الأحكام الشرعية المتعلقة بحالة فض النزاع بين الفصائل المجاهدة
كلنا يسمع ما يحصل من خلافات ومشاحنات بين بعض فصائل المجاهدين على أرض سورية الحبيبة، تلك الخلافات والمشاحنات التي تضعف جبهتهم وتوهن عزيمتهم ولا يستفيد منها إلا نظام بشار المجرم وزبانيته ويبقى فيها الشعب السوري صاحب المعاناة الأكبر.
لذا فإننا انطلاقاً من شرعنا الإسلامي الحنيف نذكِّر جميع الأخوة المسلمين بما أمرنا الله به من أسلوبٍ للعمل وطريقةٍ للتصرف في مثل تلك المواقف.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات 6)
فأوّل ما يجب القيام به هو تحري الأخبار الصادقة والتفتيش عن الحق فكم من مُتَّهمٍ كان بريئاً وكم من مدَّعٍ كان ظالماً، وكم قيل من الشائعات في حق أناسٍ هم منها بَرَاء، وهذا التحري هو أهمُّ مداخل الصلح بين المتنازعين.
فإنْ تطوّر الأمر للقتال بين المؤمنين – لاقدّر الله – فقد وجّه الله سبحانه إلى مايجب على أهل القوة والشوكة والمنعة أن يفعلوه فقال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات 9)
فأوّل ما أمرنا الله به هو السعي في الإصلاح بين المتقاتلين من المؤمنين وذلك بفرض هدنةٍ وتحاكمٍ يحتكمون فيه لشرع الله.
فإن أبى أحد الفريقين قبول التحاكم لشرع الله يكون باغياً رافضاً لشرع الله مستهتراً بأرواح المسلمين وهنا كان لابدّ من إيقافه عند حدِّه لكيلا يزداد شرُّه ويتفاقم طغيانه لذا أتى أمر الله لعباده المؤمنين: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) (الحجرات 9) وهذا أمرٌ من الله سبحانه يوجب استخدام القوة لردع البغاة.
حيث يكون استخدامها بالتهديد أولاً ثمّ بالفعل، فإن قبلت الفئة الباغية بعد استخدام القوة أو التهديد بها العودة للاحتكام إلى الشرع دون مواربة أو مماطلة عندها يكون الصلح بالعدل إنفاذاً لأمره تعالى: (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات 9)
وبعد تلك الآيات الكريمة يذكرنا المولى سبحانه بأصل لايتغير مهما حصل من خلافات ونزاعات بين المؤمنين وهو قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات10) فالأصل في المؤمنين أنهم إخوة مهما جرى بينهم من خلاف وما الآيات السابقة إلا توجيه منه سبحانه إلى فرض الصلح طوعاً أو كرها حفاظاً على حقوق تلك الأخوة الإيمانية ولهذا يذكر التاريخ أنَّ أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه عندما قاتل الخوارج قال في وصفهم (إخواننا بغوا علينا) ولم يصفهم بوصفٍ سيئ ولم يكفِّرهم ولم يشتمهم.
ثم أكملت الآيات الكريمة بتوجيه مهم للمؤمنين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات 11)
وهذا التوجيه لابدّ أن يكون حاضراً في ذهن كلِّ مجاهدٍ في سبيل الله فالعموم أن مجاهدي سورية خرجوا لله وكلٌ يبذل ما بوسعه واستطاعته ومن وفقه الله تعالى لمزيدٍ من البذل والعمل فليذكر نعمة الله عليه أن أكرمه الله بهذا وليكن ذلك مدعاة له للتواضع لا للكبر والتعالي وغمطِ الآخرين والتقليل من شأنهم أو ازدرائهم.
نسأل الله أن يجمع الكلمة وأن يوحد الصف وأن ينصر دينه وأن يعزَّ شريعته إنّه على كلِّ شيءٍ قدير وبالإجابة جدير نعم المولى ونعم النصير.
تجمّع دعاة الشام
شام رسول الله صلى الله عليه وسلم
11/ذي الحجة/1434هـ
16/تشرين الأول/2013م