الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 28/ ذو القعدة/1436هـ
الموافق: 11/ أيلول/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 36 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى:
1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا
2- مؤامرة تفريغ الشام من أهل السنَّة
3- آلآن تحركت إنسانيَّة الأوربيين !!
4- حكومات أوربا ليست جمعيَّات خيرية
5- نصيحة لمن يريد الهجرة من الشام
6- وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
7- فتح مطار أبو ضهور والعاصفة الترابيّة (وما يعلم جنود ربِّك إلّا هو)
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
8- فضل عشر ذي الحجَّة
9- كيف بمن جاهد فيهنَّ
10- أعمال يجب الإكثار منها في العشر
رابط الخطبة على الفيسبوك
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره ومستدرج الكفار بمكرِه. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع، والحاكِم بما يريد فلا يدافع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمَّا بعد إخوة الإيمان والعقيدة:
لعلَّ كثيرا منَّا يسمع ويشاهد تناول وسائل الإعلام الغربية والعربية لظاهرة لجوء السوريين وانتشارهم في أصقاع الأرض، ذلك التناول الذي يستغبي عقول الناس البسطاء ولا يمرُّ بسهولةٍ على مُطلِعٍ عالم ولا على مؤمن عارف يعلم ممَّا علمنا الله في كتابه أن حقد أهل الباطل والضلال على أهل الحق والهداية حقدٌ متأصلٌ في نفوسهم، حتى لَكأنهم جُبلوا عليه, وقد بين لنا ربّنا كيف أنهم لا يريدون لنا خيراً، ولا يتربصون بنا إلا السوء فقال -عزَّ مِن قائل- :﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾[البقرة: 105]، ونبّهنا الحقُّ سبحانه إلى أنّ الكفَّار يعملون جاهدين لردّنا عن ديننا الحق حسداً من عند أنفسهم فقال- وهو أحكم القائلين-:﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: 109]
وكرَّرَ ربُّنا التنبيه مؤكداً لنا هذا الهدف الدنيء، فقال وأشار أنّ ما يظهر لنا من بغضائهم ما هو إلا جزءٌ يسيرٌ مما تخفي صدورهم الحاقدة :﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118].
إن كنتم تعقلون أيُّها الناس، يبيِّنُ لكم ربُّكم الحق، وفضح ربُّنا حقيقة اجتماعات أولئك ومؤتمراتهم بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾[آل عمران: 119].
إخوة الإيمان والعقيدة مؤامرةٌ كبيرة من مؤامراتٍ كثيرةٍ سقطت وستسقط بإذن الله، مؤامرةٌ على الشام وأهلها، مؤامرةٌ لتغيير طبيعة سكان بلادنا، مؤامرةٌ بدأت من أشهرٍ لتفريغ الشام من أهل السنَّة، مؤامرةٌ سُكت فيها على إجرام المجرمين ، وعلى براميل الحاقدين، وعلى طيران الكافرين، وفي المقابِل سهلت سبل الهروب للهاربين، وفتحت أوربا أبوابها للاجئين. لِم الآن ؟ ما غايتهم ؟ ما هدفهم؟ وهم الذين منعوا تسليح المجاهدين
[ألمانيا ميركل التي تتظاهر باستقبال اللاجئين بالصدر الحنون، وزير خارجيتها هو الذي صوَّت من سنتين ضدَّ تسليح المعارضة السورية، وهم الذين عاندوا وبشدة تسليح المجاهدين على أرض الشام.
آلآن تحركت عواطفهم؟ آلآن اهتزت انسانيتهم؟ آلآن حتى تنبَّهوا لما يعانيه السوريون من إجرام المجرمين ؟!
