الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 23/ رمضان /1436هـ
الموافق: 10/ تموز /2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 31 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- اليقين بالله والثقة بوعده
2- مكانة اليقين في الإيمان
3- بالصبر واليقين تــُـنال الإمامة في الدين
4- حال المجاهدين أصحاب اليقين
5- بين صفوفنا مُقصِّرين؟ نعم ولكن …
6- من البطولات التي سُطِّرَت في معركة غرب الزهراء 15/رمضان/1436
7- أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا؟
8- حال المنافقين الذين ينشرون الأخبار السيّئة ويكتمون بطولات المجاهدين
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
9- فضل ليلة القدر وبعض ما جاء فيها
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يُدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)
إخوة الإيمان: لو فتَّشنا في أخبار السابقين، ولو بحثنا في حال السلفِ الصالحين نريد أن نعلم كيف حقَّقوا الإمامة والغَلبَة والنُّصرة للدين.
لو قرأنا سيرهم وسمِعنا قَصَصَهُم، لوجدنا شيئًا غريبًا عجيبًا من علوّ مراتب القوم في العبادة، وتسامي درجاتهم في الإيمان، وغرائب أحوالهم في الزهد.
ثمَّ لو ذهبنا نفتِّشُ عن ذاك السرِّ الذي حوته (خزائنُ صدورِهم) لنعلم بم صلُح حالهُم لنتَّبِعهم ولنسير على سيرهم؟
حين نفتِّشُ عن ذلك سيمرُّ بنا قول من قال: (والله ما سبقهم أبو بكر بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيء وقرَ في قلبه(!
لو بحثنا عن ذلك الشيء في سيرةِ سلفنا لسمعنا قول الإمامِ ابن المبارك – رحمه الله-: (ما رأيتُ رجلاً ارتفع مثل مالك بن أنس، ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له (سريرة))
لو بحثنا عن هذه السريرة، وعن ذاكَ السر الذي وقر في قلبِ أولئك، فحقَّقوا فيه النصر والغلبة والإمامة في الدين، سنسمع الجواب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ قال: { صلاحُ أَولِ هذه الأمةِ بالزهدِ واليَقينِ، ويَهلكُ آخِرُها بالبُخلِ والأملِ } [رواه الطبراني وأحمد في الزهد وصححه الألباني].
هل أدركنا الآن ما (الشيءُ) الذي وقرَ في قلب أبي بكر، وما (السرُ) الذي ارتفع به أمثال مالك وابن أدهم والحسن البصري وابن حنبل؟؟
إنَّه (اليقينُ) أيُّها سادة. إنَّه (اليقينُ) بالله سبحانه.
اليقينُ الذي قال عنه ابن القيم -رحمه الله-: “اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وفيه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمـّر العاملون”
اليقين هو ذاكَ الذي يقول عنه ابن مسعود- رضي الله عنه – : الصبرُ نصف الإيمان، واليقينُ الإيمان كله.
يا ضَيعةَ الأعمار في (أعمالٍ كثيرة) أجهدنا فيها جوارحنا، خلتْ من (اليقين) فقَلّ نفعها، وضَعُف أثرُها، وكم من عملٍ قليلٍ وحسَنةٍ بسيطة اقترن بها من الصدق واليقين ما يجعلها تكفِّرُ الكبائر، كم من عملٍ كثيرٍ فقد الإخلاصَ واليقينَ بالله يجعلُهُ الله هباءً منثورًا.
يا من دعوتَ الله كثيراً فلم ترَ بوادرَ إجابة دعائك؟ رسول الله يقول لك: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة} رواه الترمذي وحسنه الألباني.
* يامن أتعبتك لواعِجُ الدنيا وأمضـّتْ فؤادك مصائبُ الحياة، تذكَّر أنَّ رسول الله كان يسأل ربَّه في دعائه (ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا) رواه الترمذي.
يامن بحثت عن (السعادة)، و(الطمأنينة)..؟! تذكَّر أن اليقين بالله والثِّقةَ بموعوده هي التي تثبِّتُ (السعادة) في الروح وتقوّي (الطمأنينة) في القلب.
