الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 14/ ربيع الأول/1437ه
الموافق: 25/ كانون الأول/2015م
أحد مساجد حلب المحررة
مدة الخطبة: 26 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة
1- دعاوى الحب الكاذبة
2- فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
3- اضطرنا من لم يراعي ظرفنا للحديث عن بدعة الموالد (المولد النبوي بين الاتباع والابتداع)
4- فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
5- من أراد أن ينظر للمحبين الصادقين فلينظر في وجوه المجاهدين
6- رسول الأنام عليك السلام … أجبنا نداك بنارٍ ضرام
7- لسان حال المحبين الصادقين ولسان حال الأدعياء
8- سُحقاً سُحقاً لِمَن غيَّرَ بَعدي
9- الآنَ يا عُمَر
10- يا موكب النور بدِّد حالِك الظُلمِ
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عِمران:31)
آيةٌ في المحبَّة سمَّاها العلماء (آية المِحنة) وقال عنها الحسن البصريُّ وغيره من التابعين: “ادعى أقوامٌ محبَّة الله ورسولِه فابتلاهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ”
فاتبعوا رسول الله، فاتبعوا هديه وسنَّته يُحببكم الله.
دعوى المحبَّة، تلك الدعوى التي تعودنا الكذِب فيها، تلك الدعوى التي فرغوها لنا من مضامينها، تلك الدعوى التي جعلنا لها مناسباتٍ سنويَّة وأعيادً ما عرفها سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من بإحسانٍ مِن الفقهاء والمحدِّثين، تلك المحبَّة التي غدت عندنا دعاوي بلا بينات
(والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيِّناتٍ أصحابها أدعياء).
أين نحن أيُّها السادة من صدق المحبَّة للنبي – صلى الله عليه وسلم – والبعض يخصِّصُ لمحبَّته – صلى الله عليه وسلم – يومًا تشبُّها بعيد النصارى الذي يدَّعون فيه إحياء ذِكرى نبيِّهم، وكأننا لا نعظِّم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا نذكره إلَّا في هذا اليوم، أين صدق المحبَّة للنبيِّ – صلى الله عليه وسلم – وقد اضطرنا البعض للحديث عن هذا الموضوع، يومَ لم يُراعي شدَّة حال المسلمين في الشام، يوم لم يُراعي حُرمة حزنهم على إخوانهم على شهدائهم، يوم لم يراعي عظيم صبرِهم على بلائهم، فتراه يثير هذا الموضوع وكأنَّ من ترك الاحتفال بالمولد ترك أصلًا من أصول الدين (ذاك المولد الذي لم يثبت تاريخه بسندٍ صحيح، ومدار الخلاف فيه أصلًا حول الإباحة أو عدَمها) وليس الوجوب أو السُنِّية ومع ذلك يتحدَّث البعض عنه وكأنَّه أصلٌ من أصول الدين، ويستنفر له أشدَّ الاستنفار، وما ذاك الاستنفار من البعضِ أيُّها السادة إلا لأنَّ البعضَ لا يستطيع أن يتخلَّى عمّا اعتاده من بدعٍ ومحدثات، لأنَّ جُلَّ ما يتعبَّدُ اللهَ به بدعٌ ومحدثات، فلو تركها ظهر بأعين النَّاس وكأنَّه بلا دين… وحسبنا الله ونعم الوكيل، فيمن يعبد هواه ويعبد ما يُحبُّ ويشتهي، يتَّبِعُ هواه ويترك أمر مولاه، ثمَّ يدَّعي المحبَّة، وأيُّ محبَّةٍ هذه التي لا بذل فيها ولا عطاء إلّا بما تشتهيه الأنفس وتهواه، وأيُّ محبةٍ هذه تلك التي لا تتجاوز الأشعار والإنشاد والطعام والشراب..
