظلم ولإقامة الشرع.
شبابٌ أطاعوا ربَّهم فأبوا الذِّلة في دينهم سمعوا قول الله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (البقرة:183)) فقالوا سمعنا وأطعنا، فلمَّا سمعوا قوله تعالى في نفس السورة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216)
سمعوا هذا فقالوا كذلك: سمعنا وأطعنا.
ولم يتشبهوا بمن قال الله لهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
شبابٌ تغيَّروا حقَّ التغيير فقويت عزيمتهم وأقبلوا على ربِّهم لسان حالهم (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
أولئك الذين استفادوا من مدرسة الصيام فغدت عزائمهم كالصخر تتحطم عليه مشاريع ومؤامرات الشرق والغرب أولئك الأبطال الذين يحرِّرون حلب الآن ويدخلون على العدوِّ من أقطارها ولا يطلبون من القواعِد الخوالِف إلّا الدعاء والتوبة لكي يتنزَّل النصر من الله.
شباب ذللوا سبل المعالي *** وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة *** يدكون المعاقل والحصونا
إن جن المساء فلا تراهم *** من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليال *** ي ولم يسلم الى الخصم العرينا
كذلك أخرج الإسلام قومي *** شبابا مخلصا حرا أمينا
وعلمه الكرامة كيف تبنى *** فيأبى أن يقيد أو يهونا
اللهم انصرهم بنصرك وأمدهم بمددك
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين