1- عاد الغراب الأخضر إلى النعيب، فماذا يريد؟ نبدأ بالسؤال البديهي: هل يتصرف الإبراهيمي من وحي خياله؟ ونُجيب: إنْ هو إلا موظف من الموظفين، وإنما الفرق بينه وبيننا -نحن المساكين- أنه يتقاضى في الشهر ما يعمل أمثالُنا من أجله العشرات من الشهور، فلماذا يفرّط في هذا الكسب الوفير؟ ويا له من عمل سهل يسير، لا يُشترَط لمن يقوم به إلا أن يكون بلا إحساس وبلا ضمير!
ولكن من هو رب العمل الذي يدفع الراتب؟ ومن الذي دفع للموظفين من أمثاله من قبله: بان وعنان؟ الأمم المتحدة؟ هُراء، فمن أين تأتي الأمم المتحدة بأموالها؟ ألا تعلمون؟ أميركا تدفع وحدَها ربع الميزانية السنوية، وبقية دول العالم المئتين تقتسم الأرباع الثلاثة الباقية.
لو اشترك مئتا شريك في شركة ودفع أحدهم ربع رأس المال، أفلا تصبح مفاتيح الشركة وقراراتها في يده؟ بلى، هذا هو الواقع؛ أميركا تملك ما يسمى “منظمة دولية”، وأميركا توجّه تلك المنظمة حيث تشاء، وحينما يُقال إن الأمم المتحدة أرسلت مبعوثاً إلى هذه المنطقة أو تلك فعلينا أن ندرك مَن أرسله، وعندما نسمع عن الخطط التي يقدمها ذلك المبعوث فعلينا أن نعرف من الذي يخطط ومن الذي يرعى ويدعم ويجني الفوائد.
2- “الحل السياسي أو إحراق البلد”. لماذا أحس أنني سمعت تحذيراً مشابهاً من قبل؟ بماذا يذكركم هذا الإنذار يا أحرار؟
نقول لك أيها الغراب الأخضر ما قلناه من قبل لبشار وعبيد بشار: قد تقتلون منا ألفاً أو عشرة آلاف أو مئة ألف، وقد تدمرون وتحرقون عُشْر سوريا أو ربعها أو نصفها، ولكنكم زائلون وإلهكم المزيف زائل إن شاء الله. سوف يسقط بشار ويحاسَب بشار ويُعدَم بشار، سوف يزول مُلْككم ويتهدم بنيان الظلم والعدوان الذي أقمتموه في بلادنا إن شاء الله.
بأي نار تتوعدنا أيها الغراب الأخضر؟ لقد حرّق عدونا بلدَنا بالنار وأنتم تنظرون، أفلمّا رددنا على النار بالنار وأكلنا ثلاثة أرباع قوّته وأوشكت نارُنا أن تَمَسّ طرف بساطه جئتم تخوّفوننا بالنار؟ لا يا أيها المتحضرون، ردّوا في نحوركم التهديدَ وردّوا فيها الوعيد؛ لقد رأينا في عامين ما جئتم تخوفوننا به اليوم؛ رأينا النار والدمار فما لانت لنا قَناةٌ ولا انكسرت فينا العزائم، ولسوف ندفن شهداءنا ونداوي جراحاتنا ونبني ما هدم العدو من بلادنا، سنطفئ النار ونعيش عيشة الأحرار بلا بشار وبلا عبيد بشار بإذن الله الواحد القهار.
3- الحل السياسي، أو الدمار والنار وصَوْملة سوريا! أهذه توقعات أم تهديدات يا أيها الغراب الأخضر؟ إن كانت الثانية فقد سبق الجواب، وإن تكن الأولى فقد أغربتَ وجانبتَ الصواب. ويحك يا غراب، ألا تقرأ التاريخ؟ لقد هَبّ شعب سوريا هَبّة رجل واحد لتحقيق هدف واحد والوصول إلى غاية واحدة، فهو يمشي في طريق سالك ويدرك المزالق والمهالك فيتجنبها بإذن الله. في أي شيء يشبه هذا العملُ الرشيد الوضعَ الكارثي في الصومال، حيث احتربت القبائل والفصائل المختلفة من قبل الاستقلال واحتربت منذ الأيام الأولى التي تلت الاستقلال وما زالت في حرب إلى اليوم؟
في الصومال كانت الثورة على نظام زياد بري حركة عسكرية مصنوعة ومدعومة من خارج الحدود، من أثيوبيا، وثورتنا ثورة شعبية محلية مستقلة طاهرة، عصمها الله من دعم الشرق والغرب ولم تعتمد إلا عليه وله الحمد. في الصومال كانت بذور الفرقة منثورة في طول الأرض الصومالية وعرضها قبل أن يسقط النظام، فقد اقتسمت البلادَ عشراتُ القوى السياسية والقبلية والعشائرية التي تمتلك كل منها مليشياتها الخاصة، فهل في سوريا اليوم تناحر قبلي أو عشائري، أو حتى طائفي كما يحاول النظام أن يصوّر، وكما يحاول وسطاء المجتمع الدولي أن يثبتوا منذ أكثر من عام؟
ما أرى “صَوْملة سوريا” إلا خطة تختطونها لها أو تخوفوننا بها يا أعداء سوريا، وإننا لكم بالمرصاد.
4- ما هي الكلمة المهمة في تصريح الإبراهيمي وفي كل المبادرات الدولية؟ إنها “الحل السياسي”. تعالوا نفكر: لماذا يريدون الحل السياسي؟ لوقف قتل الأبرياء؟ لو كان هذا هو السبب لتدفقت المبادرات يوم استَحَرّ القتل في المتظاهرين العزّل، يوم اقتحم جيش الاحتلال مدن وبلدات حوران، يوم بطش باللاذقية وبانياس ودوما وداريا ومعضمية الشام، يوم غزا حمص واحتلّها بالجيش العَرمْرَم، يوم قصف تلكلخ والرستن وتلبيسة بالدبابات وجسرَ الشغور ومعرة النعمان بالمروحيات، ثم يوم شنّ الحرب الفاجرة على الدير وحماة… كل ذلك كان في خمسة الأشهر الأولى من عمر الثورة، وأول إشارة إلى أول مبادرة دولية لحل المشكلة السورية جاءت في أول الشهر السادس. يا للعجب!
لا، ليست دماء السوريين هي ما يحرك المجتمع الدولي، لقد عرفنا ذلك معرفة اليقين فلا تخادعونا منذ اليوم. ثمة أمر واحد يثير جنون الأميركيين ويدفعهم إلى التحرك المحموم: “أن يسبقهم السوريون”. رأيتم في رأس هذه المقالة أن المجتمع الدولي والمنظمة الأممية لا يتحركان ذاتياً وإنما بالمحرك الأميركي، فلو قلنا إن أميركا حركت المبادرات الدولية أو إن الأمم المتحدة حركتها فالقولان سواء. ثم إنكم تذكرون -من مقالة “كيف تعاملت أميركا مع الثورة؟”- أن أميركا أرادت استنزاف الثورة لتفرض عليها الحل الذي تريد، ولكن الثورة تجاوزت كل التوقعات وقفزت قفزات مثيرة في زمن يسير، فكانت النتيجة التي انتهينا إليها أن الثورة تتقدم بسرعة والأميركيين يركضون وراءها بمشروعاتهم ومبادراتهم، وكما هو متوقع فإن الهدف من تلك المبادرات والمشروعات هو إبطاء الثورة وتأخير تقدمها في الميدان ريثما يلحق بها الأميركان!
5- الغربيون يحبون طاولات المفاوضات أكثر ممّا يحبون ساحات الوغى والصراع. الأولى تعتمد على الكذب والغدر والخديعة والدهاء، وهم أساتذة تلك الفنون ونحن فيها أسوأ التلاميذ. أما الثانية فتعتمد على الشجاعة والإقدام، وقد وجدوا -من ألف معركة خاضوها معنا- أننا لا نهاب حرباً ولا نخشى الموت، وأنّا نحن بنو الحرب وأهلها، قد رأت الدنيا منا الأعاجيب ودوّنت صحائفُ التاريخ بطولاتنا على مَرّ الزمان.
هاكم كتاب التاريخ، اقرؤوه يا كرام ولن تجدوا غير بضع حالات هُزمت فيها الأمة في الميادين والساحات، وستجدون أن أكثر هزائمنا كانت على طاولات المفاوضات. إنها لعبة يتقنها الغرب وما أكثرَ ما جرّنا إلى لعبها، وما أكثر ما أثبتنا فيها الفشل والإخفاق الذي ينتهي بضياع الإنجازات والانتصارات. هذه فلسطين، لو استمرت الحرب على الأرض لكان الحالُ غيرَ الحال، أما السياسة والمفاوضات فقد حولت المقاوم إلى إرهابي يتعقبه العالم، وحوّلت المحتل إلى شريف يتملّقه العالم ويرجو رضاه!
لو أننا في سوريا وافقنا على الحل السياسي الذي يريدون فسوف تصيبنا اللعنة نفسُها؛ ربما كُرّس تقسيم سوريا، وربما ألزموها باتفاقيات ومعاهدات جائرة، وليس مستبعَداً أن يتحول آلاف المجاهدين -من إخوتنا وأبنائنا- إلى إرهابيين مطارَدين داخل الوطن وخارج الوطن وأن يُحرَموا من المشاركة في مستقبل سوريا، وسوف يفرضون علينا قادة ورؤساء من الخونة والعملاء الذين رُبّوا على عين الغرب وفي حضنه فنشؤوا على محبته وموالاته، فهم يفتحون له اليوم قلوبَهم وسوف يفتحون له غداً أبوابَ البلاد، فنعود إلى الاستعمار ولمّا نكد ننجو منه، لا قدّر الله ولا كتب علينا بعد اليوم الاستعمار.
6- هل يمكن أن يدفع الأميركيون إلى صوملة سوريا؟ وهل يستطيعون تحقيق ذلك لو أرادوا؟ الجواب على السؤال الأول: هذا الاحتمال وارد إذا عجزوا عن السيطرة على الثورة، فإنهم سيحرصون عندها على أن يقتتل أهل السلاح فيُفني بعضُهم بعضاً، ثم يأتون بمن يحبون ويفرضون الحل الذي يريدون بلا عناء.
الجواب على السؤال الثاني: نعم، إن كنا غافلين عمّا يمكرون. لو أراد الأميركيون (أو أراد غيرهم) إثارة الفتنة فإنهم لا يحتاجون إلى إقناع المحاربين بالاحتراب، يكفيهم أن يشتروا القادة ثم يحوّلوهم إلى “أمراء حرب” يقتل بعضهم بعضاً ويشنّ البعضُ على البعض الحروبَ والغارات. هذا المآل بعيد في سوريا لأن الكتلة الكبرى من المجاهدين يتّسمون بالتدين والوعي والإخلاص بفضل الله، ولكن الحذر مطلوب ما دام العدو قد أظهر النية الخبيثة وباح بكلمة السر، فإن النار العظيمة تبدأ بشرارة يستصغرها الناس فلا يطفئونها، ولو أنهم استعظموها لأطفؤوها قبل أن تنتشر وتحرق البلاد.
يا أيها الأحرار: لا تستهينوا بأي خلاف بين الكتائب ولو كان صغيراً ولا تغفلوا عن أي إشارة إلى اختراق أجنبي لأي كيان من كيانات الثورة؛ أي شيء من ذلك ترونه فعاجلوه بالعلاج ولا تسمحوا له بالتفاقم والانتشار.
7- ما علمنا قبل اليوم أن في الغربان ذوات الألوان حتى جاءنا الغراب الأخضر! ولكن لا يغرنّكم لون كسائه يا أيها الناس، فما يصنع لونُ الريش إذا كان القلب أشد سواداً من كساء الريش؟
يا أيها الأحرار: لا تتعبوا أنفسكم بتوجيه الشتائم إلى الإبراهيمي، فإنما يضيق بها من كانت له كرامة أو كان له ضمير. هذا الرجل يتقاضى المال الوفير لكي ينفّذ “المهمات القذرة”، ليكون جسراً يمرون فوقه وممسحة تُداس بالأقدام، فاتركوه وانتبهوا إلى من يقف وراءه ومن يعلّمه المقالات التي يخرج بها على الناس، اتركوه واهتموا بإفشال المؤامرات وصيانة الثورة من عبث العابثين وتخريب المخربين.