يحتاج شعبنا بعد نصف قرن من الاغتراب عن الذات الوطنية الجامعة إلى إعادة التعارف . أقول إلى التعارف من جديد بعد أن قضينا زمنا طويلا نتلاقى من خلال حواجز الوهم التي بناها الظالم المستبد. نحتاج جميعا إلى ممارسة المزيد من النجوى الذاتية (المونولوج ) بلا ملل ودائما ( حتى يسمع الجيران ).
إن تبديد الحلكة التي كثفها مكر الليل والنهار، والتي عملت عليها من جهة أخرى عوامل من الحصار الذي أدى إلى الانغلاق ، ومن الإقصاء الذي أثمر الرفض ؛ تحتاج إلى المبادرات الإسعافية السريعة تنخرط بها بكل وعي وإصرار جميع الأطراف .
من إدراكنا للحقيقة أننا جميعا أبناء هذه الأرض. ومن تسليمنا أن القسط هو قاعدة وجودنا وأن البر هو أفقه نمتلك الإرادة الموحدة التي تحفزنا على الثقة بالعمل المشترك لمواجهة الظلمة والبرد والريح .
أستمع للبعض يقول أحيانا إن تعددنا لا تهدده مشكلة. أعتقد أن نفي وجود المشكلة هو نوع من التهرب من مواجهتها . يواجه تعددنا مشكلات وليس مشكلة . مشكلات نصنعها جميعا ، أو تصنعها أطراف تعددنا جميعا. أول الطريق أن نعترف جميعا بهذا وأن نعلن بكل الثقة أننا نمتلك الإرادة لمواجهة هذه المشكلات بكل العزم والحزم والحكمة والقسط والبر. وأن الهدف الذي نريد أن نصل إليه هو بناء المجتمع المدني الموحد. مجتمع أسنان المشط . يحمي الانتماءُ الوطني فيه الفردَ من أي ظلم أوحيف ويمنحه أمنه وأمانه وفرصته وحقه .
وأن نعترف ان الوصول إلى هذا الذي نتحدث عنه لا يتم بإصدار بيان ، ولا التعهد بوعد أو عهد أو ميثاق ، وأننا لن نحقق المطلوب بندوة أو ورشة أو مقررات . يجب أن تحفزنا الإرادة والعزيمة إلى وضع الاستراتيجيات والخطط . وإلى شيء من المبادرات الإسعافية السريعة لإطفاء الحرائق ووقف النزيف ومصادرة معاول الهدم تنال من جنوبنا وصدورنا هنا وهناك . كما نحتاج كذلك إلى كثير من الخطط الطويلة المدى تتغلغل هناك في أعماق الثقافة وفي أعماق الوعي الفردي والجماعي أيضا .
قد نكون من الذين يفخرون أن ماضينا لم يكن سيئا أبدا. بل كان تاريخنا في حماية تعددنا أفضل من تاريخ أي امة وأي دين وأي حضارة . ولكن لنعترف بل يجب ان نعترف أننا لا نريد إعادة إنتاج التاريخ .
على المدى الطويل سنحتاج إلى فقه الفقهاء المجددين الراشد ين المرشدين، وسنحتاج إلى جانبهم إلى علماء الاجتماع وعلماء السياسة وقبل كل ذلك سنحتاج إلى اللقاءات المفتوحة المعبرة عن الثقة على جميع المستويات ..
النداء اليوم إلى العقلاء من جميع أبناء الشعب السوري ، وإلى العقلاء من رجال الثورة السورية الذين يحملون على كاهلهم عبء إطفاء نار النمرود ، نار الاستبداد والفساد ، وتبديد سحب دخان الكراهية والبغضاء التي يبثها النفاثون في العقد من زبانية بشار الأسد وشبيحته المتسللين إلى كل الصفوف و العاملين على كل المواقع . ..
نتابع جميعا في الفضاء الإعلامي وعلى كل الجبهات أصواتا تصدر عن كير الفتنة الذي ينفخ فيه بشار وعصابته على كل المستويات . محاولات يائسة لإشعال الحرائق الصغيرة وتسعير نار الفتنة بضرب السوريين بعضهم ببعض ، محاولة لاستدامة عهد الاستعباد الذي طال علينا لمدى نصف قرن . لا بد لنا في فضاء مفتوح على فوضى الكلمات والادعاءات والفبركات من طريقة عملية لضبط إيقاع الموقف وإيقاع الكلمة .
