الاستخدام السلبي للهواتف الذكية (مفاسد ومحاذير)
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
التاريخ: 22/ صفر/1437هـ
الموافق: 4/ كانون الأول/2015م
الجامع: أحد مساجد حلب المحررة
مدة الخطبة: 37 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
2- الهاتف وآدابه ووسائل التواصل الاجتماعي ما لها وما عليها.
3- الحوارات الخاصَّة بين الرجال والنساء حكمها وضوابطها
4- كذب من نوعٍ خطير انتشر بين المُلتزمين!!
5- السيِّئات الجارية
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
6- مقترحات لترشيد استخدام وسائل التواصل.
7- خطورة ترك هذه الأجهزة بأيدي الصغار والمراهقين وبعيدًا عن الرقابة الأسريَّة.
8- لا تقل خلوت
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الأحد الصمد الذي لم يلِد ولم يولَد ولم يكن له كُفُوا أحد، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، أرسله ربُّه رحمةً للعالمين بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًّا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فبلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمَّةَ، وكشفَ اللهُ به الغُمَّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن سارَ على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية:13)
لقاؤنا بكم اليوم يتجدد أيّها السادة الكرام للحديث عن المشاكل الاجتماعية التي يمرُّ بها مجتمعنا، وحديثنا اليوم عن نعمةٍ سخَّرها الله لنا بمنافع كبيرة وكثيرة، فقُلِبت بسوء استخدام السفهاء منَّا إلى نقمة،(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية:13)
تلك النِّعمَة التي يجب أن تكون آيةً لقومٍ يتفكَّرون هي الهاتف الجوال، هذه الهواتف الذكية، هذا الجهاز العجيب الذي امتلأتْ به جيوبُنا، وأصبح جزءاً لا يتجزَّأُ من حياتنا، هذا الجهاز بما فيه مِن منافعَ وحاجات، وما أوصل إليه بسوء استعمال البعض مِن مآثمُ وآفاتٌ؛ هذا الجهاز الشاهد على فضل الله – تبارك وتعالى- على الناس، بما علَّمهم مما يجهلون، وسخَّر لهم من المنافع ما يعرفون، بعد أن ركَّب فيهم وسائل تحصيل العلوم والمعارف، من الأسماع والأبصار والعقول؛ فبها يسمعون ويُبصرون، ويفكرون ويستنبطون. ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
هذه النِّعم آياتٌ لقومٍ يتفكَّرون، آياتٌ لقومٍ يعقلون، آياتٌ لأولي الألباب الذين ينظرون في عظيم ما صنعه الإنسان بخبرته فيوقِنون بأنَّ عقول البشر لا يمكن أن تستوعب مدى عظمة ما يخلقُه الخالق بقدرته.
جهازُ صغير بحجم الكف، من صُنعِ مخلوقٍ ضعيف، تُجرَى من خلاله الاتصالات، يسمع ويرى من في المشرق مَن في المغرب، جهازٌ صغير يَختزنُ ما لا يُحصَى من المحفوظات، ويلتقطُ الثابتَ والمتحركَ من الصور واللقطات، هذا صنع البشر فكيف بخَلقِ خالِق البشر؟!!.
حديثنا اليوم أيُّها السادة عن هذا الجهاز، وقد أصبح في هذا الزمان بأيدي الناس كلهم، غنيِهم وفقيرِهم، كبيرِهم وصغيرِهم، خواصِّهم وعوامِّهم.
حديثنا اليوم عن أجهزة الجوال الذكيّة، وبالطبع لست في هذا المقام بصَدد ذِكر منافع الجوال، فهي أشهر من أن تُحصَر أو تُعد، ولكنَّني اليوم في معرِض الحديث عن الوقاية والعلاج من بعض المفاسد والآفاتِ التي جرَّتها علينا ممارساتنا السيئة التي أسأنا بها استخدام هذا الجهاز، لذلك كان لابدَّ لنا مِن أن نُذكِّرَ بعض الآداب والضوابط التي تكفُل تحقيق المنفعةِ وتكفُّ المفسدة الاجتماعيَّة الحاصِلة.
