( لعبة الأمم ) عنوان كتاب مايلز كوبلاند الكتاب الذي أضفى طابعا دراميا على عملية الاختراق للدولة العربية في ظلال الهزيمة الكبرى في السابعة والستين . لا أحد يلعب ، على الحقيقة ، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الاجتماع . ولكن رجال الميادين الصعبة استعاروا مصطلح ( لعبة ) من عالم المباريات ليجعلوا من الخسارة أمرا متوقعا معقولا ومقبولا لكي لا تنتهي بصاحبها إلى الانتحار أو الجنون أو إلى الارتكاس.
المشهد في عالم السياسة . كما نتابعه في تصرفات البعض ومواقفهم يشبه إلى حد كبير تصرف لاعب الشطرنج المهزوم . النزق والتخبط والتعلل نتابعه في كتابات البعض وتحليلاتهم . وأحيانا فيما يطلقون من اتهامات أو يكشفون عن خبايا في زوايا عشعش فيها النقص أو الضعف أو الكراهية ..
ومع أنه في الصف الوطني لم يحن الوقت بعد للحديث عن منهزم ومنتصر ؛ فإنه مما يحلو للبعض أن يصور كل محطة من محطاته نصرا او هزيمة فيقيم الاحتفال هنا أو المأتم هناك .
إن من مصلحتنا جميعا في الصف الوطني أن تستمر لعبتنا ( معا ) . ولكي تستمر اللعبة يجب أن نمتلك النفسية الرياضية القابلة بشروطها واستحقاقاتها . ولكي نستمر معا أيضا يجب أن نصبر على آداب الاجتماع العام التي يقتضيها عالم النظرة والابتسامة والسلام والكلام والموعد واللقاء على ما رسم أمير الشعراء . ..
وأول الخطأ في الصف الوطني أن يتصور فريق أو فرد أنه أصل هذا الصف . أو عريفة . أو القدوة فيه الذي يجب على الناس جميعا أن يتراصوا خلفه .اللقاء في الصف الوطني هو لقاء تطوعي ( جنتلمان ) كما يقولون . ينتظر من كل حريص عليه أن يحافظ على شروط الاجتماع العام وآدابه . وما أقبح أن يُضطر الصف الوطني أن يشير إلى فريق أو إلى فرد بقوله تعالى (( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ )).
كل فرد يستمد قيمته في الصف الوطني من جهده ودوره وأثره وقدرته على التجميع والاستقطاب ، وأن يكون آلفاً مألوفاً. وكل من يتصور أن الصف الوطني بدون أي فرد أو فريق فيه سيكون أفضل أو اقدر إنما ينطلق من خلل بنيوي في تفكيره . يقول العلماء لا أحد فوق أن يستعين ولا أحد دون أن يعين . وكل فرد أو فريق يتصور أن الصف الوطني بدونه سيكون غير وطني فقد اختزل الوطنية في شخصه وحجر واسعا كما تقول العرب .
حتى هؤلاء الذين نختلف مع رؤاهم وتطلعاتهم وأساليبهم وطرائقهم نقول لهم إن بقاءكم في الصف الوطني أقوى لكم وأقوى لنا وأقوى للصف الوطني على كل حال .
ولذا نخاطبكم لا تحرقوا الأوراق ولا تقلبوا المراكب فما زال طريقنا طويلا . ولا تظنوا أنكم عندما تحرقون أوراقكم أو تقلبون مراكبكم ستدمرون المعبد . لسنا في عصر شمشون بعدُ ولا تظنوا ذلك . وإذا ظننتم فهذا الميدان فاستعيدوا فيه وقاركم .
ونقول لمن يهب عليهم فيح الغرور مهلا فهذه صخرة أوهت وأدمت طوال قرون قرونا أشد صلابة مما تملكون : تذكروا أن الصخرة التي تنطحون مر بقربها من قبل هولاكو وتيمورلنك وريتشارد قلب الأسد ولويس الرابع عشر الذي تذكره دار ابن لقمان ونابليون بونابرت الذي ردته أسوار عكا ولينين ستالين وهؤلاء أبناء الشيشان وغرزوني وأتاتورك تنتفض عليه بنات الأناضول أبين إلا أن يحملن على رؤوسهن تيجان الربيع ، وغورو وألنبي وكرومر ثم هاهو مرسي يستعيد وضاءة الشعب المصري ، وحافظ الأسد وهاهم ضحايا القانون 49 / 1980 يبعثون من جديد يهتفون بصوت واحد : سيدنا محمد قائدنا للأبد .
أعلم أن هذا لا يعجبكم . ولكنكم لن تقاوموه – إن أردتم مقاومته – بهذه الطريقة التي نتابعها ؛ بطريقة الهمز واللمز والادعاء والاختلاق هذه طرق كلها مجربة وكلها أثبتت إخفاقها فما لكم كيف تحكمون …
لن تقاومونا ما دمنا ما لا نعجبكم بعد اليوم بهذا التخبط وبهذا الادعاء وبهذا الاستقواء . كل هذه الطرق المجربة محكوم عليها. ولأننا لا نريد أن نخسركم . ولأننا نؤمن بدوركم وبمكانتكم ، ولأننا لا نريد أن نبادلكم طرائق الإقصاء والتهميش . ولأننا لا تستبد بنا مشاعر الغرور والاستعلاء ولا ننظر إليكم بعين الاستصغار
نقول لكم تريدون أن تعاونونا أو تقاومونا خذوا زينتكم . واستعيدوا وقاركم . واجلسوا على الطاولة والعبوا بهدوء . وسندعو لكم أن تحسنوا اختيار المرمى الذي عليه ترمون …
يؤلمنا أن نراكم في الصورة المزرية التي تختارونها لأنفسكم. لا تنسوا أن هؤلاء الذين يزينون لك موقفكم ، أو الذين تظنون أنهم ركنكم الركين الذي تؤون إليه لو كانوا ينفعون أحدا لنفعوا أنفسهم . تذكروا أنهم عجزوا عن تجميل صورتهم في العقول والقلوب فلماذا تلحقون أنفسكم بهم ..
إلى كل هؤلاء الذين يشدهم الحنين إلى الماضي القريب فيعودون إلى الوقوف في الطابور الصباحي لبشار الأسد وأبيه ويؤكدون عهدهم وميثاقهم على ( القضاء على جماعة الإخوان المسلمين العميلة …) نقول لقد غربت شمس كافور المنيرة السوداء كما سماها أبو الطيب .
وبكل الصفاء الذي نخاف أنكم لم تعرفوه نقول لكم : عودوا ففي الصدر متسع ، وفي القلب بر وقسط ، وفي الحضن الوطني دفء. يؤلمنا أن نراكم تتخبطون وتحرقون أوراقكم ومراكبكم لا تتصوروا أننا ندفعكم إلى ذلك يوما أو نعينكم عليه. (( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ )) .