الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :
كثر السؤال في الآونة الأخيرة عن سبب وصول الثورة لمرحلة من الاستعصاء والمراوحة في المكان،حتى بدا المستقبل مظلما والأفق مسدوداً في تصور كثيرٍ من أفراد شعبنا بعد أن كان الأمل يعمُر قلوبهم.
والحقيقة أنّ هذا التشاؤم والسوداوية يثير خوفنا وتحفظنا خاصّةً مع دخول الثورة حالةً تشبه لحدٍّ كبير حالة حرب الاستنزاف.
وهنا فإننا نقولها بكل صراحة: إن ثورتنا في المراحل السابقة كانت في وضع خير مما هي عليه الآن إذ أن مبادئها السامية كانت حاضرة وبقوة في أدق تفاصيل العمل والحراك الثوري فكانت في حالة إقبال لا إدبار، وكانت حاضنتها الشعبية في أقوى حالاتها خلافاً لما آلت إليه الآن نتيجةَ الأخطاء والممارسات السلبية لبعض القائمين على قيادة وتوجيه العمل الميداني مما تمّ تجاهله والتغاضي عنه في الفترة السابقة من باب الابتعاد عمّا يشق الصف أو يفرق الكلمة فتفاقمت الأخطاء حتى غدا العمل على تصحيحها ومعالجتها واجباً لا بدَّ منه إذ أن الاستمرار في تجاهلها سيحولها لمصائب قد تغير مسار الثورة بالكامل بعد أن أصبحنا على وشك تدمير الدولة ومؤسساتها لا إسقاط النظام وزبانيته.
قال تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً}(الأنفال 25)
فبعد عشرين شهراً من الثورة بذل فيها شعبنا الأبي كل غالٍ ورخيص ثمنا لعزته وكرامته حتى بلغ به السخاء في هذا مبلغاً دفع كثيراً من القيادات للاستهتار بتضحيات الناس وبكلفة الثورة العالية فلم يعودوا يعيرون اهتماماً بحجم الدمار والخراب الذي تسببه تحركاتهم والتي قد تكون لأمر بسيط لا يستدعي دفع كلفة باهظة.و لعل هذه الجزئية الخطيرة تظهر مدى أهمية وجود القادة الحكماء وضرورة انقياد الثوار لهم سمعاً وطاعة بغية تخفيف فاتورة الحرب على الناس ما أمكن بعيداً عن الفكر الانهزامي الذي يروج له البعض فلا ثورة بلا تضحيات قال تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (البقرة 155)
وبعد هذه المقدمة الطويلة فإننا نوضِّح أن ما وصلت إليه معركة حلب يؤكِّد وجود ضعفٍ واضحٍ في القيادات الميدانية يضاف له في أكثر الأحيان جهلٌ مطبق وقلة فهم لطبيعة المعركة في المدينة وللفروق الجوهرية بين معركتها وبين معركة الريف.
ولكي لا نطيل الشرح نستشهد ببعض الأمثلة والبيِّنات على بعض الأخطاء الجسيمة التي تحصل في حلب كما في غيرها مما يجب تداركه بأسرع وقت كي لا ينقلب وبالاً على الثورة ككل(هذا عدا مسألة التمركز في المناطق المدنية والتي تطرقنا لها في بيان سابق):
الخطأ الأول: دخول منطقة السبع بحرات بحلب بعد أن نَصح كثير من الأخوة بعدم فعل هذا لما تحتويه المنطقة من مؤسسات حكومية بالغة الأهمية تتعلق سلامتها بحفظ حقوق المواطنين المادية والمعنوية والتي يؤثر تضررها على المواطنين بصورة مباشرة دون أن يؤثر ذلك على النظام وهيمنته ومن تلك المؤسسات: دوائر النفوس التي تحفظ الأنساب والبنوك العامة ودائرة السجل العقاري التي تحوي السجلات التي تثبت ملكية المواطنين وتضمن حقهم، والمحكمة الشرعية التي تحفظ حقوق الأيتام وأموالهم وعقود النكاح وغيرها مما تحفظ به الأنساب والأعراض هذا بالإضافة إلى مالا يمكن ذكره هنا من عديد الدوائر والمؤسسات الخدمية التي يعد الحفاظ عليها واجبا لا بدَّ منه.
