الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 28/ ربيع الأول/1437هـ
الموافق: 8/ كانون الثاني/2016م
الجامع: أحد مساجد حلب المحررة
مدة الخطبة: 27 دقيقة
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
2- الامتحان ليس لمن وقع عليهم البلاء وحدهم
3- حق المسلم على المسلم
4- شيعة لبنان ونكران الجميل وجحد المعروف
الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
5- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ألم يهتزَّ ضميرك بعد؟!
6- فلتنصر إخوانك ولو بالدعاء
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.
القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين،أما بعد عباد الله يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35)
أيها الإخوة الكرام: يبتلي الله عباده، يختبر الله عباده، ليقيم عليهم الحُجَّة، يبتليهم بالخير، بالنِّعَم بالعَطاء بالغِنى بالصِّحَّة بالسعادة بالسَّتر والأمن والأمان، وغير ذلك مما يُنعم به المنعِمُ سبحانه على عبادِه ليقيم عليهم الحُجَّة، وليكون الجزاء كما قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7)
لئن شكرتم نعمي بطاعتي ومرضاتي، لأَزيدنَّكم في الدنيا، ولأُثيبَنَّكم خيرا في الآخرة، ولئن أسرفتم وبذَّرتم وكفرتم وجحدتم نِعمَ اللهِ بجعلها في معصيته إنَّ عذابي لشديد…
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
البلاء والاختبار أيُّها الإخوة لا يكون بالنِّعمِ فقط بل يكون بالشرِّ أيضًا، يكون بالفقر، يكون بالمرض، يكون بالبؤس، يكون البلاء لننظر أتصبرون وتتوكَّلون أم تقنطون وتكفرون، إذ ليس بالضرورة أن يكون البلاء عِقابًا، بل قد يكون اختبارًا وتمحيصًا للمؤمنين المُخلصين، امتحانٌ لتكفير السيِّئات ولرفع الدرجات، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:
“ما يزالُ البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة” والحديث رواه الترمذيُّ وصححه.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157)
البلاء أيُّها السادة أصاب الأنبياء والمرسلين وأصحابهم وأولياءهم، فصبروا فلنعم عاقبة الصابرين، وجاهدوا وما كانوا من القاعدين (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة :214).
البلاء أيُّها السادة، لا يكون اختبارا وامتحانا للمبتلى وحده، بل هو اختبارٌ لمن حوله ولمن جاوره مِن المسلمين.
عندما يُبتلى جارُك فذلك امتحانٌ لك أتعينه بما أنعم الله عليك، أيعود من معه فضل ظهرٍ على من لا ظهر له؟! أيعود من معه فضل زادٍ على من لا زاد له؟!
البلاء والاختبار ليس للمُبتلى وحده بل لمن جاوره من المسلمين، لتظهر حقيقة إيمانهم، ولتظهر حقيقة إسلامهم، ليظهر مدى انتمائهم لهذه الأمة، كيف لا؟!
ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى )) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].
هذا حال المؤمنين حقًّا، هذا حال أصحاب الجسد الواحد، هذا حال من أطاع الله ورسوله، والله تعالى يقول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71).
ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – _ فيما رواه البخاريُّ ومسلم _ يقول لك أيُّها المُسلِم: (( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم، لا يَظْلِمهُ، وَلاَ يُسْلمُهُ. [[أي لا يُسلِّمه لعدوِّه ولا يتركه في مواجهته وحده]] ومَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه ، كَانَ اللهُ في حَاجَته ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ )).
أيُّها الإخوة: أيّها المسلمون: المسلمُ يُقاسِمُ أخاه الهُمومَ والمكارِه، يُشارِكه محنَته وبليَّته، يعيشُ معه مُصابَه ورزِيَّته، لا يخونُه ولا يُسلِمه، ولا يتركُه ولا يَخذُله؛
ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول (( المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمُ، لاَ يَخُونُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ … )) [بعضٌ من حديث رواه الترمذي، وَقالَ : (( حديث حسن ))]
لا يخذلُ المُسلِمُ مُسلمًا، بل يحُوطه ويَنصُره ويعضِدُه، فأين أمَّة الإسلام ممّا نرى؟! أين نحن من البلاء الشديد الذي حلَّ بإخواننا المحاصرين في مضايا والقلمون وغيرها؟! أين نحن من هذه الفاضحة التي فضحت الإنسانيَّة الكاذبة لدعاة الإنسانيَّة والديموقراطيَّة؟! أين أهل السنَّة من هذه الفاضحة التي فضحت حقد الروافض المجوس؟! حقد أحفاد كسرى، حقد من يُريد أن يُعيد فارس (ولا فارِس إلى يوم القيامة)، أولئك الروافض الحاقدون الذين استضافهم أهل تلك القرى – أهل مضايا وما حولها – وأهل سوريا جميعًا سنة ألفين وستة، يوم استضاف أهل سوريا شيعة لبنان فأكرموهم وآوهم، وأحسنوا إليهم، فإذا بهم اليوم يقابلون الإحسان جحودا والمعروف نُكرانا، بل بلغ بهم حقدهم مبلغ ما فعلوه مما نرى ويراه العالم المتواطئ أجمع، من حصار الناس وتجويعهم وابتزازهم، جوَّعوا الأطفال والنساء، جوَّعوا الشيوخ والكهول…
(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن:60)، هذا عند المؤمنين، عند أصحاب مكارم الأخلاق، أمَّا عند أولئك فالحال عندهم مختلف، إذ قتلوا المسلمين وجوَّعوهم، بتواطئ دوليٍّ خبيث، والله تعالى يقول (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) (المائدة:82) ولا عجب عندنا فما سلوك أولئك الروافِض إلّا سلوك أحفاد كسرى المجوس المشركين.
