بقلم: أنس الدغيم
[توضيح: الشيزو فرينيا: أو انفصام الشخصية كما يسميه البعض: هو اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تميز الواقع مع اضطراب الفكر والهلوسة السمعية بالإضافة إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية والتعبير العاطفي وانعدام الإرادة]مازلنا نستذكر مظاهراتنا الخضراء الأولى بتفاصيلها و ما كان فيها من الآلام و الآمال و ما كان يختلج في النفوس الثائرة من إرادة التغيير و بالطّرق المتاحة ، و ما كنّا نرفع فيها من لافتاتٍ تعبّر عن مطالبنا على الصعيد المحليّ و الوطنيّ و أحياناً على الصعيد العالميّ و كثيراً ما كانت لافتاتُنا تضجّ باللّوم و العتب على الآخَرين من أفرادٍ و مؤسّساتٍ و دول لسكوتهم عن المجازر و الظلم و الطّغيان الواقع على رأس هذا الشعب الذي لم يطالب بأكثر من حرّيّته .
و كثيراً ما طالبنا المجتمع الدّوليّ بالتّدخّل لإيقاف نزيف الدّم ، و بالوقوف في وجه آلة القمع الأسديّة التي عاثت في الدّماء و الأموال و الأعراض و المدن .
و إنّه مهما حاول العاقل أن يتجاهل تركيبةَ هذا المجتمع الدوليّ الذي استصرخه ، و تكوينةَ هذا المصطلح ( المجتمع الدوليّ ) فهو هؤلاء :
أمريكا ، روسيا ، فرنسا ، بريطانيا و الصّين
فلماذا صار الجلوس مع واحدٍ من سفراء هذه البلدان أو سياسيّيها أو عسكريّيها خيانةً ؟
و أصبحت العلاقة التي تقيمها المعارضة السوريّة مع واحدٍ منها بيعاً للوطن و كفراً بالدّين و التفافاً على دماء الشهداء ؟
أليست هذه شيزوفرينا ثوريّة ؟ .
و بحكم مجاورة بلد الثورة لتركيّا و امتداد الأخير على كامل الحدود الشماليّة السوريّة
و بحكم التاريخ الذي يجمع بين البلدين ، و الإرث الحضاريّ و الشعبيّ الذي يكاد يكون في نصفين أحدهما تركيٌّ و الآخَرُ سوريّ
و بحُكم الدين و المذهب اللذين يجمعان بينهما
تعاظم الأملُ عند السوريّين بدورٍ حاسمٍ لتركيّا في الثورة السورية ، و لربّما تجاوز الأمل السوريّ حدودَ الطاقة المُتاحة لبلدٍ يُكادُ به هو الآخر من القاصي و الدّاني .
فلماذا صار اليوم دخول القوّات التركيّة فيما يسمّى بمعركة ( درع الفرات ) انتهاكاً للسيادة السوريّة و اغتصاباً للأرض و صار عند من يدّعون الانتماء للثورة السوريّة احتلالاً ؟
أليست هذه شيزوفرينا ثوريّة ؟ .
و لم يعد يخفى على عاقلٍ يقدّم مصلحة بلاده على مصلحته و يرى في الحرّيّة حياةً تُنتَظر
لم يعد يخفى عليه ما قامت به داعش من سلبٍ للحرّيّات و عدوانٍ على الثّورات و كيدٍ بالثورة السوريّة و بالربيع العربيّ كلّه
و ما جاء به مشروعها الهدّام من ويلاتٍ على القريب قبل البعيد و على ابن الدين ذاته قبل المخالف بالدين و من طعنٍ في خاصرة الثورة بخنجر الغلوّ و التكفير و العمالة لأعداء الثورة بطريقةٍ أو بأُخرى .
ثمّ نرى من يدّعون الثوريّة و هم يطبّلون و يزمّرون لما يسمّونه زوراً بالدولة الإسلامية
و يحمدونها و يشكرونها على صولاتها و جولاتها و التي لم تكن إلا على دماء الثوّار و الأحرار و المجاهدين في الساحة السوريّة .
أليست هذه شيزوفرينا ثوريّة ؟ .
و لم يمرّ يومٌ واحدٌ على ثورتنا المباركة ، خلا من استصراخ المجتمع الدوليّ بالسلاح الذي يخفّف عن السوريّين وطأة التدمير الممنهج الذي يمارسه النظام المجرم في سوريا
و فجأةً يصبح سلاح الفصيل الفلانيّ كافراً و يصبحُ الفصيلُ الفلانيّ كافراً باستخدام و أخذِه من كافر .
أليست هذه شيزوفرينا ثوريّة ؟ .
إنّ هذا الاضطراب النفسيّ الذي يعاني منه الكثيرون في الثورة السوريّة لن يحلّ المشكلة
و لن يصل الشعبُ إلى الحلّ الذي يكون مرضياً لدماء الشهداء ما لم يصطلح مع نفسه و يوجّه البوصلة من جديدٍ شطرَ السّمت الحقيقيّ
و لن ينجح السوريّون في الوصول إلى الهدف و هم يتحرّكون في دائرة التخوين و الشكّ و بعيداً عن العمل في دائرة الممكن و المتاح .