أعطيت عدة دورات في التفكير الاستراتيجي في الوسط الثوري السوري وكنت دائماً أركز فيه على موضوع القيم أكثر من غيره.
لأن معظمنا لا يزال يشغل جل تفكيره فيما لا يستطيع القيام به ويتجاهل ويتكاسل عن الامور التي يستطيع القيام بها.
يمكننا أن نعذر جماعة مجاهدة فشلت في التخطيط لمعركة ما أو الحفاظ على منطقة ما أو تنفيذ مشروع ضخم لأن الظروف شديدة التغير والمتآمرون العالميون كثر.
لكننا لا نستطيع أن نعذر جماعة لم تستطع أن تربي أبناءها على قيم الانضباط وحسن التعامل مع الناس وجودة الاعداد للمعارك وغير ذلك من القيم التي يمكن زرعها في أبناء أي جماعة لو أن قيادة الجماعة تبنت هذا الأمر وعملت عليه جادة.
الجماعات المقصرة في هذا على نوعين : أولاهما لا يدرك أهمية القيم ولا يقتنع بها فلديه لا صوت يعلو صوت المعركة وهذا لن أناقشه.
أما النوع الثاني فهو الجماعات التي تريد فعلاً أن تزرع بعض القيم ولكنها لا تعرف إلى ذلك سبيلاً فديدنها في زرع القيم تكرار ذكرها بين الفينة والأخرى والدعوة إليها وإعطاء بعض الدروس الشرعية فيها وغير ذلك.
وكل ما سبق ذكره يعتبر فعلاً من وسائل زرع القيم لكنه لا يكفي إطلاقاً.
بل لا بد من أخذ الأمر محمل الجد وتحديد مجموعة من القيم القليلة فلو كان كل شيء مهماً فهذا يعني أنه لا شيء مهم!
بعد ذلك يبدأ التخطيط للقيم وأولى خطوات التخطيط للقيم ولعله أهمها هو ترجمة القيم إلى سلوكيات.
سأبدأ بمثال حقيقي بعيد قليلاً عن الوسط السوري وهو أحد البنوك في أمريكا .
حيث تبنت إدارة البنك قيمة: حسن التعامل مع الزبائن كإحدى القيم للبنك.
ولأنها تدرك أن هذه القيمة يمكن أن تفهم بشكل فضفاض جداً قامت بتجسيدها في مجموعة من السلوكيات بحيث تستطيع أن تحاسب موظفيها لو لم تلتزم بها.
فترجمت قيمة حسن التعامل مع الزبائن إلى عشرة سلوكيات أذكر منها:
– لا تنس أن تقول شكراً في نهاية كل محادثة مع الزبون ( وبالتالي لو لم يقل الموظف في نهاية المحادثة شكراً فهذا يعني أنه لم يلتزم بقيمة حسن التعامل).
– اتصل كل يوم بالزبائن فلو اتصلت أنت بهم فلن يبحثوا عن بديل عنك.
– لا تقدم الربح المادي على رضا الزبون، عندما يتعارضان فرضا الزبون هو الأهم.
وغير ذلك من السلوكيات …
لم تبق الآن قيمة حسن التعامل قيمة فضفاضة لا يمكن قياسها او المحاسبة عليها.
دعنا نفكر بنفس القيمة على حواجز الجماعات المجاهدة المنتشرة في المناطق المحررة، لاشك أن عناصر الحواجز يحتاجون إلى مجموعة من القيم منها حسن التعامل مع الناس.
لو أردنا أن نترجم هذه القيمة إلى سلوكيات فما هي السلوكيات المفسرة لهذه القيمة برأيكم ( فكروا فيها وشاركونا برأيكم في التعليقات من باب صقل الفكرة وإثرائها).
الخلاصة: لا يمكن لأي منظمة أو جماعة أن تغرس قيمة في أبنائها ما لم تترجمها لمجموعة سلوكيات يتم تعليمهم إياها ثم محاسبتهم عليها.
لو التزم أبناء هذه الجماعة بهذه القيمة فترة معتبرة من الزمن فعندها نكون قد خلقنا ثقافة جديدة !
وهذا هو أعظم تغيير يمكن إحداثه في الجماعات والشعوب.
ينطبق هذا الكلام أيضاً على الشعب ككل.
إذاً فمعادلة صناعة ثقافة جماعة أو شعب جديدة هي:
1- تبنى قيمة محورية.
2- احشد الناس خلف هذه القيمة واجعلهم يؤمنون بها.
3- ترجم هذه القيمة إلى سلوكيات.
4- ساعد الناس على تطبيق هذه السلوكيات لفترة طويلة.
عندها ستكون قد صنعت ثقافة جديدة للمنظمة أو الجماعة أو الشعب ككل.
مشروع ضخم عملاق…لكن تطبيقه ممكن جداً.
#فلا_تظالموا
#على_خطى_التغيير