هذا الجهاز أيُّها السادة كان أول الأمر مجرَّد جهاز هاتف، فوجب أن ينطبق عليه ما ينطبق على جهاز الهاتف من لزوم عدم ازعاج الآخرين، وعدم ترويعهم بالاتصال في الأوقات غير المناسبة، ومن لزوم الأدب والحشمة في الكلام من الرجال والنساء على حدٍّ سواء.
والله تعالى أمرَ نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بعدمِ الخضوعِ بالقول، وهنَّ من هنَّ من التقى والورع، وهنَّ في مقام الأمهات للمسلمين، ومع ذلك يخاطبهنَّ الله تعالى بقوله:
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (الأحزاب:32)
فلا تخضعن بالقول، لا ترفِّعن أصواتكنَّ ولا تُلطّفنها عمدا ولا تميِّعنَ الكلام، وقُلنَ قولًا معروفًا، أي بمقدار الحاجة وبمقدار ما يلزم في الأمر الذي يُحتاج للكلام فيه، بلا تمييع ولا تلطيف لألّى يتوهم من على الطرف الآخر من الخط أنّكِ تدعينه لغير ما يُرضي الله سبحانه.
وهذا أمرٌ وجب لكلِّ رجُلٍ ذي نخوة أن يأمُرَ بِه أهل بيته لكي لا يطمع الذي في قلبه مرضٌ والعياذ بالله. واليوم أيها السادة الكرام، ابتلينا بنِعمٍ جديدة حولها البعض بقلَّة دينه وورعه إلى نقمة، ألا وهي وسائل التواصل الاجتماعي، تلك النعمة التي نفعت الشعوب المقهورة المظلومة كثيرًا في ثوراتها على ظالميها، إذ فضحت عوَرَهم وكشفَت إجرامَهم…
هذه الوسائل نفسها غدت ألعوبةً وتسليةً ومضيعةً للوقت بل وبابا للحرام بين بعضِ الرجال والنساء، بين بعضَ الفتية والفتيات، والله تعالى يقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الاسراء:32)
فالله تعالى لم ينه عن الزنا فقط، بل نهى جلَّ وعلا عن كل ما يُقرِّب إليه ممَّا تسمع أو تبصر، أو تتكلَّم، ففيما روى البخاري في صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ، لاَ مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ).
اسمع هذا يا من تنظر للصور المُثيرة وتتفرَّج على الأفلام الخليعة، اسمع يا من تستمع المعازِفَ الماجنة ليل نهار (زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ) فهذه كلُّها طرُقٌ تُقرِّب مِنَ الفاحشة، ولهذا فكلُّ ذلك قد نُهينا عنه..
فكيف بنا وقد غدا بعض الشباب والرجال يجلسون الساعات الطويلة، يحادثون الغريبات الأجنبيات عنهم على برامج التواصل الاجتماعي – على الفيس بوك والوتس أب والتليغرام وغيرها – يجلس ساعات يُكلِّم هذه وتكلِّمُ ذاك فيما لا ينفع لمجرَّد الكلام، ذاك الكلامُ الذي يبدأ تعارفا ثمَّ يُصبِحُ أسئلةً عامَّة ثمَّ يغدو أسئلة خاصَّة ثم يكون مُزاحًا لا يلبثُ أن يتجاوز حدود الأدب، ثمَّ يكون لقاءً وفاحشةً ومقتًا وساء سبيلا والعياذ بالله.