فماذا فعلوا مع المجرمين ؟؟ منعوا عنه السلاح؟ حظروا طيرانه؟ منعوا إمداداته ؟ أم أنَّه مكر الليل والنهار فيما يظنون أنَّه لحماية ربيبتهم ؟
ربيبتهم إسرائيل التي قال مؤرخوهم بأنَّها لم تعرف معنى الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي قبل مجيء حافظ الأسد للسلطة في سوريا، إذ أمَّن حدود إسرائيل وحفظ أمنها، فأمنت من جانب سوريا، ثمَّ دخل بأمرهم ومباركتهم إلى لبنان فذبَّح أهل السنّة وهجَّرهم، وقاتل الجماعات الفلسطينية وفي أصقاع الأرض نشرهم، فأمنت إسرائيل، وعاشت الاستقرار والازدهار، وهاهم اليوم يسعون لتكرير ما حصل في لبنان؛ فيعطون الضوء الأحمر للمجرم ليزيد في إجرامه، وللطاغية ليزيد في طغيانه، ثمَّ يفتحون أبواب الهروب أمام الهاربين، وأبواب اللجوء أمام اللاجئين، كما فعلوا في لبنان بمساعي الأسد واليهود ومن حالفه، فخرج أهل السنَّة وخرجت الجماعات الفلسطينية وأصبحوا يُسمَّون فلسطيني الشتات، ولحق بهم أهل السُّنَّة وسُلِّمت البلد للنصارى والروافض ليحكموها.
وثعالب اليوم إنَّما يمكرون ساعين لتكرير ما فعلوه في لبنان هنا في سوريا، عشرون مليونًا من أهل السنَّة أكثرية ساحقة لا تأمن إسرائيل بجوارهم، لا تأمن إسرائيل أن يستلم المجاهدون الصادقون هذه البلاد ولو كانت خرابا، ما الحل؟ ماذا سيفعلون ؟
العشرون مليون من أهل السنَّة هُجِّر حتى تاريخه خمس ملايين منهم إلى دول الجوار، وقتل منهم قرابة المليون، فبقي أربعة عشر، فإذا بأوربا ودول أمريكا اللاتينية يعلونون سعيهم لاستقبال عشرة ملايين لاجئ سوري، بالطبع لن يكونوا عبء على أحد، ولا خطرا على الأمن القومي لأحد لأن الدول ستتقاسمهم، وسيوزعونهم ألوفا قليلة لكل دولة، فيختفي بذلك وجود أهل السنَّة في الشام ويصبحون أقلِّيّة وتُسلَّم البلاد للروافض الإيرانيين وهذا مكرهم ولكنَّ الله خيرُ الماكرين، وهذه مؤامرتهم وقبلها سقطت مؤامرات كثيرة،
هذا ما يريدونه منك أيُّها المسلم، أن تترك البلاد وأن تولِّي الأدبار وأن تبيع دينك بعرضٍ من الدنيا قليل.
إخوة الإيمان: البعض منَّا يتوهم أنَّ أوربا وحكوماتها جمعية خيريَّة، ستستقبل ملايين السوريين بالأحضان، لكي يعيشوا وليأكلوا وليشربوا على موائد أولئك من غير عمل !!! هذا والله كلام السفيه الجاهل، كلام من لا يعلم الحقيقة، والله أيُّها الإخوة أخبركم بكلام الخبير، فما إن يصل المرء إلى هناك ويطلب الإقامة، أول ما يوقِّع، يوقِّع ورقة الاندماج بالمجتمع، هذه الورقة تعني رضاك المطلق بأن تعيش حياتهم وأن تندمج بواقع معيشتهم، بهذه الورقة تبدأ تتخلى عن دينك وعرضك، فأنت ستذهب لاجئا إليهم، وهم لن يغيِّروا عاداتهم من أجلك، بل أنت من يجب أن تغيِّر عاداتك، فإن خالفت على نفسك، فذلك عليها، ولا سلطة لك على زوجتك وبنيك، فما إن تعترض على ممارساتهم وسلوكياتهم، فتلزمهم بما يتعارض مع سياسة المجتمع إلّا ويأخذون الأطفال منك، ويعرضون على الزوجة أن يؤمِّنوا لها سكنا مستقلًا، ولو تعرَّض الزوج للمرأة أو الأولاد ينقلوهم لمدينة أخرى ويغيِّرون أوراقهم وأسماءهم حتى لا يصل الوالد إليهم بل يُمنع حتى من أن يعرف أين هم، ألمانيا هذه التي نرى استقبالها، لابدَّ أن تعرف أنَّها من قبل ثورة سوريا بسنين طويلة بحاجة سنويا لتجنيس عشرات الآلاف من الناس لأنّها دولة هرمة لا يتكاثر شعبها (ذاك الشعب الذي اعتاد الفجور وممارسة الجنس خارج إطار الزواج، قليل منهم من يريد أن يتحمَّلُ مسؤولية الأولاد، لذا نسبة الولادات عندهم قرابة 1,1 %)
لذا هم يجنِّسون الناس ويصرفون عليهم حتى يتعلموا ما يلزمهم ليعملوا هناك، ومن ثُمَّ يستردون ما أنفقوا عليه إذ يشغلونهم بأجور قليلة ويفرضون عليهم مزيدا من الضرائب ليستردُّوا ما أنفقوا عليهم…
