لتحميل بيان حول ما يحصل من استهانة بعض الفصائل بدماء المسلمين بصيغة PDF
بيان رقم: 31
التاريخ: 27/ رمضان/1435 هـ
الموافق: 25/ تموز/2014 م
مصدر البيان: رئاسة مجلس الشورى في تجمّع دُعاة الشام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده: أمّا بعد:
لقد كان من المصائب التي ظهرت مؤخّرًا في بعض المناطق المحرّرة إقدام عدد من الجهلة على قتل مدنيين بدعوى رِدتِهم بحجّة ذهابهم لمناطق سيطرة النظام النصيري ومشاركتهم في الانتخابات التي أجراها.
وقد كان آخر ما وصلنا، قضية المقتول (م-ع) : الذي اعتقلته أحد الفصائل المسلحة (أ-ع) في مدينة حلب وهو خارج من صلاة الفجر من أحد مساجدها، ولم يقم ذلك الفصيل بتسليمه للهيئة الشرعية بل قاموا بالتحقيق معه وإعدامه ولم يسلموا جثته لذويه، وعندما تمّ سؤالهم عن التفاصيل أو عن الشرعي الذي قام بإصدار الحكم عليه، لم يرضوا أن يفصحوا عنه بحجة السريّة واكتفوا بوصفه بأنّه على قدر مناسب من العلم الشرعي برأيهم إذ أنّه حاصل على شهادة الماجستير في العلوم الشرعية ودرس في سجن صيدنايا أيضًا (على حد تعبيرهم).
وعند سؤالهم الدقيق عن السبب المباشر لقتل الرجل أجابوا: بأنّهم قتلوه بعد أن اعترف بذهابه لمناطق سيطرة النظام ومشاركته بالانتخابات خوفًا على راتبه على الرغم من علمه بفتوى الهيئة الشرعية التي تصف بالردة كل من شارك في الانتخابات بفهمهم (على حدّ قولهم).
ونحن إذ لا نُنكِرُ الضغوط النفسية الكبيرة التي يعاني منها الثوار وأهالي المناطق المحرّرة، ومدى الحقد الذي تجذّر في النفوس على كل مؤيدي النظام السوري نتيجة لفظاعة إجرامه ولما يفعله بالأبرياء الآمنين، ولكنّنا وبعد متابعتنا للموضوع من أكثر من جهة واستجابة لأمر الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)
واستجابة لأمره تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) (الاسراء:33)
واستجابة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
فإنّنا نبيّن موقفنا من هذا الفعل في البنود العشرة التالية:
1- لا بدّ أن يعلم الجميع أنّه لم يشارك في الانتخابات المزعومة إلا قلّة قليلة من الشعب السوري بالنسبة للعدد الإجمالي ممن يحق لهم التصويت.
والنسبة العظمى من المشاركين إنّما شاركوا مُكرَهين، خوفًا من إجرام النظام وبطشه في مناطق سيطرته، أو خوفًا على مرتباتهم (بالنسبة للموظفين) وهذا وإن دلّ على قلَّة في الإيمان واليقين بأنّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين، لكنّه لا يعني بحال من الأحوال أنّ من فعل ذلك قد ارتدّ عن دين الإسلام.
ولا يوجد أحد من أهل العلم المعتبرين ولا من الهيئات الشرعية المعتبرة علميًا أفتى بردّة المشارك بالانتخابات لمجرّد المشاركة وهذا لا يقول به أحد من أهل العلم، وهو قولٌ يعتريه كثيرٌ من التعجّلِ, لا سيما في مجتمعٍ ظلَّ مبعداً عن أحكام شرع الله لعشرات السنين.
2- إن من شرّ ما ابتلينا به في ثورتنا قيام بعض الهيئات والجهات بنشر وتعميم فتاوى الردّة والتكفير على وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب الجهلة وغير المختصين، فعلى أولئك أن يتقوا الله تعالى فيما يفعلون, وخصوصاً في المسائل التي هي محلّ خلافٍ بين العلماء, حتى لا يُعطوا الذريعة للجاهلين في تعدّيهم على دماء المسلمين التي يتحمل أولئك وزرا كبيرًا منها.