ولعلَّ ما يحصُل يفتح آذانًا صُمًّا، ويفتحُ أعيُنًا عُميا، ولتستبين سبيل المُجرمين، ولتقام الحُجَّة على العالمين؛ فما يجري لإخواننا ليس امتحانًا لهم وحدهم، بل هو امتحانٌ لأمَّة الإسلام قاطبةً دولًا وشعوبًا، امتحانٌ لكلِّ من سمِع بعشرات الآلاف يموتون جوعًا فلم يهبَّ لنصرتهم، امتحانٌ لكلِّ من رأى تقاعس الدول الصليبيَّة
وما زال مغشوشًا بدعاوى انسانيتهم وديموقراطيتهم، امتحانٌ لكلِّ الفصائل المجاهدة على أرض الشام فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ” والحديث رواه أبو داود والطبراني في الأوسط، وحسَّن إسناده الهيثمي.
فأين فصائلنا المجاهدة من هذا الحديث، أين فصائلنا المجاهدة من نصرة المستضعفين، أين فصائلنا المجاهدة من نُصرةِ المُحاصرين، أين من استكانت قادتهم لأمر دول الشرق والغرب الذين لا يألونهم خبالا، أين من يطيعهم فيُجزِّئُ معركة سوريا من حيث لا يدري، [يأتيهم الأمر حرِّك المعركة الآن وأوقف المعركة الآن، فتتحرَّك جبهةٌ وتهدأُ أخرى، لأنَّ عدوَّنا لا قِبَلَ له بمعركة على امتداد جبهات سوريا، فيجزِّئون المعركة ويُطيلون أمد الصِّراع ويعين أحدهم عدوَّه من حيث لا يدري!!!
أين تلك الفصائل من قصف تجمُّعات الشبيحة في القرى الموالية في مناطق النصيريَّة؟! كيف سننتصر والمتصدِّرون في كلِّ الفصائل غدو تبعًا للظاهر والخفيِّ من سياسات الدول، سقف ما يقومون به أن يقصفوا مدن أهل السنَّة، وكلُّهم لا يجترؤون على قصف مناطق العدو الحقيقي، كلُّهم – ولا أستثني منهم أحدًا بأعلامهم البيضاء والسوداء والملوَّنة – غدوا تبعًا فاقدي الإرادة، لا يجرؤون على قصف قرى النصيريَّة وسقف ما يجرؤون عليه ضربات بسيطةٍ يمثلون بها ويضحكون على عوام المسلمين، وهم لا يدرون أن القادم هم، وأنَّ الدور عليهم (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).
فأين نحن مِن قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “المؤمنُ أخو المؤمِن، يكفُّ عليه ضَيعتَه، ويحُوطُه من ورائه” [ أخرجه أبو داود]؟!
