الحزب السياسي : هو مجموعة من الناس تجتمع لتتعاون على تحقيق هدف سياسي عام مشروع . يتحرك الحزب وسط المجتمع الذي ينتمي إليه لإقناع الناس بهدفه وبصحة برامجه وموثوقية رجاله . فإذا نجح في ذلك في أي دورة انتخابية أصبح من حقه أن يوظف كل إمكانات الدولة ومواردها في خدمة المشروع الذي يتحول بالاختيار الانتخابي من برنامج حزبي إلى برنامج وطني .
ومع أن الحياة الحزبية في صيغها القائمة هي ظاهرة حديثة نسبيا في تاريخ الحضارة الإنسانية ، إلا أن تطورا مهما ما يزال يعالج فكرة تكوين الأحزاب وتطوراتها البنيوية .
في الأزمات العامة يكون الهم العام في الغالب موحدا للقوى والتيارات . فينشأ في عهود الاستعمار ما يعبر عنه بأحزاب الاستقلال أو جبهات التحرير أو الكتل الوطنية . وفي هذه المراحل غالبا ما يكون مدار الحزب الراعي لعملية التحرر من الاستعمار على الرموز الوطنية التي تقود عملية النضال. والرمز أو الشخص الذي يتزعم الحزب قد يكون زعيما اقطاعيا أو اقتصاديا أو جهويا أو دينيا حسب بنية المجتمع الذي يتحرك فيه .
مع الأسف لا يزال الكثير من أبناء مجتمعاتنا يشعرون بدينونة داخلية مبررة مسبقة لمثل هذه الرموز . في دراسة سياسية لتركيبة المجموعات الماركسية في الجنوب اليمني لاحظ أحد المحللين الفرنسيين على سبيل السخرية أن أغلب زعامات الجماعات الماركسية التي حكمت الجنوب ، كانت من أسر تدعي أصلا شرف الانتماء لطبقة السادة . ( آل البيت ) .وأنه حتى الجماهير الماركسية كانت تشعر بالارتياح إلى زعيم من السادة يقودها تحت شعار ( لا إله … )
تزدهر أحزاب الأفراد أو الأسر بازدهار قياداتها . نستطيع أن نلمح مثل هذه الزعامات بوضوح في لبنان حيث يتداخل الأسري بالعشائري والطائفي . وفي الباكستان حيث يظل الأمر السياسي بعد موت الزعيم ممتدا إلى البنين والبنات .
ثم مع تطور الأفق الثقافي والفكري ما زال هذا الموقف يلقي ظلاله على الخلفية النفسية لصناعة القيادات أو القبول بها في مجتمعات وجماعات لا تزال كفة المعطى الفكري فيها خفيفة.
في شكل آخر من أشكال التعبيرات الحزبية نجد الأحزاب العصبوية على خلفيات كثيرة تسعى لإثبات وجودها والدفاع عن مصالحها لتحقيق المزيد من المكتسبات لمنتسبيها . والعصبيات قد تكون عصبيات مصالح اقتصادية أو اجتماعية أو طائفية أو قومية أو جهوية . إن أصحاب هذه العصبيات سيكونون قادرين على التواصل لرعاية مصالحهم على اختلافها عندما يكونون قلة محدودة دون أن يحتاجوا إلى تشكيل حزب أو نقابة إلا لإكساب نضالهم الطابع المدني القانوني . يرى المفكرون في قيام الأحزاب والتجمعات على أساس هذه العصبيات دليلا على انحلال الأمة وتمزقها وذهاب ريحها .
في مجلى آخر من مجالي الحياة الحزبية انتشرت بعد الحرب العالمية الأولى تقريبا فكرة ما أطلق عليه الأحزاب العقائدية ( الايديولوجية ) والأحزاب القومية التي امتدت فكرتها إلى عالمنا العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر لتزدهر هذه الأحزاب بفكرها عقائد ومبادئ ورؤى وتطلعات على مدى القرن العشرين . ثم لتجد كبوتها محليا بعد الخامس من حزيران . وعالميا بسقوط الاتحاد السوفياتي مخلية المجال على المستوى العالمي للفكر الليبرالي ، الذي أعلن انتصاره من طرف واحد بكتاب ( نهاية التاريخ ) وعلى المستوى الإقليمي للفكر الإسلامي الذي عانت قياداته على مدى قرن محنا مستمرة أكسبته صلابة ومنعة وجماهيرية وفي الوقت نفسه أعطته عبرا ودروسا عملية نظن أنه قد آن الأوان ليستفيد الجميع منها ..
هذه العرضة السريعة والمجملة لأشكال الحياة الحزبية لا تسعى للتأشير على نمط من الأنماط السابقة على أنه صح أو خطأ . إن استحقاقات الثورة العربية اليوم بكل بهائها وزخمها وتجاربها المؤلمة والمبشرة تضع أمام أبناء الجيل حقائق لابد منها . وأول هذه الحقائق أن الحياة الحزبية المنظمة هي أساس الحياة الديمقراطية . الديمقراطية التي يعبر عنها في النهاية رقم في صندوق الاقتراع . وعلى كل صاحب مشروع حريص على نفاذه أن يقدم للناس ما يقنعهم وما يتيح له أن يحتفظ بقناعتهم على المدى الطويل …
إنه في تنظيم حزبي أو تجمع أو مجموعة عمل لخدمة مشروع عام من الضروري أن نستفيد من سمعة الرجال أصحاب المصداقية الجمعية مهما تكن خلفية هذه المصداقية . ومن الضروري أن يوظف مد العقائد والأفكار بأبعادها الروحية والعقلية وانعكاساتها على الحاضر والمستقبل . ومع ذلك يبقى واقعنا الوطني وواقعنا القومي كأمة تريد أن تنبعث من تحت الأنقاض بحاجة إلى الحزب السياسي الذي يجمع الطاقات ويوحدها على برنامج عمل واضح الأبعاد ، محدد الخطوات ، يعلن عن نفسه بكلام موزون مقفى بسقف زمني لكل ما يطرح من أهداف ..
لبناء الحزب الوطني الحامل لعبء مرحلة ما بعد ..يجب أن يتوقف حديث الشعر والرؤية والحلم . وأن يترك الوقوف على شواطئ البحر للمسبحين والعاشقين . استمتعنا طويلا بالحلم ولكن أوطاننا بقيت خرابا .
نعم يجب أن يتوقف الحديث عن الأحزاب الحالمة والأفكار الحالمة والمشروعات الأفكار الطوباوية ….
إن أول ما تحتاجه سورية اليوم حزب برامجي يأخذ على عاتقه إزالة الأنقاض : أنقاض الأفكار وأنقاض العواطف وأنقاض الإنسان وأنقاض العمران . والتأسيس لبناء مجتمع المستقبل ودولة المستقبل .
إن الانتساب إلى حزب إزالة الأنقاض ووضع حجر الأساس في زوايا التكوين والتعليم والصحة والإتقان العام . والأهم من كل ذلك التأسيس لعلاقة الإنسان بالإنسان . عمال الباتون وعمال المطافي وجنود الحروب في خندقهم المشترك رغم اختلافاتهم يدركون أسرار هذه العلاقة .
هل سيكفي خمس سنوات لمثل هذا البرنامج . سأقبل رأس من يفعل ذلك في عشر سنوات . ..