3- إن إنزال حكم الرّدة على شخصٍ بعينه هو من اختصاص العلماء المعتبرين وليس لكل فردٍ ذلك، ولا يُحكم بهذا إلّا بعد إقامة الحُجة على المُتهم وتحقّق شروط الكفر وزوال الموانع والشُّبه، ومن ثبتت ردّته بيقين فإنّه يستتابُ فإن تاب لم يُقتل, وإن لم يتبْ فإنه يقتل جهراً وعلى مرأى جميع الناس ليكون ذلك رادعاً لهم, ولا ينفذ الحكم إلّا بأمر ولي المسلمين أو من ينوب مكانه كالهيئات الشرعية المتوافق عليها، ويكون ذلك بعلم ذوي المحكوم عليه لكي يعرفوا كيف يتصرفوا فيما يخص جثته وترِكَتِه وزوجته وأولاده, ولا يُقتلُ المحكوم سرّاً لأنَّ في ذلك إخفاءً لحكم الله عن الناس.
4- لا ينبغي التعجّلُ في إصدار الأحكام على الناس لاسيما فيما تستباح به دماء المسلمين, كما لا ينبغي أيضاً التعجلُ في تنفيذ تلك الأحكام, وذلك دفعاً للوقوع في الخطأ فالخطأ في العفو خير من الخطأ في القتل وتحمُّلِ الدم الحرام, ومن يحتج بعدم إمكانية اعتقال المُتَّهم لمدّة طويلة فهو يقرّ على نفسه بأنّه ليس أهلًا لمحاكمة النّاس.
5- إن قيام بعض الفصائل باعتقال مدنيين – في تهم لا تعلُّق للعمل العسكري بها – والتحقيق معهم بل وتنفيذ الأحكام عليهم – سواءً كان ذلك بعلمٍ أو بجهل لا يعدو فعلًا من أفعال العصابات وقطّاعِ الطرق وليس من الجهاد في شيء.
6- إن القضاء الذي لا يتمتع بالاستقلالية، ولا يُعتَقل فيه المتهم بمدة اعتقال محددة الزمن والسبب، ولا تُعرف فيه أسماء القُضاة ولا المُفتين، ولا يمكن فيه محاسبتهم إن جاروا أو قصّروا أو أفتوا بغير علم، ولا يملك فيه المتَّهم حق الدفاع عن نفسه ولا حقّ إحضار من يدافع عنه، ليس من الشرع في شيء والشريعة منه براء وهو امتداد لزمن الظلم والفساد والإجرام وهو عين ما يقوم به النظام المجرم.
7- إن وِزرًا كبيرًا ممَّا يحصل في هذه البلاد يتحمله أصحاب الاختصاص من العلماء الذين تركوا الساحة خالية للجهلة، ونخص بالذكر تلك الهيئات والمؤسسات الشرعية التي لا تلامس احتياجات الناس ولا تقارب واقع حمَلَةِ السلاح ولا تعدو في فتاويها الحديث العام والوعظ بعيدًا عن الصيغ العملية التطبيقية.
8- في مجتمعٍ بعيدٍ عن العلم الصحيح كالمجتمع السوري فإنَّ الأولويّة تكون لدعوة الناس لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة, فالله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة للعالمين ليدخلَ الناسَ في دين الله أفواجاً، لا ليُخرجهم من الدين، ولا ليحكم عليهم بالكفر عند أولِّ شُبهةٍ, فقد كان صلى الله عليه وسلم يتلمّس جوانب الإيمان في الشخص ليشهد له بالإيمان كما في حديث الجارية, ولم يكن صلى الله عليه وسلم يبحث ويُفتّش عن أدنى ذريعةٍ يستطيع فيها الحكم على الناس بالكفر ليستبيح دماءهم وأموالهم.
9- إن كثرة الظلم والفساد وتوسيد الأمر لغير أهله والسكوت عن المخطئين لم يكن له في يوم من الأيام دور إيجابي في نصرة قضية السوريين بل قد انعكس سلبًا على الثورة وعلى قاعدتها الشعبية ككل وهو السبب فيما وصل إليه حال الثورة اليوم.
10- لا بد من أن يعي الجميع بأنّ دفع الظلم هو السبب الأول لتشريع الجهاد لقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)
وشعب سوريا الأبيّ إنما خرج ثائرًا على الظلم والظالمين ولا فرق في ذلك بين النظام النصيري أو غيره، ونحن الآن في زمن أحوج ما نكون فيه لتصحيح مسار الثورة وكشف الظالمين والمجرمين وعدم السكوت عليهم.
وختاماً نسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين التي صارت هدراً بين مطرقة الظالم وسندان الجاهلين وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
شام رسول الله في 27 / رمضان / 1435هـ
الموافق: 25 / تموز / 2014م