#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
الصبر عند الصدمة الأولى
التاريخ: 7/ ذو الحجة/1437هـ
الموافق: 9/ أيلول/2016م
🕌 من أحد مساجد حلب المحررة
⏱ المدة: 27 دقيقة
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1- اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا.
2- ما هو الصبر الحقيقي الشامل المتكامل.
3- معنى المُصابرة.
4- صبر من لا يفقدون اتزانهم عند الشدائد.
5- رثاء قائد جيش #الفتح #أبو_هاجر_الحمصي #أبو_عمر_سراقب
6- كلَّما ارتقى منَّا فارسٌ حملت من بعده الرايةَ فرسان.
7- قصيدة ( تُعيرنا أنَّا قليلٌ عديدنا )
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
8- فضال يوم عرفة وما يسنُّ فيه.
9- تذكير بصلاة العيد وبعض سننها.
10- مِن سنن النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم عيد الأضحى.
رابط الخطبة على الفيسبوك
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه… القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، الحاكم بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلِد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأُمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أما بعد إخوة الإيمان:
في آخر آيةٍ من سورةِ آل عِمران يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (آل عِمران:200)
نداء الله المُبين لعباده المؤمنين، تلخيصٌ لأعباء منهج المجاهدين، تلخيصٌ لشروط طريق النصر والتمكين: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا، وَصابِرُوا، وَرابِطُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» … نداء ربِّ العالمين لعباده المؤمنين بالصِّفة التي تربطهم به سبحانه، تلك الصفة التي تؤهلهم لهذا النداء، تؤهلهم لحمل الأعباء، وتكرمهم في الأرض كما تكرمهم في السماء: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا». النداء للمؤمنين. النداء لمن آمنوا بربهم، ليصبرِروا ويُصابِروا ويتَّقوا الله لعلَّهم يُفلِحون، وسياق سورة آلِ عمران – أيها الأحبَّة – حافل بذكر الصبر وبذكر التقوى… سياق السورة حافل كذلك بالدعوة إلى الاحتمال والمجاهدة ودفع الكيد وعدم الاستماع لدُعاة الهزيمة والانبطاح، عدم الاستماع للمخذِّلين والمُرجفين، ولذلك خُتمت السورة بهذه الآية الكريمة وما فيها من التوجيه إلى الصبر والمصابرة، فالصبر هو زاد الطريق في هذه الدعوة. فطريقنا للنصرِ طريقٌ طويل شاق، طريقٌ حافل بالعقبات والأشواك، طريقٌ مفروش بالدماء والأشلاء، طريقٌ فيه الإيذاء والابتلاء، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ… ((وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))) [البقرة:155-157]
أولئك هم المهتدون الذين يهديهم ربُّهم بصبرهم سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، بصبرهم وثباتهم يُخرجهم ربهم من ظلمات الجاهليَّة من ظلمات تسلُّطِ الكفَّارِ الفُجَّار إلى نور الإسلام والهداية والفلاح وعزِّ الدنيا قبل الآخرة … أولئك هم المهتدون الذين عرَفوا أنَّ بعد حُلكة الليل فجرٌ آتٍ لا محالة، أولئك الصابرون، صبروا على شهوات نفوسهم ورغائبها، صبروا على أطماع النفس الأمَّارةِ ومطامِحها، صبروا على ضعفها ونقصها وقِلَّة تحملها، صبروا على استعجال النفسِ وسرعةِ مللها!! .. صبروا على شهوات الناس ونقصِهم وضعفِهم وجهلهم وسوء تصورهم لحقيقة معركتنا مع الكفَّار… صبروا على انحراف طباع البعض، صبروا على أنانيَّة إخوانهم وأثرة بعضهم وغرورهم، والتوائهم، واستعجالهم… صبروا على تمادي الباطل، ووقاحة الطُغيان، وتفرعُن الشرِّ… صبروا على قِلَّة الناصر، وضَعف المعين، صبروا على طول الطريق، ووساوس الشيطان في ساعات الكرب والضيق!… صبروا على مرارة الجهاد… صبروا على ما تثيره الظروف – التي تشبه حالنا وظروفنا – في النفس من انفعالات متنوعة. من الألم والغيظ، والحُنق، والضيق، وضعف الثقة في الخير، وقلَّة الرجاء أحياناً، أولئك الذين صبروا على ما ذكرنا هم الصابرون حقًّا، أولئك الذين يصبرون في البأساء والضرَّاء وحين البأس، أولئك الذين يوفَّون أجورهم بغير حساب، أولئك الذين يصبِرون حتى ينالوا إحدى الحسنيين (نصرٌ يُسِرُّ الصديق، أو شهادةٌ تُغيظُ العدا) ، فإذا ما أنعم الله عليهم بالنصر تراهم يصبرون على نفوسهم فيضبطونها ساعة الانتصارات وساعة الفتوحات الغرَّاء، فلا انتقام ولا خُيلاء ولا تكبُّر ولا تجاوز لشرع الله ولا استعلاء على المؤمنين، هذا الصبر الذي نذكره هو الذي يكون من النفوس التي وطِّنت على الصبر الحقيقي وعلى المصابرة.
والمصابرة هي المغالبة بالصبر، مغالبة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يَفُلوُّا صبر المؤمنين، أن يُنفِدوا صبر المؤمنين على طول المجاهدة، والله تعالى عندما قال: (اصبروا وصابروا) أمرنا بالصبر والمصابرة، وقد بيَّنا معنى الصبر الحقيقي، أمَّا المصابرة فهي مجاهدة الأعداء بالصبر، إياكم إياكم إخوة الإيمان أن ينفد صبركم وأعداؤكم الكفّار يصبرون على باطلهم … أهل الإيمان مهما عصفت بهم الشدائد يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى: يظلُّون أصبر من كوامن صدورهم التي تَشعُر أحيانا بالحزن أو اليأس، يُصابرون أعدائهم مقابلين الصبر بالصبر، والدفع بالدفع، والجُهد بالجهد، والإصرار بالإصرار.. فإذا كان الباطل يُصِرُّ ويصبر ويمضي في الطريق، أفما أجدرنا أهل الحقِّ أن نكون أشد إصراراً وأعظم صبراً على المُضي في الطريق!! لينطلِقُ جُند الحقِّ مجاهدين مُرابطين على كلِّ أنواع الثغور، قلنا ونقول بأنَّ معركتنا ليست معركة بندقيَّة فقط، فمنظومة الجهاد منظومة متكاملة (من المقاتل إلى المُذخِّر والطبَّاخِ وإلى المُصنِّع وإلى المموِّل والطبيب وغيرهم …) فلابدَّ لكلِّ مسلمٍ فينا أن يكون له صبرٌ على الرباط في ثَغرٍ من ثغورِ هذه المنظومة، إذ بغير المرابطة تضيع ثمرات الجهاد، ويضيعُ صبر الناس…
هذه الآية أيها السادة حوت جماع التكاليف التي تفرِضها دعوة الإسلام في عمومها… هذه التكاليف التي لا غنى عنها لمن أراد أن يبلُغ ختام السورة «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»… فكم ممن بذل لم يُفلح في الختام بل أضاع جهده هباء منثورًا ؟!!