هذه هو الحال يا من حسبت أوربا جمعية خيرية، هذا هو الحال يامن سعيت إلى هناك مهاجرًا لتبيع دينك من غير اضطرار بعرَضٍ من الدنيا قليل…
نعم هناك أناس مضطرون هاجروا وفروا والله يعلم اضطرارهم ويعلم حقيقة ما في صدورهم، ولكن ما على غير المضطر من عذر، (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) [القيامة 14-15]
أمَّا هؤلاء الشباب الذين نراهم بالمئات والآلاف، وهم ذو قوة ومنعة ومِرَّة، يتركون الجهاد والمجاهدين، ويسعون لبلاد الغرب من أجل عرَضٍ من الدنيا قليل، فأولئك الذين نعاتبهم ونلومهم
يا ذاهباً نحو الشمال مهاجراً *** مني إليك نصيحة الشفقان
هلا علمت بأنَّ(ميركل) حيَّةٌ *** تخفي العداوة وتُظهِر الإحسان
يا صاحبي اقنَع فأنت منفِّذٌ *** لمخطط كي تفرغ الأوطان
عطِّل فديتك للثعالب مكرَهم *** إذ يمكرون بحجة العرفان
واثبت بأرضك مُمسكاً بترابها *** واحذر تنفذ رغبة الشيطان
يبغون من إغرائنا إبعادنا *** ويشعلون في أرضنا النيران
ليُسكنوا فيها المجوس وأهلَهم *** الرافضين لمنهج القرآن
من بعدها يتوارثون في حكمها *** مثل الذي فعلوه في لبنان
والله إخوة الإيمان مخطط خبيث لإفراغ البلاد من أهلها، وها هو النظام المجرم يفاوض المجاهدين، فيقول خذوا الفوعة وخذو كفريا شريطة أن نُخرِج من فيها إلى قُربِ دمشق، يريدون تهجير أهلِ الزبداني والقلمون، مخططٌ بدأ من يومِ هجَّروا أهل القُصير، مخطط يريدون من ورائه أن يحولوا المساحة الممتدة من دمشق حتى رأس البسيط وبمحاذاة لبنان، شيعيَّةً رافضيَّةً خالصة، لتكون عازلا بين أهل السنة واليهود، فالرافضة واليهود أحبابٌ وأصحابٌ لبعضهم من قديم الزمان، والتاريخ يذكُر، كيف أن صلاح الدين عندما قاتل الفاطميين العبيديين، قيل له: كيف تقاتلهم قبل أن تقاتِل الصليبين في بيت المقدس؟!
فأجاب مُبرِّرًا والله لا آمن هؤلاء وراء ظهري، وخيانتهم للمسلمين دائما معروفةٌ مشهورة ولعلَّ مِن أشهرها ما فعلوه من طعن خاصِرةِ الدولة العثمانية والاعتداء على العراق يوم كانت جيوش الدولة العثمانية قد وصلت مشارف النمسا، ممّا اضطر المسلمين للرجوع دفعا لصولةِ الروافضِ وردًّا لعاديتهم، وهذا هو حالهم وهذا شأنهم في مختلف الأزمنة، ثمَّ بعد كلِّ هذا نرى مِن شبابنا من ينساق وراء شهواته لينفِّذ مخططهم الشيطاني في تفريغ البلاد، ينساق وراء شهواته وأحلامه، يحلم بالحياة الورديَّة، يحلم بحياة الفجور والفسق في أوربا وينسى قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38]
هؤلاء الذين يُهاجرون يخرجون من خيرة أرض الله، فيستبدلهم الله تعالى، ويأتينا عوَضًا عنهم مهاجرون، قطعوا مئات الكيلو مترات مع نسائهم وذرياتهم لكي ينالوا شرف الجهاد في بلاد الشام،
و رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يقول: “سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونوا جُنُوداً مُجَنَّدَةً، جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ”، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ – رضي الله عنه -: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ. قَالَ – صلى الله عليه وسلم -: “عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّها خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْها خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَكَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ”. [حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد].