الخطأ الثاني: دخول المناطق التجارية والصناعية بشكل عشوائي غير مخطط مما تسبب بضرر كبير على اقتصاد المواطنين ومعيشتهم كأسواق المدينة القديمة والمنطقة الصناعية التي غدت خاوية على عروشها فأدَّى ذلك لبطالة آلاف العمال مما دفع بعض عديمي المبدأ منهم ممن اضطرته الفاقة للانضمام لشبّيحة النظام أو السرقة والخطف تحت مسمى الجيش الحر.
الخطأ الثالث: عدم قدرة كتائب الجيش الحر المشرذمة والمختلفة على حفظ أمن الناس وتباطؤهم في إقامة العقوبة الزاجرة على بعض السارقين وقطّاع الطرق ممن اندس بين صفوفهم بحجة عدم تفريق الكلمة حتى غدا الأمر لا يطاق،ولعل هذا ما حصل في المنطقة الصناعية وغيرها مما جعل أصحاب المعامل يمتنعون عن العمل وانعكس هذا سلبا على مختلف أفراد المجتمع وعلى الثوار خاصة بعد أن صدم الداعمون في حلب بما شاهدوه من تصرفات الثوار.
الخطأ الرابع: عدم إقامة شرع الله فيما بين الثوار بحجة الخوف من الفتن القبلية والعشائرية و السعي لإقامته على المستضعفين ممن لا يملك رد ذلك عن نفسه بقوة أو مال مما شكل تصورا سوداويا في أذهان الناس عن شريحة ليست بقليلة من الثوار وأدى لتفاقم حجم الفساد بينهم.
وبناءً على ما سبق فإننا نتوجه إلى عقلاء القيادات وأصحاب الأحلام بما يلي:
– ترك هوى النفس والعمل على توحيد الجهود والتعاون مع القيادات الحكيمة من أهل المدينة بما يضمن تخفيف فاتورة الثورة على الناس ما أمكن والمحافظة على مؤسسات الدولة.
– بذل الجهد على نخب الأفراد ونوعيتهم وبخاصّةٍ في المهمات والمواقع الحساسة،مع ضرورة التأكيد على حرمة أموال وأرواح وأعراض الناس
– ترسيخ وتعميق فكرة الطاعة والانقياد للقائد والابتعاد عن العشوائية في العمل.
– قطع الطريق على المفسدين الذين ركبوا موجة الجيش الحر و زجرهم بما يكون رادعاً لهم وعبرةً لغيرهم.
ختاماً فإننا نقول لإخواننا “إن أردنا إلا الإصلاح ما استطعنا وما توفيقنا إلا بالله”
قال تعالى: “وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج 40)
شام رسول الله في 23/ذي القعدة/1433ه
الموافق لـ 9/10/2012 م
—————————-
رد بسيط على التعليقات الواردة على صفحتنا الخاصة على الفيسبوك فيما يتعلق بهذا البيان:
إلى كل من فهم البيان على أنه دعوة لتراجع كامل للجيش الحر نقول
“يأ أخي أنت لم تفهم ما كتبنا وليس هذا مقصودنا”
إلى من يذكر بين أحاديث الخوارج على الحاكم المسلم الظالم ويقارنها بالمجاهد ضد الكافر المستحل لدماء المسلمين الصائل على المال والعرض والنفس نقول له
“إنك لم تفهم بياننا لأنك في الأصل تعاني خللاً في فهم أسس الإيمان ومعنى الولاء والبراء”
إلى من يسأل عن سبب هذه الرسالة للجيش الحر نقول
“هو تذكير من باب قوله تعالى : “فذكّر إن نفعت الذكرى سيذّكر من يخشى ويتجنبها الأشقى”
فهو تذكير للمؤمنين بغية تصحيح المسار طلبا لنصر الله وعونه”
والله متم نوره ولو كره الكافرون