نعوذ بالله من ذلك، نعوذ بالله من أن نستخدم نِعمَهُ في معصيته، نضيع الساعات الطويلة في الكلام مع الأجنبيَّات الغريبات !! وصدق العلماء إذ قالوا: (ما أكثر رجلٌ الحديث مع امرأةٍ في غير حاجة إلّا أمذى بين فخذيه)، فلنتق الله أيها السادة، ولنعامِل نساء الناس كما نريد أن تُعامَلَ نساؤنا، ولعلَّ كثيرا منا سمع قصَّة الشاب الذي أتى للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فحاوره رسول الله سائلا: أترضاه لأمك؟ أترضاه لابنتك؟ أترضاه لأختك؟ .. حتى عدَّ له محارمه كلها، والفتى يقول: لا والله جعلني الله فداءك، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول له: ولا الناس يحبونه لبناتهم، لعماتهم، لأخواتهم…. وأنا أسألك الآن يا من تجلس الساعات تحدِّث النساء الغريبات، أترضى لأهل بيتك ما تقوم به من ساعات تتحدث فيها مع هذه وتلك؟! أترضاه لابنتك؟ أترضاه لزوجتك؟ أترضاه لأختك وأمِّك ؟! أن تكونَ معكَ في المنزل وتجلس وعينها على الجوال تُنفِقُ مالك تُحادث هذا وذاك ساعاتٍ طويلة تُحاور وتُناقِش هذا وذاك فيما لا ينفع ولا يلزم؟!! أترضى ذلك؟
إن رضيت ذلك لابنتك وزوجتك فأسَفٌ على رجولتك، وإن لم ترض ذلك فأسَفٌ عليك يا من تفعل ذلك مع بنات النَّاس ومع نسائهم.
أين نخوتنا أيَّها السادة ونحن نرى هذا ينتشر بين الشباب والبنات ولا نؤدِّب أبناءنا، ولا ننبههم ولا ننصحهم ولا نحذِّرهم هذه المفسدة التي جرتها إلينا نعمةٌ قلبناها بسوء فِعالنا مفسدة؟!
ومازلنا أيُّها السادة نتحدَّث عن وسائل التواصل الاجتماعي تلك النعمة التي غدت بممارسات البعض السيئة نقمةً على بعض الناس…
ومن تلك الممارسات السلبية ما غدت تستخدم له تلك الوسائل لترويج الشائعات ونشر الضلالات، أمَّا ترويج الشائعات فحدِّث عنه ولا حرج مما فيه طعن بأعراض الناس ونشرٌ لعوراتهم وتتبعٌ لزلاتهم، بل ليس هذا وحسب، فقد غدت تلك الشائعات وسيلةً لنشر الوَهَن والضعف الإرجاف والتخذيل بين صفوف المجاهدين الموحدين، بالترويج للشائعات التي يبثُّها العدو بُغية التأثير في المُجاهدين، وأنَّى لهم.
فحذار حذارِ أيُّها المُسلم من أن تكون مَطيَّةً تنشر كلَّ ما يصلك ممن هبَّ ودب ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لك: ” كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ “. والحديث رواه مسلم . وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وأحمد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا ”
بِئسَ الرجل ينقل الكلام وينشر الباطل ثمَّ إذا سألته أسمعت بأُذُنِك أو رأيت بعينك؟ قال لك زَعموا (هيك قالوا – هكذا وصل – أتتني رسالة ….) وكم سفكت دماء وكم هُتِكت حُرمات بنشر الكلام على غير بيِّنةٍ ورويَّة، وكم ضَعُفت معنويات وكم تخلخلت جبهات بشائعات ينشرها البعض من غير بيِّنة ولا عِلم.
إن كان ولا بدّ فليكن ذلك سلاحًا منَّا في عدونا تنشره في مناطقهم – وليس في مناطقنا لكي لا يضطرب المجاهدون – وبين صفوف جنودهم لكي لا يلتبس الأمر علينا، تنشر ما يضعف جُندهم ويُخلخِلُ صفَّهم وتزرعُ الرعب في نفوسهم، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الخندق لنعيم بن مسعود الأشجعي الذي أسلم ولم يَعلم قومه بإسلامه، وكان صديقا لقريش واليهود، قال له رسول الله: “خذِّل عنَّا ما استطعت”.
أمَّا أن تنشر الشائعات بين صفوف المسلمين فهذه إن كانت مقصودةً فهي عمالةٌ واضحة وإن كانت غير ذلك فهو ذنبٌ عظيمٌ.
والحديث عن الكذب في وسائل التواصل لا يقتصر على نشر الشائعات بل على كل أنواع الكذب، وفي ذلك الحديث الحسن الذي رواه أبو داود والترمذي، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ويل للذِي يُحدِّثُ بالحديث ليُضْحِكَ به القوم ، فيَكذِبُ ، ويل له، ويل له”.
يكسب الإثم ليُضحِكَ الناس وليعمل بهم المقالب!!
ولعلَّنا ونحن نتحدَّث عن الكذب لابدَّ لنا مِن أن نُعرِّج على نوعٍ مِن أخطر أنواع الكذب ممَّا انتشر بين بعض الصالحين الجاهلين عبر وسائل التواصل، وهو الكذب الذي يقول فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه البخاري ومسلم ” إنَّ كذِبا عليَّ ليس ككذبٍ على أحد، فمن كذب عليَّ متعمِّدا فليتبوأ مقعده من النَّار” وهو الكذب الذي قال عنه – صلى الله عليه وسلم -: ” مَنّ حدّث عنِّي بحديث يُرى أنَّه كذِبٌ، فهو أحد الكاذِبين ” [رواه مسلم].
فمن حدَّث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بحديثٍ يرى العلماء أنَّه كذبٌ موضوعٌ على النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو أحد الكاذبين، فكيف بمن تراه ينشر ما يأتيه من غير تثبُّتٍ ولا روية من تلك الرسائل التي لا تصِل من مصادِر علمية موثوقة فينشرها ويجعل من نفسه مطيَّةً وناشرا للبِدع والضلالات والخرافات، يجعل نفسه مطيَّةً للكذب على الله ورسولِه بِحُجَّة أنَّه يفعل الخير بنشر حديثٍ أو قصَّةٍ أو عِظةٍ لم تأته من مصدرٍ موثوق، فيروِّجها وهو لا يدري أنَّه بجهله يكسب سيِّئاتٍ جارية تبقى له بعد الموت – طالما أن الناس يتداولونها- وحسبنا الله ونعم الوكيل في الناشِر، وفي المُتلقِّي الذي يأخذ دِينَه من رسائل عشوائية لا تصدر عن جهة علميَّةٍ معروفة، بدل أن يتعلَّم العلم من أهله ومن الكتُب المعتمدة، لذلك قال العلماء (الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).
أخا الإسلام: إن أردت أن تنشر الهداية وأن يكون لك أجر الدلالة على الخير، انشر ودُلَّ على المصادر العلمية المعتمدة من مواقع وقنوات لأهل العلم المشهود لهم أفرادًا أو مؤسَّسات، وانسب الرسالة لمصدرها ليزداد الناس ثقةً بما تخبرهم. فاتق الله فيما رزقك (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) حسيبًا لا يفوته شيءٌ صغُرَ أو كَبُر وتحسبونه هيِّنًا وهو عند الله عظيم.
إخوة الإيمان: مازلنا في الحديث عن المزلَّات والممارسات الخاطئة التي يقوم بها البعض بواسطة الجوالات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل مِن أخطر ذلك ما ابتُلينا به في موضوع الصور والتصوير، تلك الوسائط التي أسأنا استخدامها فبِحُجَّة التصوير للذكرى وبحجَّةِ ارسال الصور للأحباب والأقرباء غدت تنتشر صور النساء – صور الأعراض – تنتشر من غيرِ تحفُّظ ولا ستر، ولعلَّ بعضهن تكون محجّبةً في الشارع ولكنَّها تضع صورتها على الفيس بوك أو على الصورة الشخصية (بروفايل) للوتس أب بغير حجاب، تضعها سافرةً متبرِّجةً ينظرها الناس، بل وقد يأخذها البعض ويتبادلونها، يضاف إلى ذلك خطورة ما يحصل من انتشار الجوالات في أيدي الناس، وما تقوم به بعض النساء في الأعراس والحفلات من تعرٍّ فاضح ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول (لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها) هذا الحديث كان زمن لم يكن هناك كاميرات ولا تصوير يوم لم يكن بجيب كل واحد جوالٌ فيه كميرا، أمَّا اليوم فهذا الأمر الواجب غدا آكَدَ وأوجب.
تذهب النساء للحفلات للأعراس، متبرِّجاتٍ مُتعرِّيات، فإذا بإحدى الفاسدات المُفسدات تصوِّرُ بينهنَّ من غير علمهنَّ وكم فُضحت بيوت وكم هُتِكَت أعراض، وكم انتشرت صور وابتُزَّت صاحباتها من خبيثات ملعونات صوَّرنهُنَّ على حين غفلةٍ.
وكذلك فلعلَّ البعض يتساهل في صور أهل بيته بحجَّة أنهنَّ يُرسلنها لأمهاتِهن أو أخواتهن على الخاص، وما يدريك من ينظر في جوال الأم وفي جوَّالِ الأخت، أوَما تدري أنَّ للمواقع والبرامج في عقدهم شرط استخدام الصور ورقابتها، وأيُّ حاجةٍ ماسَّة تستدعي ذلك؟!!
أمورٌ خطيرةٌ أيُّها الإخوة، عمَّ فسادها، وجب عليكم أن تحذِّروا منها نساءكم وأهل بيتكم، فيا أيُّها الرجال القوامون إن لم تعلِّموا نساءكم فمن سيعلمهنَّ؟!
يضاف إلى ذلك أيُّها الإخوة وجوب تحذير النساء من خطورةِ نشر صور النِعَم والأرزاق والأفراح فأي حاجةٍ تلك، غيرَ الرياء والسمعة تدفع بعض النساء والرجال إلى تصوير ما أنعم الله به عليهم أولًا بأوَّل، فينشرون تلك الصور التي لا تُراعي حال الناس وحِرمانهم فتُثير حسدهم وبغضهم وصدق من قال: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود) وهذا وإن لم يثبت مرفوعا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بسندٍ صحيح ولكنّه حكمةٌ من الحِكم يجب أن لا تفوت من أنعم الله عليه وبالذات في هذه الظروف الصعبة التي نمرُّ بها، فالتحديث بنِعم الله يكون باستخدامها بطاعته لا بإثارة قلوب المحرومين بصورها، فكم من جائع يشتهي المائدة التي وضعت صورها؟ وكم من عقيمٍ يشتهي الذرية التي رزقك الله بها؟ وكم من عانسٍ تشتهي الزوج الذي أنعم الله به عليك أيتها المسلمة؟ نعمةٌ أنعمها الله عليك لا تجعلها سببًا لإثارة ضغائن وحسد الآخرين.(والحديث للنساء في هذا أكثر من الرجال فليبلغ الرجال الحاضرون نساءهم وأهل بيتهم)
وأنت أيضًا أيُّها المجاهد وأنت أيُّها المرابط، أقول لك بصراحة إنَّ المجاهد الحقيقي ليس عنده من الوقت ما يكفي لأن يرفع كل يوم بِضع صوَرٍ على الفيسبوك والمجاهد الحق لا يلتفت لذلك أصلًا لكي لا يُبطل أجر عمله بالرياء والسمعة، فقد سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الرَّجُلِ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَيُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ” [البخاري مختصرًا].
لا من قاتل ليُرى مكانُه ولينشُرَ صوره، وأنا وأنتم نعلم من يملك الوقت الكثير لذلك.
أمَّا إن فعل المجاهِدُ يسير ذلك بين الحين والآخر لتشجيع إخوانه وزيادة حماستهم فلا بأس ولا حرجَ بذلك إن صدقت النيَّة والله يعلم المفسد مِن المُصلِح.
اللهم أصلح فساد قلوبنا يا مصلح الصالحين.
أقول هذا القول وأستغفر اله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، أما بعد أيُّها السادة الكرام، ونحن نتحدَّث عن هذه النعمة، عن الجوالات والأجهزة الذكية، لابدَّ أن نذكر حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ” نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ ، وَالفَرَاغُ” [ رواه البخاري]. هذا الفراغ الذي تضيع منه ساعات طويلة أمام هذه الشاشة الصغيرة، لا تنتفع فيها عِلمًا ولا تكسِب أجرا ولا فائدة، بل تسمع كلام من هبَّ ودب، كلمةً من هنا وأُخرى من هناك، تشغل بالك بقول هذا وذاك، وتلك المرأة تتشاغل عن زوجها وبنيها وتجلس على السطوح في هذا البرد لتلتقط الإشارة ولتضيع الساعات على برامج التواصل، تحدِّثُ هذه وتلك بمواضيع لا نفع فيها، وبأمورٍ لا فائدة منها….
