خطبخطبة الجمعةكاتبمحمد أبو النصر

سلسلة تغيير العادات (1) – حمار شغل

خطبة الجمعة

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 8/ شوال /1436هـ
الموافق: 24/ تموز/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 27 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- ضرورة أن نبدأ لتغيير من أنفسنا.
2- أول ضرورات التغيير حب التعلم والتخلص من الجهل.
3- طريق التعلم يبدأ بسؤال المختصين: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ).
4- جهل الدنيا وجهل الدين.
5- ماذا كان العرب قبل الإسلام؟
6- جيفة الليل حمار النهار!!!

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
7- وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً
8- خطورة تطاول الجهال
9- لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين
رابط الخطبة على صفحة الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومِن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فهو المهتد ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فبلّغ الرسالة وأدّى الامانة ونصحَ الأمّةَ وكشف الله به الغُمَّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمقتضاها فقد أفلح وفاز فوزًا عظيما، فصلواتُ ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم واقتدى بهم إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:11)

إخوة الإيمان: عندما نبدأ التغيير من أنفسنا، ونُتبِعُ ذلك بالعَونِ على التغيير في بيئتنا ومجتمعنا بِدءً بمن يلوذ بنا من أبنائنا وبناتنا وأسَرنا وأصدِقائنا، عندها يكون المَددُ والعونُ من الله لتغيير الحال.

فإن غيَّرنا لخيرٍ غيَّر الله حالنا لخير، وإن غيَّرنا لغير ذلك فحسبنا الله ونعمَ الوكيل.

وها نحن أيَّها السادة نلتقي بكم في أوّلِ جُمُعةٍ بعد أيام عيد الفِطر وقد أكرمنا الله وأعاننا على صيامِ وقيامِ رمضان، ذاك الشهر الذي أسميناه مدرسة التغيير، ذاك الشهر الذي قلنا عنه يومًا بأنَّه دورةٌ تدريبيَّة يدربنا الله فيها على الصبرِ والثبات حال الشدَّة وعلى تغيير عاداتنا ومؤتَلَفاتِنا، وها قد انصرم ذاك الشهر وانقضى فهل قضينا على عاداتنا السيئة وهل فكرنا بالتغيير الحقيقي، ذاك التغييرُ الذي كان يُفترض بنا أن نبدأه وأن ونرى آثاره منذ أول يومٍ انطلقت فيه ثورة الشام المباركة، ذاك التغيير الذي فقدناه على مستوى المجتمع والعادات والتقاليد، فلم تؤتي الثورة أُكُلها حتى اليوم. ذاك التغيير الذي إن لم يحدث فسيطول بنا التيهُ حتى يأتي أمرُ الله.

لذلك إخوة الإيمان فقد عزمت في لقاءاتنا القادمة إن أحيانا الله أن نتحدَّث عن بابٍ من أبواب التغيير يجب علينا وُلوجُه، وأوَّل ما أحببت أن نبدأ الحديث عنه:
آفةُ الآفات وعلَّةُ العلل، وسبب البليَّات، ومانع التغيير ألا وهو الجهل، ذاك الذي يهدم بيت العزِّ والكرمِ
العِلم يبني بيوتًا لا عِماد لها … والجهل يهدِمُ بيت العزِّ والكرم

ذاك الجهل الذي متى سرى في مجتمعٍ من المجتمعات تحوَّل الناس فيما بينهم إلى ذِئابٍ يفترسُ بعضُها بعضًا وإلى أغنامٍ جاهلةٍ تُساقُ ولا تدري إلى أين تُساق من أعدائها، وهي إنّما تُساقُ إلى ذبحها وهلاكِها، وقد وجَّهنا الله سبحانه لأوَّل مفاتيح الخلاصِ من الجهل ألا وهو سؤال العلماء (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل:43) ويقاس على ذلك كلُّ عالمٍ ومُختصٍّ كلٌّ منهم في اختصاصه وفي علمه.

ولهذا أعلى الله شأن العِلم والعُلماء (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المُجادِلة:11) ونحن أيُّها الإخوة إذ نتحدَّث عن الجهل فإنّما نقصِدُ جهلان، جهلٌ بعلومِ الدين وجهلٌ بعلوم الدنيا، فالجهلُ بأمور الدنيا ينتج عنه فسادُ الرؤى وفسادُ التصوُّرات وفسادُ الإدارات والسياسات وفساد الأنظمة وَضعفُ البُنى العسكرية والإدارية والإقتصادية، ذاك الجهلُ الذي إنَّما مردُّه بيننا نحنُ أمَّةُ الإسلام إلى الجهل الأول الذي هو الجهلُ بديننا الذي ينظِّم العلاقات فيما بيننا وبين ربِّنا وبين وإخواننا بل وحتى مع أعدائنا فالعربُ قبل الإسلامِ كانوا أمَّة جاهلةً مُتخلِّفة، تحكمها عصبيَّات الجاهلية ونزغاتها الشيطانية، أمّةً يقتل بعضها بعضًا، يعتدي قويُّها على ضعيفها، يفسدون في الأرض ويقطِّعون أرحامهم، مالهم في علم الدنيا ولا في غيره نصيب … فلمَّا شرفهم الله برسالة الإسلام وببعثة خير الأنام، حسُنَ حالهم وتوطَّدت علاقاتهم فبنوا دولتهم على أسُسٍ سليمة وحَسُنَت سياستهم، وانصلح حالهم وفُتِحَ لهم في علوم الدنيا ما لم تعلمهُ الأمم مِن حولِهم، فملكوا الأرض أزمِنةً كثيرة وبلغوا أصقاعًا كبيرة، فلمَّا تركوا دينهم وعَصوا ربَّهم ولم يتعلَّموا شرعهم عاد الجهل لينخر جسَدهم وخبا نورهم وساء حالهم.

عندما غدا الدين – حتى عند ملتزميهم – مجرَّد ركعاتٍ بلا خشوع وبعضَ مظاهِر كتقصير الثوب وإطلاقِ اللحية فقط بلغوا هذا الذي نرى من الجهل والفساد، عندما نسوا أنَّ الإسلامَ دينٌ ودولة، مُصحفٌ وسيف، مُجتمعٌ كاملٌ مضبوطٌ بضوابط الشرع، عندما نسوا ذلك صاروا لما نرى، لذلك كان حتمًا لازِمًا على كُلِّ مُسلم أن يسعى في تعلُّمِ وتعليمِ ما لا يسعُه جهلُه من كُلِّيَّات الدين ومن فروعه المفروضة عليه فرض عين، مَّا يخصُّ عبادته وعملهُ ومهنتهُ وعلاقته مع خلق الله، وفي هذا كُلِّه لا يُعذَر المرء بالجهل طالما أنَّه في ديار الإسلام ويستطيع أن يسأل ليتعلم (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

والله لكم أستغرِب ممن يأتينا سائلا: فعلتُ كذا وكذا فما حُكمُ ذلك ؟؟!! يسألنا بعد فِعله! (ودخيلك يا شيخي افتيلنا)

لِم لَم تسألنا قبل ذلك لتكون من المتقين المُلتزمين

أستغرب وأنا أسمع بعض الإخوة يقول: فعلت كذا وكذا في رمضان فما حُكم ذلك؟؟ ألم يكن هناك من تسأله حينها؟ لِم لَم تسعى في السؤال والتعلم؟ أتريد أن يأتيك العلم لعندك وأنت متَّكئ على أريكتك؟!

لوكان هذا السؤال لبيعٍ أو تجارةٍ أو عملٍ دنيوي

لركب صاحِبنا الصعاب، ولقطع المسافات يسأل ويتعلَّم خَشية أن يخسر تجارته الدنيويّة…

فما أشبهه بحمار الشغل … نعم حمار شغل …

همُّه الدنيا ويغفل عن الآخرة … لا يختلِفُ عن الأنعامِ في شيء.. فالدوابُّ تأكل وتشرب وتعملُ وتبذُرُ ذُرِّيَّة ..

وكثيرٌ ممن ينتسبون لأمَّةِ الإسلام لا يعدو هذا حالهم، فيكسبون بُغضَ ربِّهم بشهادةِ نبيِّهم – صلى الله عليه وسلم – ففي الحديث الحسن الذي أخرجَهُ ابنُ حِبَّان والبيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَالِمٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، جَاهِلٍ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ”. [الشيخ شُعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم].

