بقلم: د. ناصر بن عبد الرحمن الخنين.
وردني السؤال من إحدى السائلات؛ فأجبتها بالآتي نصه:
وعليكم السلام؛ أمّا بعد: فهذا السؤال ألف ابن القيم – رحمه الله – كتابا كاملا جوابا عن مضمونه؛ سمَّاه: “الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي”؛ فيمكن الرجوع إليه في المكتبة الشاملة أو في غيرها؛ ففيه فوائد جمَّة؛ تعالج الموضوع من جذوره، وتفصل في جزئياته، وتنتهي إلى ثماره، وتنبه إلى مآلاته.
ثم إنَّ الحبَّ النافع الحقيقي المُستَحسَن هو ما يقع باعتدال وتوسُّط من غير إفراطٍ ولا تفريط بعد الزواج؛ من قبل الزوج لزوجته، ومن جهة الزوجة لزوجها (وجعل بينكم مودة ورحمة) وأمَّا قبل ذلك فيُعَدُّ صَبْوَةً غير حميدة المسلك، ولا محمودة النتائج، ولا مأمونة العواقب؛ بل سيصبح الشيطان – غالبا – هو سيِّدها، وهو المُهيّج للمشاعر ما بين الرجل والمرأة، والغالب أن هذا الحب المزيّف ينتهي إلى مآسٍ نفسية، وانحرافات خُلُقية، ومفاسد اجتماعية، ويثمر اكتئابا وانطواءً، وتعقيدًا واضطرابًا في مسيرة الرجل والمرأة؛ فتهيم به ويهيم بها، والشيطان يؤُزُّهما في الهوى أزّاً؛ فيتعلَّق بها وتتعلق به؛ وقد يفضي إلى لقاءات مشبوهة، واتصالات هاتفية محمومة، وصور فاضحة متبادلة، وطلعات بينية متعددة، ومفاسد أخلاقية مقيتة؛ يتدرَّج بهما الشيطان إليها؛ وهي خطوات الشيطان المعروفة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور:21] ثم تكون العاقبة حرمانًا وهيامًا وفضيحة وانكسارا واضطرابا وندما بعد السقوط الدُّنيويِّ المدوِّي؛ لا ينفع معه عضُّ الأصبع ولا قرع السنِّ ولا طول الندم؛ لذا قال يوسف عليه السلام: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]؛ فسمَّى الحبَّ صَبوةً وجهلا، ولو كان ممدوحًا حقًّا لم يكن أربابُه جُهالا ولا ضُلالا؛ فالتعلق الحق الحميد المشروع إنما يكون بالله وحده لا شريك له؛ وذلك يكون بحبِّه حُبًّا كاملا يليق بمقامه العظيم، ويوازي نعمه المترادفة؛ تعبُّدًا ورقا؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة:165] وحبًّا لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحبًّا لمرادهما من الواجبات الشرعية والآداب المرعية؛ تعرفا عليها، وامتثالا عمليا لها، ثم يأتي حبُّ الرجل لزوجته وحبها له؛ حُبًّا معتدلا متوازنا، وحبُّهما لوالديهما ولأولادهما وللمؤمنين والمؤمنات ولاءً ونُصرة وتعاونا على البِرِّ والتقوى؛ فهذه هي حال الأسوياء من الصالحين والصالحات مع مصطلح الحب فهْمًا له، وتعاملا مع سلطانه، وتطبيقا له في الحياة؛ تنوُّعا وتعدُّدا وتفاوتا، وما سِوى ذلك تخبُّط واضطراب وجهل وإحباط، وخروج عن المسلك السوي، وإن زينه الشيطان، وحسَّنه شياطين الجن والإنس؛ من أصحاب الفن والتمثيل والقصص والروايات المنحرفة (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام:116]، (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27].
لكن (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] فالمُحسِن يُجاهد نفسه أولا بأول ويراقب تصرفاته فلا يتجاوز في تصرفاته وعلاقاته ولا يسترسل في خواطره وأفكاره لألَّى يقع في شباك الشيطان (نظرةٌ فابتسامةٌ فكلمةٌ فموعدٌ فلقاءٌ … فوقوع في الفواحش والمخازي والعياذُ بالله) … ولذلك قال تعالى: ((وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)) [اﻹسراء : 32]
فتجنب ما يقرب من المفسدة هو السبيل الأقوم الأرشد، والطريق الأهدى سبيلا؛ في هذه القضية التي عصفت بكثير من الشباب والشابات؛ نسأل الله تعالى أن يُعيذنا وإياكم من الفتن، وأن يحفظنا وذرارينا من منزلقات الهوى والشياطين، وأن يجعلنا جميعا من أوليائه المتقين؛ الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.