أستحلف بالله كل قارئ تصله هذه المقالة أن يبذل في نشرها غاية الوسع، عسى أن يقرأها مسلمٌ من المسلمين فيدفع ألفاً أو يقرأها غيره فيجود بألف ألف، ومن نشرها فهو شريك في الأجر إن شاء الله.
1- يا أمّة الإسلام، يا أهلنا في دول الجوار وفي سائر بلدان العرب والمسلمين: لقد عرفنا أنكم أهل الجود والكرم فناديناكم نداء الأجواد الكرماء، وعرفنا أنكم أهل المروءة والمَكرمات فدعوناكم بداعي المروءة والمكرمات، ولكنكم كنتم أهل الدين قبل أن تكونوا أهل الكرم والمروءة، فإنّا ندعوكم اليومَ بداعي الدين، فلبّوا داعيَ الدين ولا تقصّروا مع الله.
لقد علمتم أن الله افترض عليكم فرائض فأدّيتموها، فصليتم وصمتم وجمعتم زكاة أموالكم ثم فرقتموها في المحتاجين من أهل بلادكم والمنكوبين من أبناء أمة الإسلام، ولكن بقيَت فريضةٌ لم تشاركوا فيها لأنها لم تُفترَض عليكم فرضَ عين، وهي فريضة الجهاد. فماذا لو صار الجهاد فرض عين عليكم؟ هل تتركون فرضاً من فروض الشريعة الواجبة؟ ولو فعلتم فكيف تلقون الله؟
ألا تعلمون ما حكم الجهاد؟
2- الأصل أن الجهاد فرض على الكفاية، أي أنه متعيّن على مجموع الأمة، فإذا قام به البعض وحصلت به الكفاية سقط عن الباقين. لكنه لا يبقى فرض كفاية أبداً، بل إنه يتعيّن (أي يصبح فرض عين) في ثلاث حالات، أهمها الحالة التي يتغلب العدو فيها على بلد من بلاد المسلمين. إذا حصل هذا صار الجهاد فرضاً على أهل ذلك البلد جميعاً، ولم يَجُزْ لأحد التخلف عنه.
لكن هل يستطيع أهل البلد ردّ العدو عن بلدهم دائماً؟ إنهم يعجزون أحياناً، إما لقوة عدوهم أو لضعفهم وقلّة أسلحتهم وأموالهم، فإذا عجزوا وتغلّب العدو على أرضهم فماذا يصنع بقية المسلمين؟ هل يقفون متفرجين؟ أين هذا الموقف من وصف النبي عليه الصلاة والسلام للمسلمين بالجسد الواحد؟ الجسد لا يتخلى عضوٌ فيه عن عضو، وكذلك المسلمون. لذلك كان الحكم الشرعي أنه إذا عجز أهل البلد عن رد العدو انتقلت الفريضة إلى من يليهم، أو كما جاء في كتب الفقه: “إن ضعفوا أو عجزوا فعلى من يجاورهم من المسلمين، الأقرب فالأقرب، أن يجاهدوا معهم وأن يمدّوهم بالسلاح والمال” (الزحيلي 6/417).
3- هذا هو حكم الجهاد الذي يقرره الإسلام، فماذا عن سوريا وجيران سوريا اليوم؟ إن إخوانكم في سوريا يقاتلون عدواً متغلباً قد استباح أرضَهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ما زالوا يقاتلونه وحدهم منذ عشرين شهراً، ما اشتكوا من قلّة ولا طلبوا متطوعين، ولكنهم عجزوا عن توفير المال اللازم للقتال. نشكركم يا أيها المسلمون فلا نريد رجالاً، عندنا رجال، ولكننا نريد المال. والجهاد بالمال كالجهاد بالنفس في كتاب الله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم}، والحكم في فرضيتهما واحد.
ألا يصبح الجهادُ فرضَ عين على أهل البلد إذا احتل العدو البلد؟ بلى. ألا ينتقل الفرض إلى من يليهم إذا عجزوا وحدَهم عن رد العدو؟ بلى. أليس الجهاد نوعين: جهاداً بالنفس وجهاداً بالمال؟ بلى. هل عجز أهل سوريا عن توفير ما يحتاجه الجهاد من رجال؟ لا. هل عجزوا عن توفير ما يحتاجه الجهاد من مال؟ نعم. ألا تنتقل “فريضة الجهاد بالمال” إلى من يليهم؟ بلى. هل صار الجهاد بالمال فريضةً على جيران سوريا، الأقرب فالأقرب؟ نعم، وهذا هو جوهر المسألة.
4- لم يقصّر أهلنا الأحبة، أهل الكرم والنخوة والوفاء من سنّة لبنان، لم يقصروا وقدموا كل ما استطاعوا تقديمه، ولكنهم قليل وما يملكونه قليل. المسلمون السنّة في العراق يعانون من احتلال كالذي نعاني منه أو شر منه، ومع ذلك قدّم أهل الجوار في الأنبار كل ما يستطيعون، بارك الله فيهم من إخوة بررة كرام. لا يسعنا أن نثقل على أهلنا في العراق ولبنان بأكثر مما فعلنا إلى اليوم، فلا مناصَ من انتقال “الفريضة” إلى جيراننا الآخرين ومن يليهم؛ ليس فريضة الجهاد بالنفس فإن النفوس عندنا كثير، وإنما فريضة الجهاد بالمال الذي لن يستطيع إخوانكم في سوريا الصمود والاستمرار إلاّ به.
إنها “فريضة” الجهاد بالمال يا أهلنا في الأردن وتركيا ومصر والسعودية والكويت، وفي سائر بلدان العرب والمسلمين. فريضة يا أيها الكرام وليست تطوعاً ولا نفلاً ولا منّةَ فيها لأحد على أحد، هذا ما يقوله أهل العلم لا ما يقوله كاتب هذه الكلمات الذي لا يزيد على أن يكون ناقلاً لما يقولون.
5- يا أيها المسلمون: ليس الجهاد قتالاً بالسلاح فقط؛ إنه يشمل القتال كما يشمل كل ما يلزم للقتال وما لا يكون قتالٌ إلا به: الذخيرة والوقود والمأوى والغذاء والكساء والدواء. كل من ساهم بتوفير شيء من ذلك فهو شريك في الجهاد. لو قلّ السلاح في يد المجاهدين ونفدت الذخيرة فسوف يعجزون عن الاستمرار في الجهاد، وسوف يكون عجزهم أكبر لو فقدوا الحاضنة الشعبية لا قدّر الله، فلولا الدعم الشعبي والحاضنة الشعبية لما استطاع الجيش الحر البقاء شهراً من الزمان.
لقد أدرك النظام السر فحارب المدنيين وحاصرهم وفتك بهم وحطم حياتهم ليكشف عن المجاهدين الغطاء. إنهم ما يزالون صامدين صابرين: يحاصَرون فيصبرون، ويُقصفون فيصبرون، ويُقتلون فيصبرون. يُستشَهد الأبناء فيدفن الآباء أبناءهم ويصبرون، ويُستشهد الآباء فيدفن الأبناء آباءهم ويصبرون، ويموت الزوج بين يدي زوجته والزوجة بين يدي زوجها والولد بين يدي أبيه والأخ بين يدي أخيه فيصبرون ويحتسبون. فقدوا البيوت وفقدوا الأموال وفقدوا الرجال، وما يزالون صابرين. ولكن إلى متى يصبرون؟
6- يا أيها المسلمون: لقد مرّ بإخوانكم في الشام العامَ الماضي شتاء قاس قارس أوشك أن يفتك بهم؛ عاشوا في بيوت لا وقودَ فيها للتدفئة فلا نار، وقلّ في أيديهم اللباس فلا دثار. ودّعوا الشتاء الماضي في بيوت خاوية، وها هم أولاء يستقبلون هذا الشتاء بلا بيوت! لقد هدم المجرمون نصف مليون بيت فشرّدوا خمسة ملايين من الرجال والنساء والأطفال. خمسة ملايين من إخوانكم يهلّ عليهم شتاء جديد وهم في المدارس والجوامع والساحات، ومنهم آلاف وآلاف يستقبلون الشتاء في العراء، أرضهم التراب وسقفهم قبة السماء، أقسم بالله إنهم في هذه اللحظات في العراء، ما هذه خيالات ولا مبالغات ولكنها حقائق بيّنات. لن يعرف أحد ما معنى “ليلة في العراء في برد الشتاء” حتى يكون هو الذي يُمضي ليلة في العراء في برد الشتاء!
يا أمة الإسلام، يا أيها المسلمون في كل مكان: إن أهل سويا يستنصرونكم، وإن ربكم تبارك وتعالى خاطبكم فقال: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}، فأوجب عليكم نصرة المستنصرين من إخوتكم ولم يترك لكم الخيار. وإن العدو سيُفني إخوانكم في سوريا ما لم تنصروهم بأموالكم، وإن الجهاد بالمال قد صار فرضاً عليكم، فأدّوا فرضكم ولا تقصّروا مع ربكم ولا تخذلوا إخوانكم، لو فعلتم لتُسألُنّ يومَ الحساب، فأعدوا لذلك اليوم الجواب.
7- يا أيها الكرام: لا يسألني أحد كيف يوصل المال، فقد عم البلاء حتى لو قُذف قرش في الفضاء لسقط في يد محتاج، وإن لتوصيل المال طرقاً يعرفها لو بحث عنها الباحثون. ومن خشي من دعم المجاهدين (لأن دعم الجهاد في هذا العصر جريمة) فليدعم المحتاجين من المدنيين المنكوبين. أرسلوا حليباً للأطفال، أرسلوا ملابس تدفع برد الشتاء، أرسلوا خياماً أو فُرُشاً وبطانيات. الناس في الداخل يحتاجون إلى كل شيء، فأرسلوا إليهم أي شيء أو أوصلوا إليهم المال لو استطعتم أن توصلوا المال.
في الأردن وتركيا ومصر وليبيا وغيرها من بلدان المسلمين أعداد لا تُحصى من اللاجئين، وكل لاجئ خارجَ وطنه يحتاج إلى مأوى يؤويه وطعام يغذيه وعلاج يداويه، يحتاج إلى تدفئة وكسوة له ولزوجته وبَنيه، فما حُجّتكم يوم تُعرَضون على الله -يا أيها المسلمون- وفي بلادكم لاجئون لا يجدون المأوى، وإن وجدوه لم يجد الواحدُ منهم فرشة تحته ولا بطانية فوقه، ثم لم يجد الطعامَ ولم يجد الدواء والكساء؟ هذا باب من أبواب الجهاد ليس باباً من أبواب الصدقة، وإنه الجهاد المفروض عليكم فأدّوه كما تؤدى الفرائض، امتثالاً بلا تثاقل ولا تكاسل ولا مِنّة. هل يتثاقل أحدكم في صلاته أو يتركها كسلاً، أو يَمُنّ على ربه إذا صلاّها؟
يا أمة الإسلام ويا جيران سوريا الأقربين: لقد وجب عليكم الجهاد بالمال، إلاّ تجاهدوا بأموالكم تكونوا كمن تولى يوم الزحف، أعيذكم بالله أن تكونوا من المتولّين، أعيذكم بالله أن تكونوا من المتقاعسين.