تحت عنوان (أحمل فانوسي وأبحث عن مُنْشَقٍّ) كتب أحد الكتّاب السوريين يقول: (لم أر منشقَّا واحداً يخرج على السوريين من بحرة الدنس الأسدية، ويقول ربي إني ظلمت نفسي. بل أراهم وأسمعهم جميعا يخرجون من هذه البحرة في صورة الفارس المخلّص بثيابه البيض على أحصنتهم البيضاء يدّعون ويزعمون. وكثيرا ما أتطلع إلى بعض هؤلاء، الذين أُطلق عليهم تجاوزاً لقب المنشقين، فأراهم ما زالوا يدورون حول ذواتهم في إطار التزامهم بشخوصهم وبماضيهم وتاريخهم الذي يرفضون أن ينخلعوا منه. وما زالوا يسوغون تاريخاً من الفساد والاستبداد ضرب الحياة السورية على مدى نصف قرن، وكانوا هم أنفسهم من الشركاء فيه والصانعين له. يحاول كل واحد منهم أن يصور نفسه في صورة “مؤمن آل فرعون” الذي كتم إيمانه ليكون في لحظة الحقيقة المُدافعَ عن الحق وعن القيم والفضيلة وعن مصالح الوطن والمواطنين. مع أننا لم نسمع على مدى نصف قرن صوتا ينادي على الظالمين: “أتقتلون شعبا أن يقول ربي الله”!). (انتهى الاقتباس)
لكن فعلاً خرج علينا عقيد منشق يقول (هذا العام الذي قضيته مع النظام يجب ألا يسامحني عليه أبناء بلدي! يجب أن تكون سوريا المقبلة خالية من أمثالنا!). وقد كتبتُ عنه مقالاً بعنوان: وشهد شاهد من أهلها.
ثم مؤخراً خرج علينا الفنان همام حوت يعتذر للشعب السوري لأنه شارك في تضليله. هذا الفنان بدأ عمله المسرحي بعد أن تخرج من كلية الهندسة، وراح يعمل فيما أسماه بالكوميديا السوداء، حيث كانت أعماله تعبِّر عما يعانيه المواطن في حياته. وقد حظيت مسرحياته بمتابعة شعبية كبيرة إلى درجة أن الرئيس حضر إحداها ثم اجتمع معه وقال له بالحرف الواحد: (اترك الوضع الداخلي ولا تنتقده. بل حاول أن تعبئ المواطن بالممانعة والمقاومة والهم القومي). وقد ساعدتْ الأحداث المتتالية خارج سوريا على تقديم مسرحيات تنتقد الخارج من أمثال (طاب الموت يا عرب، ليلة سقوط بغداد، عفواً أمريكا، عربي وشوية كرامة)، وكل هذه المسرحيات لا تتدخل أبداً في الوضع الداخلي السوري. إلا أنه قبيل الثورة قدَّم مسرحية (فساد أكاديمي) التي صوّرت الفساد الذي ينخر في كل كيان في سوريا. وحتى في هذه المسرحية لم يستطع إلا أن يشيد في آخرها بالمقاومة والممانعة، لأنه حسب قوله (كنتُ مخدوعاً بها وشاركت في تضليل الشعب السوري بتسويق الرئيس كزعيم مقاومة). وبعد أن غادر البلد قدَّم اعتذاراً مكتوباً للشعب السوري يقول فيه (أنا همام حوت أعتذر من الشعب السوري لأني ساهمت في تضليله إعلامياً بتسويق بشار كزعيم للمقاومة، وكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه).
ومن الخفايا التي فضحها هي أن شركات الإنتاج الفني هي لأبناء المسؤولين السوريين، وهي مافيا حقيقية، وقد أجبرت الفنانين السوريين على الخروج في المسيرات المؤيدة للنظام. أما الفنانون الذين خرجوا في مظاهرات ضد النظام، فقد تعرضوا لأبشع أنواع الابتزاز. إذ جيء بأحدهم إلى الاستوديو وجيء بيد أخيه مقطوعة، وطلبوا منه أن يقول أمام الشاشة ما يُطلب منه، وإلا فسيأتون برأس أخيه مقطوعاً! ويعقّب (نظام مجرم! ولا يجب أن نلوم الفنانين الذين صمتوا، بل نلوم الذين أيّدوا مجازر النظام ووقفوا ضد خيار الشعب الذي صنع نجوميتهم وهو مصدر رزقهم، لأن الفنان الذي ليس له رصيد شعبي لا تأخذه شركات الإنتاج التي تسعى للفنانين الجماهيريين لتتكسب من أعمالهم. وللأسف فإن بعض الفنانين وقفوا ضد شعبهم). ويعترف بأن الرئيس السابق تبنى دريد لحام، في حين تبنى ولده ثلاثة فنانين: رسام الكاريكاتير علي فرزات، والمسرحي همام حوت، وياسر العظمة صاحب المسلسل التلفزيوني الشهير “مرايا”. وهذا التبني مقصود للتغيير في المزاج الشعبي، بحيث يكون هؤلاء الفنانون متنفساً للشعب، وكأن الشعب السوري بالون ينتفخ فيأتي الفنان فيثقبه فيفرّج عن الهم الشعبي. وتحت الضغط فقد رضخ كثير من الفنانين لشروط مجحفة بحقهم وبكرامتهم.
وقد خنقته العبرة وهو يتحدث عن الأوضاع الصعبة للاجئين السوريين في المخيمات، وضرب مثالاً على ذلك حالة امرأة وضعت وليدها في خيمة كانت درجة حرارتها أربعة تحت الصفر!
ومن جملة اعترافاته: إن الرئيس قبل الثورة دمّر سوريا إنسانياً وفنياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً. وعندما قامت الثورة دمّر ما بقي من سوريا. ولو أراد العدو أن يدمّر سوريا كما دمّرها الرئيس لعجز عن ذلك. ودعا السوريين في ختام حديثه إلى العودة إلى الأراضي المحررة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا وتقصير مدة معاناة الشعب، فقد دفع الشعب السوري ثمن حريته من ماله ودمه وكرامته وصموده، والنصر قريب بإذن الله.