الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 7/ ذو القعدة/1436هـ
الموافق: 21/ آب/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 32 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى:
1- وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
2- إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
3- إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يوم القيامة فُجَّارًا، إلَّا ..
4- مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ..
5- خذ القنـاعة من دنياك وارض بِها (شِعر)
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
6- حكم التسعير
7- من المخزي أن نتكلم عن الاحتكار والمحتكرين ونحن في هذه الظروف
8- المتاجرون بآلام البشر المستغلُّون ضعفهم
9- بلغنا مبلغ احتكار الذخائر !!
10- عندما يقوم التجار بواجبهم في الجهاد
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكفار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ وسار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.
أمّا بعد عباد الله يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (النساء :96)
إخوة الإيمان والعقيدة: لقاؤنا بكم يتجدد في الحلقة الرابعة من سِلسلة التغيير والبناء، ومازِلنا نحاول تسليط الضوء على بعضِ أخطرِ المشاكِلِ التي يعاني منها مجتمعنا ممَّا يجب تغييره والتوبة عنه حتى يغيِّر الله حالنا ويكشف عنَّا ما حلَّ بنا، وحديثنا اليوم عن قضيَّة اجتماعية خطيرة تذكِّرنا بقول الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)
تلك المُشكلة أيُّها السادة، هي جريمة ((الاحتكار)) ذاكَ الجُرم الذي يقوم به من خلَت قلوبهم من الرحمة والرأفة من امتلأت قلوبهم جشعًا وأثَرةً وأنانيَّة، ممن يعملون على انتشار الحقد في المجتمع ممن يساهمون في زيادة قسوة القلوب وارتفاعِ رحمة الله سبحانه وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي يقول رسولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَن في الأرض، يرحمْكم من في السماءِ)) ارحموا من في الأرض، يامن تستثمرون حاجة النَّاس وفاقَتَهم، ارحموا من في الأرض يا من تستغلون انقطاع السُبُلِ وعجز البشر، ارحموا من في الأرض يا من تتاجرون بمعاناة الناس لتزيدوا ثرواتِكم، ارحموا من في الأرض يا من تُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا، بلغ مبلغَ السرورِ بضررِ المُسلمين في مُقابِل مضاعفة الأرباح…
بل ويظنُّ بعضهم أنَّ ما يفعله من احتكارٍ حلالٌ مباح!! وأنَّه من التجارة؟!
فبعرفِ أولئك (التجارة شطارة) … إن سألتهُ، يقول لك: (التجارة شطارة)…
شطارةٌ على الضعَفَة والمساكين، شطارةٌ ينسى فيها الإنسانُ أنَّه مسلمٌ مِن أمَّة الجسد الواحد، وأنَّ له في الإسلامِ أن يتاجِرُ ويربح وهو يُحسِنُ نيَّته ويسعى في خدمة المسلمين بالرفق بهم، وبتأمين احتياجاتهم بسعرٍ جيِّد بما يُرضي الله سبحانه من أمانة وقناعةٍ بالربح العادِل. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) (النساء:29) (عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) عن طيب نفس..
أيَّها السادة الكرام: لقد روى الإمام التِّرمذي بإسنادٍ حسنٍ صحيح، عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ – رضي الله عنه – قال: خرجت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المصلَّى، فرأى الناس يَتبايَعُونَ، فقال: «يا مَعْشرَ التُّجَّار»، فاستجابوا، ورفَعُوا أعناقَهم وأبصارهم إليه، فقال [روحي فداه]: «إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يوم القيامة فُجَّارًا، إلَّا مَنِ اتَّقَى الله، وبَرَّ وصَدَقَ».
أي إلّا من كان أمينًا صادِقًا لا يحتال على النَّاس ولا يغشُّ ولا يُطفِّفُ المكيال والميزان، يتَّقي الله ويرأَفُ بأحوال العباد يرضى بالقليل مع البركة، فيدفع النّاس له بطيبِ نفس ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [رواه أحمد]، ومن يحتكر البضائع ويغالي في الأسعار لا يشتري الناس منه بطيب نفس …
من يشتري النّاس منهم بطيب نفسٍ من يدفع لهم الناسُ وهم يدعونَ له بالخير والبركة والرضا، أولئك هم التجار المؤمنون الصادقون، أولئك الذين عرَفوا حقًّا أنَّ الله هو الرزَّاقُ ذو القوَّة المتين، ممَّن أيقنوا أنَّ القليل مع البركة يُغني ويُسعِد، وأنَّ الكثير مع محقِ الله وسخطِه يذهَب ويُتعِس صاحبه، فتخلَّقوا بالسماحة في التعامل ملتزمين أمر رسولِ الله إذ قال: (( رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى )) [رواه البخاري] ، أولئك هم التجار المؤمنون الذين يبارك الله لهم في رزقهم ويحفظهم في أبدانهم وذُرِّياتهم
وفي مقابِل أولئك التجّار المؤمنين نرى الفجّار، نرى قُساة القلوبِ، نرى مستثمري الأزمات، نرى المفسدين في الأرض … (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)
نرى الذين شاهدوا الفساد والخراب ولم يرجعوا بعد، نرى المحتكرين الذين يحتكرون البضائع ويخزنونها وينتظرون نفادها من الأسواق ليرفعوا الأسعار على المسلمين، وليغالوا عليهم وليبتزوهم وليأخذوا أموالهم عن غير طيب نفسٍ، يستثمرون حاجة الناس لتلك المادَّة أو تِلك… وكثيرٌ منهم يظن ذلك من التجارة الحلال المباحة… ثمَّ لا يلبث أن يرى عاقبة إضراره بالمسلمين في جسده وعافيته وفي أهل بيته وفي مالِه، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ».[رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ].
بالأمراض العويصة وبالإفلاس بقارعةٍ تصيبه من لدن الله سبحانه فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» [حسن رواه الترمذي وأبو داود] فلينتظر كلُّ من يتعّمد الإضرار بالنَّاسِ ليزيد أرباحه، فلينتظِر ضرَرًا من الله وعقاب، ولينتظِر من شقَّ على المسلمين ورفع الأسعار عليهم، فلينتظِر مشقَّةً من الله ونازِلةً يتعسُ بها على ما جمع من مال، كيف لا ؟؟! وهو الذي جعل الله خصمه، ووصفه نبيُّه بأنّه خاطئ آثم مذنب، إذ قال -روحي فداه – فيما رواه مُسلم: «لا يحتكر إلّا خاطئ» أي إلّا آثمٌ مذنب استمرأ قلبه المعاصي واعتادَ عليها يحتكِرُ البضائعَ ويُضرّ بالمسلمين.
وقد روى الإمام أحمد عن مَعْقِلِ بْنُ يَسَارٍ – رضي الله عنه – قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: ((مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
بعذابٍ عظيم لمن دخل ليغلي الأسعار على الناس لا لكي يؤمنها للناس، فترى البعض يشترط شراء الصِنف كاملًا من التجَّار لا ليؤمِّنه للناس، بل ليحتكره ويُنزله للناس بالقطَّارة، ليبيعه بأضعافٍ مضاعفة بالمغالاة على المسلمين !!! ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول له ((حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
فكما اكتوى المسلمون بسبب جشع ذلِك وطمعه وشُحُّه بنيران الدَّين والهمِّ والنكد والحِرمان؟! – ولا ناصر لهم ولا مغيث سوى الله- كان حقًّا على الله تعالى أن يكويه بنيران البلايا في الدنيا وبعذابِ النّارِ في الآخرة، فمن لا يَرحَم لا يُرحم…
وهنا قد يسأل السائل: أيكون الاحتكارُ في الطعامِ فقط؟
نقول لك أخ الإسلام أنَّ العلماء ووضحوا وبيَّنوا في شرح هذه الأحاديث، أنَّ الاحتكار ليس محصورا في الطعام والشراب فقط، بل حُكمهُ يشمل كلَّ ما كان من احتياجات النَّاس الأساسيَّة التي لا يُستغنى عنها، كالدواء والمحروقات والسكن بل وحتى الكهرباء في زماننا، كلُّ ما غدا حاجة ضرورية لا تستقيم حياة النَّاس إلا بها في هذا الزمان يدخلُ في حُكم الاحتكار…
فانظر رعاك الله في حالك وآثر تقوى الله والبركة في مالك واسعى لما يكون فيه صحة جسدك وجسد عيالك فالشح مهلكةٌ في الدنيا والآخِرة ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: [واتقوا الشح فإن الشُحَّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارِمهم] [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ]
خذ القنـاعة من دنياك وارض بِها *** لو لَم يكن لك منها إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيـا بأجْمعهـا *** هل راح منها بغير القطن والكفن؟!
أيقظني الله وإياكم من نومة الغافلين وحشرني وإيّاكم في زمرة عباده الصالحين، قال الله تعالى وهو أحكم القائلين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (الجاثية:15) أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.
أمَّا بعدُ إخوة الإيمان:
ونحن نتحدّث عن داء الاحتكار، ذاك الداء الذي ينبع من مرضِ الشحِّ والأنانيَّة وعدم الاكتراث بالمسلمين…
ذاك الداء الذي نتعجب من استمرار استفحاله فيما بيننا ونحن نرى تكالب أمم الكفر علينا، فبدل أن يكون كلٌّ منَّا عونًا لإخوانه، إذا بالبعض منّا يتكالبون علينا، يضيِّقون على إخوانهم، وهم يرون الموت يتخطف النَّاس من حولهم ومع ذلِك لا يتوبون ولا يرجعون، ومع ذلك لا يعطِفون ولا يرحمون، ومع ذلِك لا نجد رادعًا لهم ولا رقيبا…
وهنا قد يسأل السائل عن حكم التسعير وفرضِ أسعارٍ محدَّدة للبضائع ؟؟ فنقول أنَّ في هذه المسألةِ حديثًا أخرجه الترمذي وأبو داود عن أنسٍ – رضي الله عنه -: أنَّ الناس قالوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله: غَلا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لنا، فقال : «إنَّ الله هو المُسَعِّرُ، القابضُ، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى اللهَ وليس أحدٌ منكم يُطَالبني بِمَظْلَمَةٍ في دَمٍ ولا مَالٍ».
فغالبا ما يكون تدخُّل الدول والسلطة في التسعيرِ مُفسِدًا على السوق أكثر، وقد يُنفِّر التجار عن العملِ ويفاقِم المشكلة، لذلك الأصل عدم جواز التسعير في الأصل، وهذا للكماليَّات وهذا في الوضع الطبيعي، ما لم تصل المسألة حدَّ الضرورة والضروريات،أمَّا إذا غدت القضية تواطأً من التجار، وتلاعبًا بالأسعار، وحبسًا للمواد حتى يرتفع سعرها، ويكثر الطلب، ويحلَّ الغلاء نتيجةَ التآمرُ والاتفاق وحبس البضائع، فإن التدخل بالتسعير صحيح إذا كان من الجهة الشرعية ذات السُلطة المقتدرة، لكي ترفع الأذى عن المسلمين ولتفرِّجَ لضنك عنهم دون إضرارٍ بالتجار …
وفي هذا الباب أيضًا يمرُّ بنا الحديث الذي رواه البخاري ومُسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قالَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: (( لاَ تَتَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ)) فقالَ لَهُ طَاووسٌ: مَا: لاَ يَبيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قال: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَاراً.
فرسول الله ينهى عن أن يتلقَّى بعض التجار البضائع من على مداخل البلدان فيشترونها كلَّها ويتحكَّمون هم بسعرها ويرفعون ذلِك على أهل البلد…
والله إخوة الإيمان … لكم يسوؤنا أن نتحدَّث عن الاحتكار والجشع والشحِّ، ونحن في حربٍ ضروس، وفي معركةٍ شديدة، معركةُ أمَّة الإسلام، معركةٌ تتحطم على صخرة صمود مجاهديها مشاريع دول الكفر قاطبةً…
نحن في هذه الحال ونتحدث عن النهي عن الإحتكار والشحُّ والأثرة ونحن أهل إسلامٍ وإيمان !!! إذ الأصل فينا في مثل هذه الحالات أن نتحدَّث عن الإيثار والكرمِ والشجاعة، عن الجودِ والإحسان، أن نتحدّث عن الذين (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
والله لكم يعيبنا ونحن في هذه الحرب أن نتحدَّث عن داء الاحتكار الذي سرا بيننا وبالا حلَّ بمجتمعنا لا نرأف بحال إخواننا ولا نشعر بمعاناة الفقير فينا!!
الأصل أن نتحدَّث عن الكرم عن الجود عمَّن يكفلُ المجاهدين عمَّن يُجهزهم ويُنفق عليهم، أمّا أن نتحدَّث عن ابتزاز وقهرٍ وعدم تعاونٍ وجشَعٍ وشُحٍ بلغ مبلغ قيام بعض التجّار باحتكار الذخائر ورفع أسعارها وقت المعارك!!
أي عارٍ هذا !؟ أي شرٍّ وقع فينا !؟ كيف سيرحمنا اله إن كنَّا لا نرحم بعضنا!؟
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء..
أي عارٌ هذا … ترتفع أسعار المحروقات مؤامرةٌ من التجار !!
ترتفع أسعار الذخائر مؤامرةٌ من التجار !!
تغلوا البضائع على النّاس لأنَّ بعض الفسقة يؤثر تهريب الطعام والشراب للدول المجاورة ولو جاع الناس في الشّام ّ!!
أين نحن من أخلاق المسلمين؟!
أين نحن مِنَ التأسِّي بالصحابة الكرام في مثل هذه الأحول…
هل فينا من يفعل فعل عثمان عندما قحط الناس في زمن أبي بكر، فقدمت لعثمان – رضي الله عنه – قافلة من ألف راحلة من البُرِّ والطعام، فغدا التجار عليه، فخرج إليهم، فقال: ماذا تريدون؟
قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة بُرًّا وطعاماً، بعنا حتى نوسِّع على فقراء المدينة، فقال لهم: ادخلوا، فدخلوا، فقال: كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟
قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا
قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة”!
[فالحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء…] ربح البيعَ عثمان … ربح البيعَ عثمان
هكذا كان الصحابة، هكذا كان عثمان، وابن عوف، وغيرهم من أغنياء التجار وهكذا كان الصالحون من التجار في بلدنا لعهدٍ قريب، يجودون على فقراء المسلمين، ولا يستغلون مثل هذه الفرص لكي يرفعوا الأسعار، لم يحتكروا الأطعمة والمحروقات ولم يرفعوا الآجارات ليبيعوا الناس بالغلاء…
لو قام التجّار بدورهم، لما احتجنا أن نطلب من تلك الدولةِ ومن تلك لنأنتي بقوت المجاهدين فكيف بنا وقد غدونا لفساد حالنا لا نطالِب من يجهِّز جيش العُسرةِ من ماله ولا من ينفق على إخوانه …
بل غدونا ونحن في هذه الشدّة نطالب بعدم الاحتكار وبالرأفة بالمسلمين، إذ قست قلوب البعضِ فغدت كالحجارة أو أشدُّ قسوة … وما الله بغافلٍ عمّا يعملون
اللهم أصلح فساد قلوبنا يا مصلح الصالحين
اللهم أعنّا على أن نتغيَّر لما تُحِبُّ وترضى
اللهم أعط منفقًا خلفا … اللهم أعطِ مُمسكا تلفًا
اللهم أعطِ محتكِرًا تلفا
إني داعٍ فأمِّنوا