ذاك الذي كسبَ بُغض ربِّه، ذاك (الجَعظَريّ): الشديد الغليظ الفظُّ المُتكبِّر على إخوانه. (الجوَّاظُ): الجموعُ المنوع، المُختالُ في مِشيتِه. الـ (سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ): فلا تسمع له صوتًا في نُصحٍ ولا في أمرٍ بالمعروفِ ولا نهيٍ عن المُنكر ولا في خيرٍ أمرَ الله به، فصوته وجُهدُه وتعبه للسوق وللبيع وللشراء فقط، إن سألته عن أمر البيع والشراء عَلِم وفصَّل تفصيلًا، وإن سألتهُ عمَّا يتعلَّق بمهنتِه من ضوابِط الشرعِ تراه يتعذَّرُ بالجهل، فهو عالمٌ بأمر دنياه التي ملكت عليه روحه، وغير مكترِثٍ لأمر آخرته، ولعلَّ هذا يذكِّرني بقِصَّة سمعناها عن الجاجِ بن يوسُف الثقفي، يوم خرجَ يتفقَّدُ الرعيَّة متخفِّيًا فبلغ صانِع (السيرج) وهو الزيت المُستخرجُ من السِمسِم فقال لعاصِره: يا هذا كم يعصِرُ الرطلُ زيتًا ؟ فأجابه الرجل، قال: فالصاعُ ؟ فأجابه، قال له: فالمدُّ ؟ فأجابه، ثمَّ قال له: والله لو سألتني كم تعصِر السِمسِمةُ لأجبتك فأنا شيخ الكار ولي في هذا سنين طويلة.

فقال له الحجاجُ: نفع الله بكِ علِّمني كيف تحسِبُ زكاتك طول هذه السنين؟
فإذا بالرجل يقول له دعني يا هذا فأنا من عوامِ المسلمين لا أعلم شيئا…
فقال له الحجّاج: ويحك تدري كم تعصِرُ السمسمة ولا تعرف كيف تؤدي زكاتك؟!
فقال له الرجل من أنت لتسألني؟
فقال له: الحجاج بن يوسف …
فخرَّ الرجُل مغشيًّا عليه من الخوف، ولعذاب الآخِرة أشدُّ وأبقى
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا عِلمًا وفِقها في الدين
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.

أمَّا بعدُ إخوة الإيمان:
ونحن نتحدَّث عن العِلم والتعلُم في الدين لابدَّ أن نبيِّن أنَّ الله تعالى قال في كتابِه العزيز:
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (122)

فليس مقصودَنا ولا مقصود الشرع أن يتحوَّل الناس جميعًا لمشايخ وعلماء، فهذا فرضُ كفايةٍ إذا قام به البعض بما يكفي حاجة الأمّة سقط عن الباقيين، ولا يجوز لغير من عنده الأهليَّة اقتحامُ ذلِك (فأجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النّار) وما خوض غير المؤهلين لذلك إلا جهلٌ يضاف لجهلنا وبابٌ من أبوابِ الضلال لايعلم حجم ضرره وإفسادِه إلا الله ..

أمَّا ما نتحدَّثُ عنه ونشنِّع لجهله فهو فرض العين مما يلزم كلَّ مُسلِمٍ في اعتقادِه وعبادتِه وشؤون حياته وتنظيم علاقاتِه وتربية أُسرتِه وما يلزمُهُ مِهنته، لذلك قال عُمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يومًا: (لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين) [قال العلامة الألباني حسن الإسناد، انظر صحيح الترمذي 1/ 151]. أي من تعلَّم ما يخصُّ بيعه من ضوابط الشرع لكي لا يقع في الحرامِ والربا، وكذلك شأن كلِّ أفرادِ المجتمع المجاهِد والطبيب والمهندس وغيرهم … كلٌّ يتعلَّم ويسأل عمَّا يلزمه من دينه ويطلِب العلم على قدره، ولا يبرِّر لنفسه بأنَّهم لم يعلِّموه، فالعِلمُ يُؤتى ولا يأتي والحمد لله الذي جعلنا في بلدٍ مُسلم عندنا من نسأله فيُجيبنا، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:282)

…. إني داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى