ليس في العنوان أي خطأ! ولم يحصلوا على الشهادة بدفع رشاوى، أو بالغش! لكنهم لن يتمكنوا من العمل، فشهادتهم من نوع آخر! إذ أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تسرحُ من الجنةِ حيث شاءت. هذا ما نرجوه من الله أن يتقبل أولئك الذين قضوا تحت القصف الجوي وهم يؤدون امتحاناتهم في جامعة حلب السورية. ففي الحديث النبوي الكريم (الغريقُ شهيدٌ، والحريقُ شهيدٌ، والغريبُ شهيدٌ، والملدوغُ شهيدٌ، والمبطونُ شهيدٌ، ومن يقعُ عليهِ البيتُ فهوَ شهيدٌ، ومن وقعُ من فوقِ البيتِ فتدقُّ رجلُهُ أو عنقُهُ فيموتُ فهوَ شهيد، ومن تقَعُ عليه الصخرةُ فهوَ شهيدٌ، والغيرَى على زوجِها كالْمُجاهدِ في سبيلِ اللَّه فلها أجرُ شهيدٍ، ومن قُتِلَ دونَ مالِهِ فهوَ شهيدٌ، ومن قُتِلَ دونَ نفسِهِ فهوَ شهيدٌ، ومن قُتِلَ دونَ أخيهِ فهوَ شهيدٌ، ومن قُتِلَ دونَ جارِهِ فهوَ شهيدٌ، والآمِرُ بالمعروفِ والنَّاهي عنِ المنكرِ شهيدٌ).
في كل مرة أكتب عن محنة الشعب السوري أظن أنه آخر مقال في المأساة، فإذا بي أفاجأ بحدث أقوى من الذي قبله، فيا ربنا ويا مولانا، لقد مسَّتهم البأساءُ والضراءُ وزُلزلوا زلزالاً شديداً، فنصرك الذي وعدت.
ورغم شدة المحنة تراهم مصممين على عدم التراجع. فقد كتب أحدهم يقول: (أزف لكم نبأ استشهاد ثلاثة من شباب عمتي في القصف الإجرامي على مدينة حلب الجامعية). وكيف لهم أن يتراجعوا وهم يعلمون أن التراجع معناه الذبح! إذ على الفور برزت في كتاباتهم حادثة مجزرة حي المشارقة في حلب نفسها التي قامت بها قوات النظام عندما فتحت النار على الناس وهم خارجون من صلاة عيد الفطر سنة 1400 للهجرة (1980م)، ثم دَفنوا القتلى في مقبرة جماعية. أما مجازر مدينة حماه سنة 1982م فهي مأساة العصر التي لم تُكتب فصولها بعد.
جرائم إبادة لا يُفهم كيف يسكت المجتمع الدولي عنها، وهل يُعقل أنه لا يعلم الثمار المُرَّة التي سيقطفها إن لم يتدارك الأمر ويوقف الجاني ويحاكمه.
وكعادة المجرم في التمويه والمشي في جنازة من يقتلهم فإنه في هذه الجريمة دعا إلى الحداد مدعياً أن المعارضة المسلحة هي من قامت بالجريمة، متجاهلاً أنه لو كان لدى المعارضة مثل هذه الصواريخ التي استخدمها في قصف الجامعة لهاجمت بها مواقعه الاستراتيجية التي تطيح به. ثم كيف للمعارضة أن تضرب حاضنتها الاجتماعية؟ والطريف أن تلفاز النظام أحضر من أسماهم شهود عيان فتلعثموا وقال بعضهم إنه رأى طائرة في الجو!
وقد دعت إحدى فصائل المعارضة إلى تبني الحداد العام، والعمل على بدء حملة عالمية للتنديد بالجريمة بوصفها عملاً ضد الإنسانية وتطال أماكن التعليم التي لها حرمتها. وتخيّل أحد الكتّّاب أن الخليفة المأمون حاضر اليوم وقد رأى الصرح العلمي الحضاري يُقصف بالصواريخ فتتناثر الكتب في أرض العلم والعلماء ممزوجة بدماء الشهداء… ففقد صوابه وأمر بتشكيل محكمة لمحاسبة قتلة طلاب العلم وكسر القلم وحرق الكتاب… ثم أصدر حكمه بإعدام المجرم وكل الأشقياء وصادق على حكمه شعبٌ مؤيدٌ من كل العلماء.
ويقول كاتب آخر لم يعد من المجدي الحديث عن عنف الجرائم التي تقع في سورية وعن قسوتها. فأيّ إدانة أو استنكار لأيّ جريمة أو واقعة، قد يوحي أنّ ما عداها كان أقلَّ قسوة أو أخفَّ وطأة. وكلها في الحقيقة مجازر مستنكَرة، أدمن عليها مجرمون مجردون من الإحساس الإنساني، حيث لا ضمير يمنع، ولا خوف من المساءلة يردع.
وقال كاتب ساخر وهو يتحدث على لسان المجرم: من يكون ضدى تتكفل بقتله طائرات الميغ ومدافع الدبابات والبراميل، التي سأطالب المجتمع الدولي بتسجيلها باسمي كملكية فكرية لا يتجرأ على منازعتي فيها أحد. صحيح أنني لم أقصف بالطائرات والدبابات سوى مواطنيّ الأعزاء في مختلف المدن السورية، ولكن هذا تفصيل غير ذي شأن طالما أن العالم ما زال فيه من الحمقى من يؤمن بأني نظام ممانع ومقاوم! ستون ألف قتيل في بلادي إلى الآن… وهل هذا رقم كبير؟ لا تهولوا ولا تشوهوا حتى إن تهدمت مدن بكاملها ونزح الملايين داخل البلاد ولجأ إلى خارجه مئات الآلاف يبيتون في العراء وسط هذا البرد الشديد. المهم أنني وأسرتي ودائرتي الضيقة المخلصة نتمتع بالدفء ووافر الطعام، بحيث لا نضطر إلى التجمهر أمام المخابز فنقصف ونموت!.