تذكَّروا جميعًا ” نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ ، وَالفَرَاغُ” هذه الصِّحة وهذا الفراغ الذي أنت فيه وأنت شابٌّ قوي، اشغله بطلب العلم، اطلبه مِن أهلِه، مِن مصادِره، اقرأ فيه كتابًا نافعًا يكون لك ذُخرًا ورفعة، خيرٌ من أن تضيع ساعاتٍ لا تدري فيها ماذا قرأت وبماذا انتفعت.
ولعلّك لو سألت أحدهم عمَّا انتفعه في ساعتين أمضاهما يُحدِّقُ في جوالِه، ماذا انتفعت من عِلم؟ ماذا كسبت من فائدة؟ … لن تسمع جوابًا يستحقُّ ما أضاعه عليه من ساعات عُمرِه.
أيها السادة: أنا لا أقول لكم أنَّ هذا الجهاز كلَّه مساوئ، فقد بدأت حديثي بأنَّ منافعه لا تعدُّ ولا تُحصى، ولكنَّ استخدامنا لهذه النعمة هو الذي سيحدد إن كانت ستجلب لنا منفعة ونعمة أو سيقلبها إلى مفسدة ونِقمة.
لذلك أقترح عليك حلًّا أيُّها الشاب، وهو أن تخصِّص لنفسك مع هذا الجهاز وقتا ومدَّةً لا تتجاوزها يوميًا، وأن تحدِّد قبلها ما هي المواضيع ومن الجهات التي ستبحث عنها وستتواصل معها، وإن أردت أن تنتفع عِلمًا فحدِّد الجهات والمؤسَّسات العلمية الموثوقة التي شهد لها النَّاس بالخير لتبحث في صفحاتها عن الموضوع الذي تُريد.
وتذكَّر أخي المسلم أنَّ هذه النِّعمة التي نحذِّر الكبار من سوء استخدامها، ستنقلب نِقمةً مضاعفة عندما نجعلها في أيدي الصغار وفي أيدي من لا يعقلون من المراهقين والمراهقات… فإن كنَّا نحذِّر الرجال والنساء والكبار من هذه المفاسد، فكيف بمن يجعلها في أيدي من لا يعقلون من الأطفال والصغار، يجعلها في أيدي الأولاد والبنات من قبل أن يُعلمهم ويأدِّبهم، يضعها في أيديهم من قبل أن يتمكن الإيمان في قلوبهم، ومن قبل أن يكونوا قادرين على تمييز الخطأ مِن الصواب.
فمن بلغ الرشد وتمكن الإيمان في قلبه وبلغ ما يكفي من الوعي لا بأس من أن ينتفع بِنعم الله هذه، أمَّا من كان دون ذلك فما إن يجلس ويختلي بهذا الجهاز الذي غابت عنه الرقابة الأسرية، حتى يفعل به الأفاعيل والعياذ بالله، وسيكون هذا الجهاز الذي أكرمت به ولدك أو ابنتك نقمةً عليك وسببًا في إفساد تربيتهم وإضلالهم.
ختاما أيُّها المؤمن: تذكَّر أنَّ هذه النِعمة وأنَّها وإن غابت عنها رقابة البشر فلا تغيب عن رقابة ربِّ البشر، (لا تقل خلوت ولكن قُل: عليَّ رقيبٌ عتيد)
نعمةٌ كسائِر النِّعم إن استخدمتها في طاعة الله زادك خيرًا ونفعك بها وبغيرها، وإن استخدمتها في معصيته سبحانه – والعياذ بالله – مُحِقت البركة وبَلغتَ المفاسِد وابتُليت بما كنت في غنى عنه، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (ابراهيم:7)
اللهم اجعلنا من الشاكرين وارحمنا يا كريم واغفر ذنبنا يا أرحم الراحمين …
إنِّي داعٍ فأمِّنوا