لا بد لنا أن نلتزم بتلقى الكلمة المسئولة من مصدرها .يجب علينا أن نستعيد ضوابطنا المعرفية في تلقي المعلومات بإسقاط روايات المجهولين والمنقطعين وترداد كل ساقط من القول.
نحتاج في هذه المرحلة الوطنية إلى مد جسور الثقة مع لآخرين . ولكل مجموعة وطنية آخرون . إنه من الثقة بالنفس تنبع الثقة بهؤلاء لآخرين . فهل لنا في هذه اللحظات الوطنية أن نبني عالما من الثقة تغطينا جميعا. نثق بالعقول وبالقلوب وبحسن التقدير للموقف ولأبعاده ولتداعياته وانعكاساته على ثورة شعبنا ثورة الحق والعدل والحرية والغد الأفضل لكل السوريين .
إنه من معين هذه الثقة نلتمس دورا إيجابيا بنّاء نتعاون عليه لإطفاء ما يشعله المجرمون من نار الفتن وما ينفخون منه في كيرها ..
مطلوب منا أن نستحضر ما نعلم..
أن (زعموا مطية الكذب). وأن نسقط منطق ( نحن… وهم ) . وألا ننسب قولا لقائل لم نسأله عنه . وأن نسقط منطق التهويل من خبر منقطع مجهول يضعه أحدهم بخبث على الشبكة ، ومنطق شيطنة بعض القوى أو عفرتتها للتخويف منها ، ومنطق التشكيك في مكونات مجتمعية ، وشركاء في الثورة بغرض التفتيت ؛ كل هذا يجب أن تكون لنا طرائقنا جميعا وكل في ميدانه في التصدي له ، ولقطع الطريق عليه وإحباط كيد مدبريه .
مطلوب من كل فرد، ومن كل فريق وكل مجموعة أن تقدم ما لديها ليس فقط لتنفي عن نفسها ما يُلحق بها أو ينسب إليها؛ وإنما لتنفي عن المشروع الوطني كله ما يحاول بشار الأسد أن يلحقه به …
إن زبانية الشر يوضعون بيننا يبغوننا الفتنة . ويصرون على إشغالنا بالحرائق الصغيرة يضرمونها على كل صعيد . ومن يتابع فضاء الميديا الحديث يتابع حكايات أقرب إلى الخرافات عن صراعات بين (عرب ضد كرد) وممارسات سوداء يمارسها مسلمون ضد مسيحيين ، وطائفية مقيتة تنحت مكونات مجتمعنا من العلويين والدروز والإسماعيليين أيضا ؛ ويبقى السؤال أو يبقى فحوى النداء كيف نطفئ الحرائق الصغيرة التي يبثها دعاة الفتنة من هنا وهناك …
إن على الذين يؤمنون بالمجتمع المدني الموحد ويدعون إليه أن يهجروا ازدواجية اللغة فلا يستقيم بحال الحديث عن المجتمع المدني الموحد في إطار الحديث عن كانتونات مذهبية أو دينية أو عرقية .
وفي هذا الإطار ينبغي أن يتوقف العقلاء جميعا عن الاشتراك في حمل حطب الفتنة. وإشاعة قالة السوء . والتطوع في نقل الأخبار المصنوعة في أقبية بشار الأسد . إشاعة السوء عن المجتمع الثوري هو جزء من صناعته .
ويبقى الأمر متعلقا بالحق على كل فريق أن يلتزم بالتعبير عن رؤيته لليوم والغد بلغة مسئولة موثقة لا تقبل الدخل ولا الدخن لقطع الطريق على الأفاكين والخراصين والمتاجرين بالهويات الفرعية ..
أيها السوريون ..أيها العقلاء …المطلوب منا جميعا
أن نمتلك الحصانة ضد القابلية للفتنة. ضد ما يسميه البعض غريزة القطيع . يزعم بعض الدارسين ان نار الفتنة أشد اشتعالا في صفوف الجماهير من النار في الهشيم . سيدنا رسول الله سماها دعوى الجاهلية . وقال لنا دعوها فإنها منتنة . واختلاف الناس هو قدر الله السابق فيهم ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا