#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
فضل عشر ذي الحجة وعظمة الجهاد فيه
التاريخ: 31/ ذو القعدة/1437ه
الموافق: 2/ أيلول/2016م
🕌 من أحد مساجد حلب المحررة
⏱ المدة: 20 دقيقة
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
-
فإِنَّ لربِّكم فِي أَيَّامِ دهرِكم نَفَحَاتٍ
-
ما جاء في فضل عشر ذي الحجَّة
-
كيف بمن حاز أجر الجهاد في هذه العشر!!
-
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
-
أفضل الأعمال التي تمكِّننا من اغتنام عشرِ ذي الحجَّة
-
التحضر للأضحية من قبل دخول ذي الحجَّة وأحكام متعلقةٌ بها
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه… القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، الحاكم بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلِد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأُمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أما بعد إخوة الإيمان:
فإنَّ من نِعم الله تعالى على المسلمين توالي مواسم الخيرات؛ فمن فاته الخيرُ في موسمٍ عوضه بآخر، ومن أحسن في موسمٍ زاد إليه في الذي يليه إحسانًا في موسم آخر؛ باغتنام الخيرات، وبالإكثار من فعل الطاعات، وباكتساب الحسنات، لنيل الرفعة في الدرجات، وتكفير الخطايا والسيئات، في مواسمٍ أرادها الله أن تكون مواسِمًا للخيرات، وفي الطبراني عن محمد بن مسلمة يرفعه لرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يقول:
(إِنَّ لربِّكم فِي أَيَّامِ دهرِكم نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَهَا، فَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ منها فَلاَ يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا).
ومن تلك المواسم التي منَّ الله بها علينا معاشر المسلمين، أيامُ عشر ذي الحِجَّة، هذا الموسِم الذي يأتي بعد موسِم رمضان، وبعد ست شوال…
ربنا ومولانا، خالقنا وبارئنا ومصوِّرنا وموجِدنا من العدم، خالِق الزمان والمكان يختصُّ برحمته من يشاء متى يشاء، فيختصُّ بمشيئته أزمنةً وأمكنة يُضاعِف فيها الأجر والثواب، يُقسِم الله بعظيم خلقه، ويجعل في مواسم مخصوصةٍ مزيد ثوابٍ منه وفضل ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) (الأنبياء:23) ، ومن هذا قول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر1-3] يقسم الله تعالى بأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحِجَّة، تلك الأيام المباركات التي تصادف بدايتها يوم غدٍ السبت، وقد أتممنا اليوم عِدة ذي القِعدة، أيامٌ مباركات، أفضل أيام الدنيا، أقسم الله بها مُعلِمًا بعظيم فضلها، (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر1-3] والمراد بالفجر هنا فجر يوم النحر خاصَّة، وهو خاتمة الليالي العشر، والمراد بالوَتر يومُ عَرفة، والشفعُ يوم النحر. أمَّا العشر فكما أسلفنا هي عشرُ ذي الحِجَّة، تلك الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره في قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج:28] قال ابن عباس: “الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق”.
وفي فضل هذه الأيام، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر)) [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني]، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ: قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( مَا مِنْ أيَّامٍ، العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هذِهِ الأَيَّام)) يعني أيام العشر. [ وفى لفظٍ آخر: “ما من عملٍ أزكى عند الله -عزَّ وجلَّ- ولا أعظم أجرًا من خيرٍ تعمله في عشر الأضحى”] قالوا : يَا رسولَ اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ ؟ قَالَ: (( وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ)).
فكيف بعظيمِ أجرِ من يجمعُ هذه الخيراتِ والفضائلَ العظامَ معًا إلى بعضِها البعض، فيكسب أجر العمل الصالح في عشر ذي الحجَّة مجاهدا فيها بنفسه وماله…
كيف بنا بعظيم أجر من يجاهدُ في عشر ذي الحِجَّة، يصدُّ العدا، ويدمِّر قلاع الشرك، يحرِّرُ المسلمين، ويفتح القرى والمدن، ولا يرجع مِن ذلك بشيء، يحتسب أجره عند الله سبحانه، يحتسب الأجر عند من لا تضيع عنده الصالحات، يحتسب الأجر عند من قال ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة:111)
أمَّة الإسلام بشرى … إننا نلمح فجرا … في شبابٍ قد أشادوا صحوةً للدين كبرى