أين نحن مِن قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “لَا يلْدغ الْمُؤمن من جحرٍ واحدٍ مرَّتَيْنِ “. [رواه البخاري ومسلم]؟! فأين العقلاء المتصدِّرون من هذا الدرس؟ من درس الحصار والتجويع الذي نترك إخواننا فيه حتى تسقط المنطقة تلو المنطقة، تركنا أحياء حمص المحاصرة حتى سقطت وهُجِّر أهلها، والوعرُ من أيامٍ تبعت أختها، واليوم مضايا والقلمون، وحلب بين فكَّي كمَّاشة يكاد يُطبق العدو عليها حصارَهُ ولمَّا يستيقِظِ النائمون، ولا زال الخور يدبُّ فينا ولا زال البعض يطمئن لوعود الأفاعي التي يغتر المغترُّون بجلدها الناعم، لازلنا نقع في فخ عدم ضبط الثروة الزراعية والحيوانية في مناطقنا المحرَّرة، وها نحن نرى بأعيننا شاحنات المواشي تحمَّلُ في مناطقنا وتهرَّب إلى دول الجوار، وزمن موسمِ الحبوب كم قام ضعاف النفوس بتهريبها إلى مناطق النظام المجرم، ذاك الذي يسعى بمعونةِ عملائه وبتوجيه من خلفه إلى تفريغ المناطق المحرَّرة من ثروتها الزراعيَّة والحيوانيَّة، يفرِّغونها ثمَّ يُضربون الحصارُ عليها…
معظم المناطِق التي حوصِرت بدؤوا فيها بهذا السيناريو، وتعاون معهم ضعاف النفوس من حيث لا يشعرون بحجَّة خشيتهم من صعوبة تأمين علف مواشيهم، فباعوها، باعوا الأبقار والأغنام، وبيعت كذلك الحبوب، حتى إذا فرغت المنطقة من قوتها حاصروها فجاع النَّاس والجوع كافر ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – – في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود – كان يستعيذ بربِّه قائلًا: ” اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ، فَإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ”. فإذا ما اجتمع على الناس جوع الجائعين وخيانة المجاورين المتقاعسين وطال عليهم الأمد أتوا عدوهم مستسلمين وكانوا لشروطه خانعين وحسبنا الله ونعم الوكيل…
حسبنا الله ونعم الوكيل في مَن يُلدغ من الجُحر الواحد مرَّتين، حسبنا الله في تجَّارٍ آثروا شُحَّ أنفسَهم وتكديسَ أموالِهم ولم يجدوا جِهةً ضابطةً تردعهم، حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن لا يتوب عن معاصيه ولا يرتجع إلى الله عسى اللهُ أن يكشف عنا ما حلَّ بنا، حسبنا الله ونعم الوكيل في كلِّ من لم يفهم أن الحلَّ لكسر الحصار عن إخواننا هو أن تُفتح نيران القذائف والصواريخ على معاقل المجرمين وقراهم في كل أنحاء سوريا ولا تهدأ تلك المدافع والراجِمات حتى تهدأ بطون إخواننا شبعا وأمنا
هذا السبيل وما سواه وساوسٌ *** ترضي الجبان وتصنعُ الأعذارا
اللهم أهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، ارحم ضعفنا واقبل عذرنا، فرج عنا وعن إخواننا، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، أمَّا بعد عباد الله يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71).
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، جسدٌ واحدٌ وقلبٌ واحدٌ ويدٌ واحدةٌ على من سواهم، ليس في أهل الإيمان من ينتمي لأمَّة الإسلام ويقف على الحياد في معركتها المصيرية مع أمم الكفر المتكالبة، ليس في أهل الإيمان من يَرى مُصاب إخوانه فلا يتألَّم ولا يتحسَّر ولا يسعى لمساعدتهم ولو بجُهدِ المُقِل، أيُعقلُ أيُّها السادة أن لا تدمع عين المسلم وأن لا يعتصر قلبه وهو يرى ما يحلُّ بإخوانه وأخواته؟!! أيُعقل أن يرضى على نفسه بمعيشة الإسراف والتبذير فيما أنعم الله عليه وإخوانه يموتون جوعًا في كلِّ يوم، أيُعقل أن لا يهتزَّ فؤادك وضميرك وأنت ترى من حالِ إخوانِك ما ترى؟!!
فإلى متى يبقى فؤادك قاسياً *** وإلى متى تبقى بغير شعور
هلا قرأت ملامح الأم التي *** ذبلت محاسن وجهها المذعور
هلا استمعت إلى بكاء صغيرها *** وإلى أنين فؤادها المفطور
هلا نظرت إلى دموع عفافها *** وإلى جناح إبائها المكسور
أين أنت في أهل الإيمان إن لم تهتزَّ مشاعرك وإن لم يتحرَّك ضميرك وإن لم تسع في نصرة إخوانك؟!
والله أيُّها الإخوة ليس مِن أهل الإيمان من يرى مصاب إخوانه فلا يشعر أنُّه مصابه، ولا يلهج بالدعاء لربِّه ليلا ونهارا، رغبةً ورهبةً، متأسِّيًا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم هاجر إلى المدينة وبقي يلهج بالدعاء للمؤمنين المستضعفين في مكّة … يدعو لهم باسمائهم ويتضرَّع إلى الله أن يُنجِيَهم فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ”
هذا أيُّها السادة حال النبيِّ ودعاؤه وهو في المدينة آمنٌ مطمئن، لم يترك الدعاء لإخوانه في مكَّة، فكيف بنا والحالُ مِن مثله والحال واحد، ألا يكون أقلُّ ما يجب من المؤمن أن يدعو ربَّه لكشف الضر عن إخوانه، مستعيذًا بالله من أن يحلَّ بنا ما حلَّ بهم “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ” (الأنعام:42).
فليتضرَّع المتضرِّعون وليلتجِئ إلى الله الملتجئون … وكلنا ثقةٌ بأنَّ الله سيكشف عنا وعن إخواننا ما نزل بنا..
(لِمثلِ هذا يذوب القلب مِن كمدٍ *** إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ)
إني داعٍ فأمِّنوا
دعاء لأهل مضايا والقلمون والوعر….