ومن توكَّل الله به فلا ضيعة عليه، ولكن لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، أناسٌ يأتون لينالوا شرف الجهاد من الشام، ليختاروا أن يكونوا مع الجُند الذين اختارهم رسول الله لابن حوالة، وآخرون يولُّون الأدبار، وآخرون ينال اليأس من قلوبهم، وآخرون يسمعون كلام الكافرين أولئك الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8)
في ظل يأس المنافقين، وقنوت القاعدين، وقهر المقهورين، تظهر همَّة وشجاعة المؤمنين الصادقين المجاهدين الموقنين بفرج الله ولو كان بعد حين ….
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف :110)
عامان والمجاهدون مرابطون حول مطار أبي الضهور، سنتين وهو مُحاصر، سنتين والمطار شديد التحصين والمسافة بين مساتر المؤمنين وبين مرابط الكافرين قرابة واحد كيلو متر (800 متر)، أرضٌ سهلةٌ مكشوفةٌ تمامًا، ومن هذا الذي يستطيع أن يقتحم راكضًا ثمانمئة متر، والمدافع والرشاشات الثقيلة مصوَّبةٌ نحوه، من يستطيع فعل هذا، من يركض هكذا مسافة مكشوفة وهو هدفٌ سهل للعدو!!؟
حاول المجاهدون الأولى
ثمَّ حاولوا الثانية، وحاولوا الثالثة فما فتح الله عليهم،
هنا : دبَّ اليأس وزلزل الناس وبلغت القلوب الحناجر
وكادت تأتي ساعة إيقاف غزوة المطار !
وسائل الإعلام تتحدث عن تدخُّلٍ صريح من روسيا لصالح بشار … فصدرت أوامر من القيادة أن الجئوا إلى الله الواحدِ القهَّار ..
١٦٠٠ مجاهد يقومون اليل يبكون ويتضرعون يطلبون المدد من الله الواحد القهار ..
فأتت الريح وأتى الغبار وأتى جنود الله الذين لا نعلمهم، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) (المُدَّثِّر:31)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) (الأحزاب :9)
أتى جُند الله وأتى مدد الله أتت الريح والغبار، تنعدِمُ الرؤية على الكافرين، تُحظر طائراتهم ربَّانيَّا وتتعطل مدافعهم ورشاشاتهم وتنعدم رؤيتهم، وبعد أن كانت كلمة الانسحاب ستجري على الألسن نادى المنادي أن ياخيل الله اركبي ويا غارة المسلمين انطلقي .. كبّر الرجال وانطلقوا .. زحف جند الرحمن ولاقوا أولياء الشيطان، فقتلوا وأسروا وغنِموا، وفُتِح المطار، وهذه عاقبة تقوى الله والإخلاصِ له وحده، والله لو كنَّا مع اله كما أمرنا لما احتجنا أن يبتزَّنا أحدٌ لأجلِ حظرِ الطيران، أتى الحظر الربّاني، أتت الريح والغبار، فُتِح على المجاهدين وخسر الكفّارُ هنالِك وانقلبوا خاسرين…
طار المطار فهل أتاك قرارُ *** أن الهروب مصيركم بشارُ
طار المطار فطار قلبي لهفة *** أما الجنودُ فما لهنَّ فرار
فتح وجيش فيه تصهل خيلنا *** فالعاديات اليوم هُنَّ فخار
فأبو الضهور يؤوب نحو عرينه *** والنصر أمر سَنَّه الجبار
وجنود ربِّ الناس طائعةً أتت *** هذي الجنود عواصف وغبار
اللهم اقسم لنا مددا من مددك وجندا من جندك، ونصرا من عندك، إنّك على كلِّ شيء قدير وبالإجابة جدير نِعم المولى ونعمَ النصير …
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.