وكلُّهم يدعي وصلًا بليلى *** وليلى لا تدين لهم بوصلِ
أولئك الذين جهِلوا قول الله تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157)
المؤمنون حقًّا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – أولئك الذين كان مِصداقُ إيمانهم أن عزَّروه (صلوات ربِّي وسلامه عليه): أي نصروه باللسان والسلاح، فذبُّوا عن سنَّته ونفوا عنها ما أُلحِق بها كذبًا وزورا، ونصروه بأن جاهدوا في سبيل الله، نُصرةً لشرع الله، وإحياءً لسنَّة رسول الله…
أولئك هم المفلحون … أولئك هم المُحِبُّون الصادِقون .. ألئك الذين عزَّروه ونصروه …
من أراد أن ينظر منكم لأحباب النبي – صلى الله عليه وسلم – ومحبيه الصادقين، فليذهب إلى جبهات القتال، ولينظر إلى أولئك الأبطال الذين يرابطون على ثغور المسلمين في هذا البرد القارس، وفي هذه الشدَّة يبذلون أرواحهم وأموالهم مصداقًا لمحبَّتهم، ولابدَّ للحبِّ من دليلٍ على صدقه، وهل أصدق ممن يبذلون الأموال والأنفس نصرةً لله ولرسوله ولسان حالهم ينطق قائلًا:
رسول الأنامِ عليكَ السلام *** أجبنا نداكَ بنارٍ ضِرام
وقُلنا يميناً سنجلو الظلام *** أوِ العيشُ يُمسي علينا حرام
نعم يا رسول الله، أجبنا نداكَ بنارٍ ضِرام، وقُلنا يميناً سنجلو الظلام … أولئك هم الذين يُحبُّون رسول الله حقًّا يذودون عن دينه وينصرون سنَّته، أمَّا غيرهم من الأدعياء فلِسان حالهم:
نحبُّك يا رسول الله ولا نلتزمُ سنَّتك!!
نحبُّك يا رسول الله ولا ننصرُ دينكم!!
نحبُّك يا رسول الله ولا نفدي شريعتك!!
نحبُّك يا رسول الله ولا نعرف من محبَّتِك إلى النشيد والحلوى!!
أي محبَّة هذه وأيُّ دعوى؟! أي محبَّةٍ تلك التي يغلو فيها المنشدون في وصف رسول الله حتى يتوهم عوام الناس وكأنَّ النبيَّ شخصيَّةٌ أسطوريَّةٌ خيالية، لا يمكن التأسِّي بها، فالكون خُلِق لأجله والملائكة خُلِقت من نوره وآدم غُفِر له بذكرِه …!!! وغير ذلك من الأكاذيب التي تعارض شرع الله وتخالفه ممّا لا يرضاه عالِمٌ فقِه شيئًافي دين الله، تلك الضلالات ينشرُها الدجّالون والكذَّابون ممن تزيَّا بزِيِّ العُلماء، أولئك الذين نراهم اليوم يقفون في صفِّ الطواغيت ليحتفلوا بمولد النبي، والنبيُّ ودينُهُ منهم براء، أولئك الذين جعلوا الدين عند النّاس هو هذه المظاهر الفارغة من المضامين الحقيقيّة، فضلُّوا وأضلُّوا عن سواء السبيل.
أيُّها السادة الكرام، أيُّها الإخوة الأحبّة: إن من يتحدَّث عن المولِد وما شابه، حُقَّ له إن كانَ مُحِبًّا صادقًا أن يسأل نفسه: يا ترى: لو نظر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أمته اليوم فهل سأكون ممن يرضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن صنيعهم ويفرح بهم؟؟ أم سأكون ممن يُقال لهم سُحقًا سُحقًا، بُعدًا بُعدا؟
فقد روى البخاري عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قالَ رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: “إِنِّي فَرَطُكُم عَلى الحَوضِ، مَنْ مَرَّ عَليَّ شَرِبَ، وَمَن شَرِبَ لَمْ يَظمأْ أَبَداً، لَيَرِدَنَّ عَليَّ أَقوامٌ أَعرِفُهُم وَيَعرِفونَني، ثُمَّ يُحالُ بَيني وَبَينَهُم ” [تسحبهم الملائكة وتحول بينهم وبين ورود حوض النبي – صلى الله عليه وسلم -] وفي روايةٍ ” فَأَقولُ: إِنَّهم مِنِّي، [أي من أمَّتي، من أهلِ الإسلام] فَيُقالُ: إِنَّك لا تَدري مَا أَحدَثوا بَعدَكَ، فَأَقولُ: سُحقاً سُحقاً لِمَن غيَّرَ بَعدي ”
سحقا سحقًا لمن غيَّر سُنَّة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعصى أمره، سُحقًا سُحقًا لكل أميرٍ سمع أمر الله ورسوله بالتطاوع مع المسلمين فلم يُلن لهم جانبه، سُحقا سُحقا لكلِّ من سمع أمر الله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) فلم يُجب أمر ربِّه، سُحقًا سُحقًا لمن كانت مصالحهم وشهوتهم قبل مصالح المسلمين، سُحقًا سُحقًا لمن ادعى المحبَّة لله ورسوله ثمَّ كانت أمواله وأولاده أحبَّ إليه منهما.
