لئن قال الشاعر في القرن الرابع الهجري:
وهم نقلوا عنّي الذي لم أَفُه به * وما آفَةُ الأَخبار إلا رُواتُها
فالواجب أن يُقال اليوم أن آفتها هم رواتها ومحللوها.
لا يشك أحد في أن الوصول إلى أي معلومة أصبح في متناول اليد منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. فقد انتشرت القنوات الفضائية التي تبث الخبر فور وقوعه، وانتشر استخدام الشبكة العنكبوتية بحيث صار الخبر الذي يُكتب عبر تويتر أو الفيسبوك يبلغ الآفاق خلال لحظات.
لكن لابد من وقفة مهمة هنا. فالقنوات الفضائية التي تتوالد يومياً، والتي تبث بلا توقف على مدار الساعة، صارت بحاجة إلى ملء هذه الساعات بأخبار وبرامج من كل حدب وصوب. وصار يظهر على شاشاتها مَن يتكلم فيما يعرف وفيما لا يعرف، وبعضهم يسوق لك أخباراً ما سمعها إلا هو، ويدّعي بأنها من قنوات اتصاله الخاصة، ويبني عليها تحليلات، ما أنزل الله بها من سلطان.
أما على الإنترنت فالأمر أسهل، ولا يحتاج لإذن أحد، أو موافقة مؤسسة. لقد انتشرت المنتديات وسادت لفترة، ثم جاء عصر المدونات، لكنها بدأت تفقد بريقها مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، التي فاقت كل ما سبقها من مواقع في اجتذاب الملايين. ورغم الخير الذي فيها، وما يمكن أن يُستفاد منها بشكل إيجابي، فإنها كغيرها من الأشياء لابد أن تنطوي على سلبيات، إذ بعض أخبارها ينطبق عليها ما ورد في الحديث (يَكذِبُ بالكذِبَةِ تُحمَلُ عنهُ حتَّى تبلغَ الآفاقَ). وهذا موضوع دسم يصلح مادة لبحث علمي قيّم في التمييز بين الغث والسمين فيما يُنشر بمواقع الإنترنت عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً. والآفة ليست في هذه المواقع إنما في بعض مستخدميها.
إن بعض مَن يحللون الأخبار والأحداث، يأتون بأفكار غريبة، يبنونها على ما سمعوا به من إشاعات يظنونها حقائق، ويتعجبون كيف لا تعلمها أنت، وعندما لا توافقهم الرأي يتهمونك بالجهل بل وبالغباء. لكن ماذا بعد؟ إن سارت الأحداث كما حللوا انتفشوا كالطاووس، وإن سارت بعكس ذلك، يضعون تحليلات جديدة مبنية على أمور حدثت في زعمهم لكن لم يطلع عليها غيرهم! وهؤلاء شبههم أحد أصدقائي بطالب كان يسترزق من زملائه الطلاب، فيجمع منهم مالاً ويدّعي أنه يعطيه للمدرسين لتخفيف الأسئلة عنهم. فإن جاءت الأسئلة كما يهوون يأخذ منهم عمولته، وإن جاءت عكس ذلك فعنده من التبريرات ما يملأ صحيفة. صحيح أنه سيفقد عمولته لكن يكفيه أنه وضع كل المبلغ في جيبه.
التثبت والتبين والتحقق في النقل أمر مطلوب شرعاً لقول المولى جلَّ وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى? مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). ويقول رسوله صلى الله عليه وسلم (بئس مطية الرجل: زعموا)، وفي هذا ذم لمن كان هذا سبيله، إذ الأصل التثبت والتوثق فيما يرويه الإنسان، فلا يروي حتى يتأكد من صحة الرواية.
وفي زمن الحروب والفتن تكثر الشائعات. وهناك فرع في علم النفس متخصص بالشائعات، بدأ في أثناء الحرب العالمية الثانية عندما اكتشف المتحاربون أهمية نشر الشائعات في التأثير على اتجاهات الأفراد وأفكارهم وسلوكهم ومشاعرهم ومعنوياتهم، فتم استغلالها بأسلوب علمي للتأثير عليهم. ولقد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة من انتشار الشائعات، لاسيما وأن بعض الناس لديهم الرغبة في الازدياد من الأخبار الشاذة أو في الحصول على تحليلات غريبة ليمتلكوا الحديث في المجالس ويحدثوا بما ليس عند الآخرين.
يقول خبير في هذا الشأن: ليس هدف الإشاعات والأخبار الكاذبة جعلك تصدِّقها، إنما يكفيها أنها تشوش عليك، وتجعلك تشك حتى بالأخبار الصحيحة، فلا تعرف الخبر الصادق من غيره.
الوسومالأخبار