أمَّا بعدُ إخوة الإيمان: بعد أيام يظلنا هلال شهر ذي الحجة، بعشره الأوائل المباركات، أفضل أيام الدنيا، تلك التي أقسم الله بها في كتابه العزيز بقوله -سبحانه وتعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[الفجر1-3]
وقد قال المفسِّرون أنَّ المراد بالفجر هنا فجر يوم النحر خاصة، وهو خاتمة الليالي العشر، والمراد بالوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر.
إنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره في قوله -عزَّ وجلَّ-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج:28] وقوله -سبحانه وتعالى-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203]
قال ابن عباس: “الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
وفى فضلها قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر” [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1144 ]، وقال – صلى الله عليه وسلم – ” ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيامِ العشر”، وفى لفظٍ آخر: “ما من عملٍ أزكى عند الله -عزَّ وجلَّ- ولا أعظم أجرًا من خيرٍ تعمله في عشر الأضحى”، فقالوا: يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟! فقال – صلى الله عليه وسلم -: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
فكيف بمن يجمع الخيرات العظام إلى بعضها فيكسب أجر العمل الصالح في عشر ذي الحجَّة ويجاهد فيها بنفسه وماله ولا يرجع مِن ذلك بشيء ….
كيف بنا ونحن نرى الأبطال المجاهدين يبذلون النفس والنفيس، الغالي والرخيص، مجاهدين في سبيل الله في عشر ذي الحجة، أي أجرٍ وأيُّ فضلٍ وأيُّ مكانة رفيعة نالها هؤلاء الأبطال المجاهدون!
اللهم اجعلنا منهم ولا تحرمنا أجرهم يا ربَّ العالمين
وهنا إخوة الإيمان أريد أن أذكركم بسنَّةٍ خاصَّةٍ لا بدَّ من التحضير لها قبل دخول شهر ذي الحجَّة لمن أراد أن يُضحي –إن شاء الله – فقد روى الإمام مسلم عن رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قوله: (( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الحِجَّةِ، فَلاَ يَأخُذَنَّ من شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أظْفَارِهِ شَيْئاً حَتَّى يُضَحِّيَ)) . رواه مسلم.
وهذا الحكم خاص بالمُضحِّي فقط (أي ربّ الأسرة الذي سيضحي عنه وعن أهل بيته فهذا الحكم خاصٌّ به وحده، أما المضحى عنهم فلا يلزمهم ذلك) واعلم أنَّ من أخذ شيئًا من ذلك متعمدًا فإن ذلك لا يمنعه من الأضحية، وعليه التوبة لمخالفة أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحَّت أضحيته بإذن الله.
فلنحسب حساباتنا ولنعقد نيَّاتنا على هذا إن كنّا من المقتدرين، إذ الأضحية سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وقال بعضهم: هي واجبة على المقتدر؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – : “من وجد فلم يضحِّ فلا يقربن مُصلَّانا”. صححه الألباني في الجامع الصغير.
أعاننا الله على مزيدٍ من الصيام والقيام والصدقة والاجتهاد في هذه الأيام المباركات، التي قال فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والتكبير ” [ رواه أحمد والطبراني]
وهذا التكبير مطلق – أي غير المقيَّد بالصلوات – فإن هذا التكبير يكون من دخول العشر، فيكثر الإنسان من التكبير من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة، ثم يشترك مع هذا التكبير المطلق تكبير مقيد خلف الصلوات من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد نُقل ذلك عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
أسأل الله العلي العظيم أن يعيننا على الإكثار من الطاعات أن نكثر التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، أن نُكثر من الصدقات والطاعات، أن نكثر من صلوات النوافل ومن قراءة القرآن وتدبُّرِه، أن نُكثِر من الدعاء لإخواننا المجاهدين، عسى اللهُ أن يجعل هذه العشر عشر نصرٍ وفرجٍ وفتح وعزٍّ وتمكينٍ وبشرى للمسلمين
إنِّي داعٍ فأمِّنوا