لكي تعرف معنى اليقين فلتتخيَّل معي: رجلاً فقيراً معدماً كثيرَ العيال هدّتْ كاهله الديون، وسال لبؤسه ماءُ العيون، وقد أخبروه بأنَّه ربح جائزةً بعشرَة ملايين، ولكنَّ تسليمها له سيكون بعد سنةٍ من الزمان، برأيك كيف سيكون حاله في تلك السنة رغم فقره؟ هل سيبقى مغمومًا كئيبًا ؟ أم سيعيش منتعشًا سعيدا لما وعد به من خير؟
أين نحن من الثقةِ بوعدِ الله، أين نحن من الصبر واليقين، ذاك الذي ثبُتَ به الصحابة في أحلَكِ المُدلَهمَّات، أمام أعتى الابتلاءات، فغدو رموزًا وأئمَّةً لمن بعدهم، والله يقول: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ(لذلك قال ابن تيمية – رحمه الله – : (بالصبر واليقين تــــُنال الإمامة في الدين).
باليقين تنتفُع بالقرآن وتتأثرُ به (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) باليقين تمتثُل لحكم اللهِ وتصبِرُ عليه: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
اليقين إخوة الإيمان هو الذي يثبِّتُ المجاهدين على الحق ويعيننا على الصبر وأين نحن من ذاك اليقين في موقِفِ الصحابة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عِمران: 173- 174)
باليقين تخرج من بين أولئك المتخاذلين الذين خاطبهم ربُّ العِزَّة بقوله: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)الأحزاب
باليقين وحده يربِط الله على قلوب المؤمنين وقد تكالبت عليهم أممُ الأرض ليقولوا: ( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
بالصبر واليقين وحسن الظنِّ بربِّ العالمين يكون النصر من الله ويأتي الفتحُ المُبين…
أمّا أن يكون حالُ البعضِ أشبه بحالِ المنافقين (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عِمران: 168)
وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (النساء: 78)
إخوة الإيمان سمعنا جميعا الانتكاسة التي حلَّت بمجاهدينا في الأسبوع الماضي، وما أشبه حالهم بحال الصحابة يوم انتكس أمرهُم في أُحد بعد فتحٍ ونصر، فهذا الذي حصل مع مجاهدينا يحصُل في كلِّ جيوشِ العالم وحصَلَ مع جيش النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يوم أحدٍ ويوم حُنين فلم يعِب أحدٌ على أحد ولم يتَّهِم أحدٌ أحدا، أمَّا أن تقول أنَّ بين صفوفِ المجاهدين مقصِّرين، فأقول لك نعم، ولكنَّ المنافقين عادوا بثلُثِ جيشِ النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم أحد وتركوا رسول الله فأين نحن من أولئك، أين جيشنا من جيش النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وأين أنت لكي نرى عملك الكاملَ الذي لا تقصيرَ فيه؟!
أما علم ناقِص الإيمان ضعيفُ اليقين ذاك الذي يطبِّلُ ويزمِّرُ لأجل خسارة معركة أنَّ هذه المعركة هي جزءٌ من معارك وقد عسرُ الأمر على الشباب يومها من جهة وفتح الله عليهم في جهات.