(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة :24)
وقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَنسٍ – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يُؤمِنُ أَحدُكُم حَتَّى أَكونَ أَحبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعينَ”.
بل لابدَّ من تقديم محبَّته – صلى الله عليه وسلم – على محبَّة النفس، فَقد روى البخاريُ َعن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ – رضي الله عنه – أَنَّه قالَ لِلنَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: يا رَسولَ اللهِ، لَأَنتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن كُلِّ شَيءٍ إِلَّا مِنْ نَفسي.
فَقالَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ” لا وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكونَ أَحبَّ إِلَيكَ مِنْ نَفسِكَ “. فَقالَ له عُمَرُ: فَإِنَّه الآنَ وَاللهِ لَأَنتَ أَحَبُّ إِليَّ مِن نَفسي. فَقالَ – صلى الله عليه وسلم -: ” الآنَ يا عُمَر ”
الآن يا عُمر صدَق إيمانك، وثبُتت أركانه، الآن عَظُم بنيانه، ذاك الإيمان الذي يكون فيه الله ورسوله أحبَّ إلى العبد ممَّا سواهما، ذاك الإيمان الذي يتضمَّنُ حُبًّا حقيقيًا، ذاك الحب الأبدي الذي لا يبلى ولا يفنى حتى يلقى المؤمنُ ربَّه وهو عنه راض، حبٌّ يستمرٌّ معنا حتى نشرب من حوض النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – ولا نكون عنه من المبعدين، ذاك الحبُّ الذي يتجسَّدُ في الأرضِ تمسُّكًا بسنَّةِ النبي – صلى الله عليه وسلم – وتضحيةً تكون على قدر ذلك الحب، أما رأيت أنمَّ المُحبَّ الصادق يبذل لحبيبه ما أراد.
ذاك الحبُّ الذي نراه من موكب النور، من موكب الجهادِ والمجاهدين، ذاك الموكب الذي تأسى بصحب النبي – صلى الله عليه وسلم – (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح:29)
ذاك الموكب الذي هذا حالُ شبابه ورجاله، ذاك الموكِبُ الذي يسير رُغم الفتن، ويستمرُّ رغم المحن لينير ظُلمة الشام وليُحطِّم أصنام الطواغيت على أرضها المباركة ذاك الموكب هو موكب المحبين الصادقين.
أيُّها المحب الصادق، إن كنت مُحبًّا صادقًا فعليك بموكب الجهاد والمجاهدين، عليك بموكب النور السائر:
يا موكب النور بدد حالك الظلم ** فأمة الحق لم تهدأ ولم تنم
هذي الزحوف أبو الزهراء قائدها ** صرحَ الجهالةِ بسم الله فانهدِم
قُم يا بلال وأعلنها مدويةً ** إنَّ الحقود عن الإيمانِ جِد عَمِ
العين بالعين واصفع كل طاغية ** واثأر لحقك لا بهتان وانتقم
دخلت مكة والرايات خافقة ** لو شئت أسلمتها للحرق والعدم
عفوت لما رأيت العين دامعة ** أخ كريم وأذروا عبرة الندم
يا مُنقِذ الكون من جهلٍ أحاط به ** لولا الهداية ما ثُرنا على الصنمِ
اليوم جئت إلى التاريخ أسأله ** ما كان منه حديثاً أو بذي قدم
فما وجدت لكم يا سيدي شبهاً ** هم في السفوح وأنتم في ذرى القمم
هذي مبادئهم في شرعنا عدمٌ ** شتان شتان بين النورِ والظُلَمِ
اللهم أنِر ظلمتنا واكشُف غُمَّتنا وفرِّج كُربتنا، وانصرنا على عدوِّك عدوِّنا.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين