أكتب هذه المقالة يوم الجمعة في السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2012م، وقد قرأت أن هذا اليوم هو اليوم الدولي للتسامح، الذي أقرته منظمة اليونسكو في عيدها الخمسين، في مثل هذا اليوم من سنة 1995م. وجاء في موقعه على الإنترنت: أن الدول الأعضاء اعتمدت إعلان مبادئ بشأن التسامح يؤكد، من جملة المبادئ التي يؤكد عليها، على أن التسامح لا يعني التساهل أو عدم اكتراث بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني في ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان. فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية وبالحريات الأساسية للآخرين. وبما أن الناس متنوعون بطبيعتهم، وحده التسامح قادر على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم…
إن إشاعة التسامح والتفاهم أمر أساسي للقرن الحادي والعشرين. والتسامح خصلة لا غنى عنها للعيش المشترك في عالم اليوم الذي يزداد اتساما بطابع العولمة ويزداد فيه التنوع داخل المجتمعات…
والتسامح هو شرط للسلام ومحرك للإبداع والابتكار في آن معا. ففي عالمنا الذي يزداد ترابطا بصورة مطردة، تشكل إشاعة التسامح السبيل إلى نشر الوئام الذي نحتاجه لمواجهة التحديات الملحة وتأمين مستقبل أفضل…
كلام جميل وفي غاية الروعة، لكني لا أدري لماذا شعرت وأنا أقرؤه بأني أكاد أنفلق، تماماً كما شعر المعلم الشاعر إبراهيم طوقان تجاه قصيدة أمير الشعراء عن المعلم فكتب له قصيدة قال فيها:
وَيَكَادُ يَفْلِقُنِي الأَمِيرُ بِقَوْلِهِ
كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولا
لَوْ جَرَّبَ التَّعْلِيمَ شَوْقِي سَاعَةً
لَقَضَى الْحَيَاةَ شَقَاوَةً وَخُمُولا
فكأن من كتب ذلك الكلام الجميل الرائع عن التسامح لم يشاهد التلفاز منذ سنوات، ولم يسمع بما يجري على أرض الشام، وفي غزة، أو في بورما. فالطائرات تقصف الأبرياء، والدماء تسيل، فهل ننادي بالتسامح بين المعتدين أم بين المعتدى عليهم؟
في يوم التسامح لم أجد أفضل من الأبيات الشعرية التالية لوصف أحوال المظلومين أمام الطغاة عسى الذين يدعون إلى التسامح – وما أجمله – أن يسعوا لتخليص الضحايا من بين أنياب الجلادين وأن يوقفوا نزيف الدم:
أمِنَ التأدّبِ أن أقول لقاتلي
عُذراً إذا جرحتْ يديكَ دمائي؟
أأقولُ للكلبِ العقور تأدُّباً:
دغدِغْ بنابك يا أخي أشلائي؟
أأقولُ للقوّاد يا صِدِّيقُ، أو
أدعو البغِيَّ بمريمِ العذراءِ؟
أأقولُ للمأبونِ حينَ ركوعِهِ:
“حَرَماً” وأمسحُ ظهرهُ بثنائي؟
أأقول لِلّصِ الذي يسطو على
كينونتي: شكراً على إلغائي؟
لست متشائماً، لكني لا أستطيع أن أدعو إلى التسامح بين أناس يُقتل ذووهم أمام أعينهم، وتنتهك أعراضهم وهم شهود، ويُذبح أطفالهم من الوريد إلى الوريد، وتنفذ فيهم أحكام الإعدام الميدانية، ويمنعون من حقهم في العلاج والغذاء والكساء، بل أعظم جريمة قرأتها يوم أمس إعدام طبيب لأنه أنقذ جريحاً! وفي الوقت نفسه لا أرى أحداً يوقف الظالمين عند حدِّهم، بل رأينا من يستخدم حق الفيتو لمصلحة المجرمين.
الوسومالثورة السورية