والله إخوة الإيمان لو قصصت لكم ما جرى يومها لذكرت لكم قِصَصًا تكتب فيها الروايات وتنتجُ عنها الأفلام
إن أذكرُ فسأذكُر لكم أشاوِسَ تسلَّلوا خلف نقاطِ العدو فأعملوا فيه تقتيلًا وحصدوا من جنوده العشرات بطريقةٍ قد تعجز عنها أفضل وحدات الكوماندوس في أعتى جيوش الأرض
إن أذكُرُ فسأذكُر شبابًا من حركة النور وثوّارِ الشام أمرتهم بالإفطار لأن المعركة قبل المغرب فأفطر بعضهم وأبى غيرهم وقالوا نريد أن نلقى الله صائمين مُقبلين غيرَ مدبرين وكان ذلك (صدقوا الله فصَدقهم)
إن أذكُرُ فسأذكُر أنَّ توقُف باقي الجبهات عن العمل وقت المعركة لما عسَّرهُ الله عليهم، جعل جيشَ الكُفرِ يصبُّ كلَّ قوَّتِه على محورِ غربِ الزهراء وحصل ضغطٌ نيرانيٌ شديد فتحاصَرَ إخوانُنا ولم يكن ذلك لضعفٍ في الخُطَّة كما أشيع (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) الأحزاب
إن أذكُر لكم من بطولات إخواننا فسأذكُرُ أبطالًا أتوا ليفكوا الحصار عن إخوانهم وغدت النيران تنهالُ عليهم كالمطر فثبتوا على رشاشاتهم يغطون لخروج الإخوة ونزلت الصواريخ عليهم وهم على رشاشاتهم الثقيلة يغطُّون لفتح الطريق للمحاصرين فثبتوا حتى قتلوا على رشاشاتهم ولم ينسحبوا …
إن أذكرُ لكم بطولاتٍ فسأذكرُ شابًا من آخر مجموعةٍ لم تستطع الخروج، اتصل به إخوانه على الجوال فقال: لو قطِّعتُ إربًا لن أسلِّم نفسي لكلاب المجوس فقتل من أعداء الله اثنا عشر جنديًّا ولقي الله شهيدا
بطولاتٌ وملاحم حصلت يتناسها البعض ويتحدَّثُ فقط عن نتيجة المعركة التي كانت لحكمةٍ أرادها الله، ويتناسى أنَّنا خسرنا معركةً وربحنا غيرها وقد أثخنَّا فيها بالعدو إثخانًا عظيماً.
أما سمعتم بهه البطولات؟ أما سمعتم بهذا ؟ بل ولضعف اليقين نرى البعض من أوَّلِ معركة وقد ضعُفت همَّتُه وفترت عزيمته وتغيرت حالتهُ، وما ذاك إلَّا لضعفِ إيمانه وقلَّة يقينه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عِمران : 165)
إخوة الإيمان لكم يعيبُ حالنا أن نسمع الخبر السيّء فننشره وألَّا ننشُرَ بطولاتِ إخواننا المجاهدين؟!
أيُّ ضعفٍ في اليقينٍ وصلنا إليه حتى ننتكس ونكتأبَ من أوَّل معركةٍ في فتح حلب وقد أكرمنا الله بعدها بفتحٍ ونصر، ما كان ليكون لولا اليقين بالله الذي وقر في صدور المجاهدين المُقبِلين الثابتين، وكم من شابٍّ بسيطٍ قليل العِلم قد يكون في قلبه من اليقين والثِّقة بالله ما يزيدُ عن كثيرٍ من القاعدين المتظاهرين بالالتزام.
وهاهم أهل اليقين والإيمان من مغرب البارحة يُسطِّرون أروع ملاحم البطولة والفداء، ثُمَّ بعدَ هذا كُلِّه: (يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (12)الأحزاب
أمّا نحن فنقول لهم والله لقد صدقنا الله وعده، ولندخُلنَّ حلب عاجلًا غير آجِل، هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وما زادنا ما شهِدنا إلّا إيمانًا وتسليما…
أقول هذا القول وأستغفرُ الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.
أمَّا بعدُ إخوة الإيمان:
ونحنُ نتحدَّث عن اليقين لابدَّ أن نوقنَ بوعدِ اله تعالى
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60)
وها نحن في هذه الأيام المباركة من العشرِ الأواخِر من رمضان تلك التي تقول فيها أمُّنا عائشة: (كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) البخاري
تلك الليالي التي فيها ليلة القدر… وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
تلك الليلة التي أمرنا رسول الله بأن نلتمسها في الليالي الوترية (أي الفردية) من ليالي العشر لكي نجتهد في العشرِ كُلِّها ولا نفتُر
وفي الحديث الحسن الصحيح الذي يرويه الترمذي عَنْ أمِّنا عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.
فلنُكثِر الاجتهاد فيما تبقّى من رمضان ولنُطِل القيام ولنجأر إلى الله بالدعاء لكي ينصُرنا على عدوِّنا
إنّه على كلِّ شيء قدير وبالإجابة جدير نِعمَ المولى ونِعم النصير
إنّي داعٍ فأمِّنوا