إن من أبسط استحقاقات الربيع العربي أن ينقلنا من حزب الزعيم وحزب الفكرة وحزب الشعار إلى حزب البرنامج السياسي . حين نستمر في التفكير تحت سقف (الماقبل ) لن نفلح في الإنجاز تحت سقف ( المابعد ) . ثمة فالق بين السقفين وليس فارقا فقط . العصر الديمقراطي الحقيقي ليس عصر صندوق يوصلني إلى مقعد البرلمان . والبرلمان ليس منبرا للتدريب على الخطابة أو تسجيل المواقف وإظهار البراعات . بل عدد الأصوات في صندوق الاقتراع هو بطاقة العبور إلى امتحان عسير يقال على إثره هذا (( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )) . يوم لا ينفع فيه الصدق وحده كما يظن الصادقون بل لا بد مع الصدق من البصيرة والمعرفة والخبرة و الجد والجهد.
لقد انكشفت العصر الشعاراتي وانكشفت أحزابه في المراحل السابقة عن عورات مخجلة . ولعل من نعمة الله على دينه ودعوته أن لم يمكن لجماعة دعوية إسلامية في المناخ الشعاراتي شيئا من سلطان. ولن يكون من الحكمة في شيء أن يسعى أهل الصدق إلى الامتحان قبل أن يحكموا شرائط النجاح . من أمثلة الفقهاء المشهورة من تطبب وهو لا يحسن الطب فهو آثم وهو ضامن أيضا . هذا فيمن يغامر بحياة فرد في شخصه أو في عضو من أعضائه ، فكيف بمن يراهن على حياة شعب أو أمة ؟ !
إن حصاد التجارب للحكومات التي التحفت اسم الإسلام السني أو الشيعي في أكثر من قطر ليست أقل إخفاقا من تجارب الذين التحفوا العلمانية والقومية .
إن تجربة فاشلة على كرسي الحكم هي أقسى في تداعياتها وانعكاساتها على الفكرة والدعوة وعلى العقول والقلوب والضمائر من أي محنة نزلت بالدعوة والداعية على مدى قرن مضى . الناس يتعاطفون مع الضحية ، ويقسون سلفا على صاحب السلطان .
وأكثر الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل …
أخشى أن أكون قد انجرفتُ للحديث عن ربح وخسارة للمبالغة في قرع جرس إنذار. الفاجعة الوطنية من أي تجربة عاثرة ستكون أكبر من أي فاجعة تحل بفريق .
حين نجد أنفسنا أمام استحقاق عصر ديمقراطي يجب أن ندرك ونعترف أن قضايا هذا العصر لا تعالج بكاريزما الأشخاص . ولا بتهوج الشعارات ، ولا برنين عبارات الخطباء والمصلحين ، ولا بإلقاء اللوم على المتآمرين والمستعمرين واقتصاد السوق اللعين . ..
لقد خلف الاستبداد والفساد وراءه عبئا ثقيلا . وفي الوقت الذي كان فيه الخوف يكمم الأفواه ؛ سنواجه اليوم الألسنة الحداد واستحقاق أن الناس تريد كل شيء وفي وقت واحد . وعلى الهوية سيكون هناك جنود مجندة تفتح النار على كل من يرفع شعارا لا يوائم المتربصين ..
وأكثر الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل
العبء الثقيل يقتضي الشراكة فلنفكر بعقلية الشريك يبحث عن شريكه . وانتشار الفساد وآثاره تقتضي المعالجة النوعية فلنستعد لكل داء بالدواء . حزب البرنامج الذي يجمعنا على المتفق عليه المرحلي يجعل قاعدة الفعل الوطني أوسع ، وعقول وقلوب وسواعد المتعاونين على رفع العبء أوثق وأرشد.
في مجتمعنا هناك رواسب أحزاب . رواسب أفكار كثير منها فقدت ظلها . والتمترس وراءها سيجعلنا كمن ما يزال يتمترس وراء فرز يوم صفين في عصر لا علي ولا معاوية فيه.
لن أستبعد أن يجد العقل السياسي السوري مرتكزاته الجديدة . بل لعل من غرض هذا المقال الدعوة إلى ذلك . غرض هذا المقال أن يرفع مظلة جامعة يدعو كل من يقتنع أن يبادر إلى رفعها . مظلة تحدد برنامج عمل لمواطن يؤمن بالثوابت الراسخة في حياة السوريين ويريد أن يجد أعوانا أو أن يكون عونا على الحق الذي يريد …