فلا فلاح ولا فتح ولا نصر إلا بصبرٍ ومصابرة حقيقية، ذاك الصبر الذي يكشف حقيقة إيمان العُصبَة المؤمنة، صبرٌ يظهر عند الصدمة الأولى من البلاء، هذا صبر أهل الحق، صبر الصادقين، هو صبرٌ لا كصبر من يدَّعي الصبر ثمَّ يفقد توازنه عند أوَّل مصيبة، وفي هذا روى البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – قَالَ : مَرَّ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : ((اتّقِي الله واصْبِري)) فَقَالَتْ : إِليْكَ عَنِّي ؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي، – وَلَمْ تعرف أنَّه النبيّ – صلى الله عليه وسلم – – ، فَقيلَ لَهَا : إنَّه النَّبيُّ فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ ، فقالتْ [مُعتذِرةً] : لَمْ أعْرِفكَ، فَقَالَ – روحي فداه – : (( إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى)) (( إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى)) أيُّها السادة، صبر المؤمن الحقِّ يظهر في أوَّل لحظات البلاء، (( إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى)) هذا هو الصبر الذي يوفى به الناس أجورهم بغير حساب، صبر الصادقين، وليسَ صبر الأدعياء الذين يفقدون صوابهم عند حلول الابتلاء ثمَّ يتظاهرون بالصبر بعده بأيام (( إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى)) صبر المؤمنين، صبر من تعلَّقت قلوبهم بالله، ولم تتعلَّق بمكانٍ ولا بشخصٍ ولا بسبب، صبرُ القلوب التي تعلَّقت بمُسبِّب الأسباب وحده، صبر من لم يزدهم البلاء إلا شدة وثباتا، صبر من يلتمسون الأعذار لإخوانهم فلا يسارعون للتخوين ولا للتضليل ولا لرميِ الناس بالتقصير من غير بيِّنة… صبر من سمع أنَّ العدو أطبق على حلب مرَّة أخرى، فظنَّ في نفسه وإخوانه خيرًا، وقبلها ظنَّ بربِّه أحسن الظن، فقال إنَّ الفتح ثانيةً أسهل من عمليَّة الفتح الأولى، إن أعان الله ويسَّر ومدَّ بمدده، صبر الصادقين أيها الأحبَّة، صبر من سمع باستهداف تحالف الصليب لخيرة قادة جيش الفتح ممن استشهدوا البارحة، فدَمَعت عينه وحزِن قلبه ولم يقل إلا ما يرضي ربَّه، وما زاده الخبر إلّا إيمانًا وتسليما، ما زاده الخبر إلَّا ثباتًا وعزيمة، فالمؤمن أيها الأحبَّة يوقِن يقينًا جازمًا بأنَّ نصر أمَّة محمد لا يقف عند الأشخاص، ولا عند الجماعات، لا أبدًا… فنصر أمَّة محمَّد نصرٌ ربَّاني ييسر الله أسبابه، فهذه أمَّة ولّادةٌ بأهل الخير، خيارٌ يورِّثون خيارًا، خيارٌ يناولون الراية لخيارٍ من المؤمنين ليكملوا الطريق من بعدهم، فكلما استشهد منا رجل تبعه رجــــــال، وكلما ترجَّل منا فارس تبعه فرســـــان، وكلما ارتقى منا أَخٌ تبعه إخـــــــــوان، فدماء شهدائنا نور ونار، نورٌ يُنير درب السالكين ونار تلفح وجوه الكافرين، نارٌ نُحرِق بها العدا تدفعنا لمزيدٍ من الصبر على أمر الله تعالى…
عدُولٌ ورَّثوا الراية لعدول، في طريقٍ طويلٍ شائك لكنَّ آخرته سعادة الدنيا والآخرة، طريقٌ سقَطَ ويسقُط عن جنباته الكثيرون ممن أساؤوا الظنَّ بربهم، ووثَبُتَ ويثبتُ عليه قلَّة قليلون، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، وقليلٌ من عبادي الشكور…
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا *** فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا *** شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا *** عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّةً *** إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ
وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ *** وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ *** قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا *** لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ
قتلوا منَّا فارسًا مِن فرساننا فارتقى تتبعه فرسانٌ تسير على الدرب، قتلوا منَّا قائدًا وستتبعه قادة يسيرون ليكملوا المهمَّة وليصلوا آخر الطريق، هُزِمنا في معركةٍ وما الضير؟! فالحرب سجال يومٌ لنا ويومٌ علينا والعاقبة للمتقين، انفضَّ عنَّا بعضُ المتخاذلين، لا حرج فاللهُ تعالى امتدح القليلَ وذمَّ الكثير …