… استبشروا إخوة الإسلام بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ … استبشروا أهل الشام فإن مع العسر يسرى إنَّ مع العسر يُسرى، استبشروا فليس بعد الضيق إلا الفرج، استبشروا فحق على الله أن لا يُضِيعَ جهادكم وصبركم (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة:143)، استبشروا فالحرب سجال يومٌ لنا ويومٌ علينا، والعاقبة للمتقين… استبشروا فنحن هنا وإخوة لنا الآن أبطال من أهل الإسلام كادوا يصلون مدخل حماة، استبشروا فمفاجآت تحضَّر، استبشروا وتذكَّروا معي يوم خطبت في مثل هذا اليوم من العام الماضي خطبت بكم متحدِّثا عن العاصفة الترابية التي نصر الله بها المجاهدين يوم تحرير مطار أبي الضهور في مثل هذا اليوم من ذاك العام، ولعلنا في الأسبوع المقبل بعون الله تعالى ومدده نحدِّثكم في الأسبوع المُقبلِ أو الذي يليه عن الرعب الذي ينصر الله به المجاهدين في حماة ففتحوا الكثير من القرى في ساعاتٍ وأيَّامٍ قليلة. استبشروا إخوتي فليس بعد الضيق إلّا الفرج والنصر صبر ساعة وإنّما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن…
أما بعد إخوة الإيمان، ونحن نتحدَّث عن فضل عشر ذي الحجَّة، ونحن نتحدَّث عن الأيام التي كان الصحابة الكرام فيه أشدَّ ما يكونون اجتهادًا، لابدَّ أن نتذاكر أفضل الأعمال التي تمكِّننا من اغتنام هذه الأيامِ العشر، أمَّا أفضلها وأعلاها فهو ذُروةُ سنام الإسلام، ألا وهو الجهاد في سبيل الله، فليس هناك أجرٌ أعلى من أجر المجاهِد لدفع الصائل في عشرِ ذي الحِجَّة، فالجهاد لدفع الصائل مقدَّمٌ عند العلماء على حجِّ الفريضة، بل والنفقة فيه لمؤونة المجاهدين مقدَّمةٌ على أجر نفقة الحاجِّ، ثمَّ حجُّ الفريضة لمن استطاع إليه سبيلا، ثمَّ صيام الأيام التسع من عشرِ ذي الحِجَّة وقد روى أبو داود وأحمدُ عن بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَصُومُ تِسْعَ ذي الْحِجَّةِ …) لأنَّ العاشر هو يوم النحر يوم عيد الأضحى فذاك لا يجوز صومه باتفاق، ومن أفضل الأعمال في هذه العشر – وفي غير العشر – المحافظة على الصلاة في جماعة، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري يقول الله تعالى: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) وهذا يكون بالصلاة والصيام والصدقة والذكر وعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رَضيَ اللهُ عنهما – أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) [رواه أحمد] فأكثروا فيهنَّ من التهليل (لا إله إلا الله)، والتكبير (الله أكبر)، والتحميد (ولله الحمد) … وقد أخرج البخاري: (( أنَّ ابْن عُمَرَ وَأَبا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنهم جميعا – كانا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا)).
وهذا التكبير أيَّها الأحبَّة تكبيرٌ مطلقٌ – فهو غير المقيَّدِ بالصلوات – فإن هذا التكبير يكون من دخول العشر، فيكثر الإنسان من التكبير من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة، فيُسنُّ التكبير، فيكبِّر الناس من غير أن يكون ذلك مقيَّدًا بعد الصلوات في المساجد، ثم يشترك مع هذا التكبير المطلق تكبيرٌ مقيد خلف الصلوات يبدأ من طلوع فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر يوم من أيام عيد الأضحى.
وختامًا أيها السادة بقيَ أن نذكِّر بأنَّ الأضحية من أفضل الأعمال في هذا الشهر الفضيل وهي سُنَّة مؤكدةٌ وعند بعض العلماء واجبة يأثم من تركها إن كان مُستطيعًا لها وهنا إخوة الإيمان يجب أن ننبِّه لسُنَّةٍ خاصَّةٍ لا بدَّ من التحضُّرِ لها قبل دخول شهر ذي الحِجَّة لمن أراد أن يُضحي، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قوله: (( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الحِجَّةِ، فَلاَ يَأخُذَنَّ من شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أظْفَارِهِ شَيْئاً حَتَّى يُضَحِّيَ)) . أي لا يقصُّ ولا يحلق مِن شعر رأسه ولا يأخذ من شعر بدنه ولا يُقلِّم أظافره متى دخل شهر ذي الحجَّة فيمسك عنهم حتى يذبح أضحيته صبيحة العيد، وقد سنَّ لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – هذه السنَّة ليتشبَّه المُضحي بالمُحرِم بالحج بعد أن شاركه في نُسُكِ الذبح، فمن أراد حلق شعره أو تقليم أظافره فلينتهي من ذلك قبل غروب شمس اليوم ثمَّ ليمسك حتى يذبحَ أضحيته، وهذا الحكم أيُّها الإخوة خاص بالمُضحِّي فقط؛ أي بربّ الأسرة الذي سيضحي عنه وعن أهل بيته، فالشاة الواحدة تُجزئ عن الرجل وأهل بيته الذين يعيشون معه ويُنفق عليهم، وهذا الحكم خاصٌّ به وحده، أما المُضحى عنهم من أولاده وعياله ومن تُجزئ أضحيته عنهم فلا يلزمهم أن يمسكوا عن شعرهم وأظافرهم.
أسأل الله تعالى أن يعيننا على الإكثار من الطاعات في هذه الأيام وسائر العام، فنكثرُ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة والصيام والصدقة وقراءة القرآن وتدبُّرِه، مُكثرين من الدعاء لإخواننا المجاهدين، عسى اللهُ أن يجعل هذه العشر عشر نصرٍ وفرجٍ وفتح وعزٍّ وتمكينٍ وبشرى للمسلمين، إن الله على كل شيء قدير وبالإجابة جدير نعم المَولى ونعم النصير …
إنِّي داعٍ فأمِّنوا