اللهم اجعلنا من القليل، واغفر لنا يا رحيم، وثبِّتنا على الحقِّ، وفرِّج عنّا وانصرنا أنت مولانا نعم المولى ونعم النصير، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، إخوة الإيمان أذكِّركم ونفسي بما نحن فيه من مواسم الرحيم الرحمن، هذه المواسِم التي تضاعفُ فيها الحسنات وتُستجاب فيها الدعوات، ونحن في عشر ذي الحِجَّة التي أقسم الله تعالى بها ((وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)) [الفجر:1-3] وسيُصادفنا الأحد القادِم – إن أحيانا الله – يومها التاسع، يوم الوَتر، يوم عرفة، وقد روى ابن حِبّان وأبو يعلى بسندٍ قوي عن جابرٍ – رضي الله عنه – أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (( وما من يوم أفضلُ عند الله تعالى من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء فيباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السماءِ فيقول: ” انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا ضاجِّين، جاؤوا من كل فجٍّ عميق يرجون رحمتي ولم يَروا عذابي ” فلم يُرَ يومٌ أكثر عتيقًا من النَّارِ من يوم عرفة)). … فما من يومٍ أكرَم في عامنا عند الله من يوم عرفة… وقد سنَّ لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سُننا لنغتنمه ولكي لا نفوِّت أجره فالأجر العظيمُ في يوم عرفة لا يقتصِرُ على الحاجِّ، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلمٌ في صحيحه يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))
وأخرج مالك في الموطَّأ والترمذِيُّ في سُننه أَنَّ رسولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قال : «أَفْضَلُ الدعاء [دُعاء] يومِ عرفةَ … » [فالدعاءَ في يومِ عرفة خيرُ الدعاءِ للحاجِّ وغير الحاج]
فلنغتنم ساعات ذاك النهار المبارك فلنغتنم ساعات يوم عرفة بأفضل الأعمال الصالحات والقُربات، بالرباط والجهاد، بالتسبيح والتحميد والتكبير وبقراءة القرآن وبالإكثار مِن الدعاء، وبالخلوة مع النفس مراجعين تقصيرنا، سائلين المولى تبارك وتعالى العفو والمغفرة والقبول.
ولنسعَ أيها الأحبَّة لقيام ما أمكن من ليلة العيد فقد ورد بأنّها من ليالي إجابة الدعاء، فلنكثر من الدعاء والإلحاح على الله تعالى بأن يُعجِّل الفرج والنصر …
وإياكم إياكم إخوة الإيمان، أن تفوتكم صلاة العيد وهي ستقام في مسجدنا هذا إن شاء الله تعالى – مالم يمنعنا مانعٌ قاهر – ستقام بعد طلوع الشمس بنصف ساعة – وصلاة العيد واجبةٌ على الأصح على من تجب عليهم صلاة الجُمُعة، أمرَ بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرجالَ والنساءَ ليشهدوا دُعاء الخير ودعوةَ المسلمين، فحريٌّ بنا أن نخرج إلى صلاة العيد رِجالًا ونساءً، صغارًا وكبارا، تعبُّدا لله سبحانه، وامتثالًا لأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – وابتغاءً للخير، فلا تحرِموا النساء والولدان الفرحة بصلاة العيد، فكم في ذاك المصلّى من خيرات تنزل، ومن جوائزَ من الربِّ الكريم تَحصُل، ودعواتٍ طيبات تقبل.
ولا أنسى أن أذكِّركم بأنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يتعاهد أموراً في العيد، داوم عليها ونقلها عنه صحابته الكرام، حري بالمسلم أن يتأسى فيها بنبيه، ومن ذلك: أنّ المصلّي يغتسل ويتطيّب ويبادر بالخروج إلى المُصلّى وهو يُكبِّر من بعد صلاة الصبح ليحصل له الدنو من الإمام وانتظار الصلاة، وهو في صلاة ما انتظر الصلاة… ومن السُّنّة أيضًا أن يأتي للمسجد من طريق وأن يعود من طريق آخر، كما كان يفعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والسُّنّةِ في عيد الأضحى أن يؤخِّرُ الأكل حتى يفرَغ من صلاة العيد، ومن استطاع أن يُضحّي فالسُّنّة أن لا يأكل حتى يَطْعَمَ من أضحيته.
وختامًا لا ننسى أنّ الإكثار من التكبير في هذه الأيام سُنّة مأثورةٌ عن النبيِّ والصحابة، التكبير في الشوارع وفي الأسواق وفي النوادي، وهو التكبير المُطلق ويتبعه التكبير المقيَّدُ بعد الصلوات والذي يبدأ من فجر يوم عرفة، وهو بعد الصلوات المكتوبة وليس بعد الأذان كما هي البدعةُ في بلادنا …
وصفة التكبير أن نُكرِّرَ ثلاثًا: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تجعلنا يا مولانا عن ذكرك وطاعتك من الغافلين … اللهم اجعلنا من خير من يغتنمون المواسِم الفاضِلة …
إنّي داعٍ فأمِّنوا