لم يكن بشار الأسد بحاجة إلى استنساخ فكرة الباسيج الإيراني كما اقترحها عليه قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني ليباشر في تنظيم عصاباته المسلحة تحت عنوان وطني و زي رسمي ؛ فتجربة ( سرايا الدفاع عن الوطن وحماية الثورة ) ما تزال طرية ساخنة بين يديه وفي واقعه كما هي حاضرة وحية برجالها ونسائها في ذاكرة السوريين والسوريات .
تلك السرايا التي كان لها الدور الأشنع في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته في صناعة الكارثة السورية بآثارها التدميرية التي تحاول الثورة السورية اليوم تجاوز آثارها ودفن مخلفاتها .
قبل أن تعلن الجهات الرسمية وشبه الرسمية منذ أيام عن تشكيل الوحدات الطائفية كان المواطنون السوريون قد لمحوا أدوات القتل هؤلاء يطوفون بينهم ، ويتحركون في مناطقهم بأزيائهم وشعاراتهم ورجالهم ونسائهم .. وبينما يختلف الناطقون بالإنابة عن عصابة الإجرام على تسمية هذه القوات الباعثة على الريبة والقلق فتطلق عليهم المصادر الروسية والإيرانية اسم ( جيش الدفاع الوطني ) .
تبادر جريدة لبنانية عاملة بأمر النظام إلى التصحيح مع التفسير بأنها ( قوات الدفاع الوطني ) وتصفها بأنها قوات داعمة لصمود الجيش الوطني مدافعة عن أرض الوطن … ويتفق الجميع على أنها عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية سيعاد تنظيمها وتدريبها على يد المدربين الروس والإيرانيين وسيكون لها زيها الخاص وميزانيتها الخاصة وتسليحها المتميز لتشارك في معركة ( كسر الإرادات ) كما أطلق عليها بشار الأسد .
إن رقم العشرة آلاف الذي يتم تداوله ما هو بالحقيقة إلا عتبة البداية التي لن يستطيع أحد أن يتنبأ إلى أين سينتهي … ومما قيل : إنه سيكون مطلوبا من هذه الوحدات أو الكتائب او السرايا الدفاع عن الأحياء ( أي أحياء ؟! ) حسب مصدر ، والمشاركة في تطهير الأحياء ( ممن ؟! ) حسب مصدر آخر .. ومما يزيد الأسف والألم والقلق ما يسربه البعض عن اخبار عن مسمى ثالث بادر إليه البعض ( كتائب الوحدة الوطنية ) لنتساءل على الحقيقة كم من الإثم ارتكب باسمك أيها الوطن الجريح … إننا من موقع الشعور بالمسئولية الوطنية … مع إدراكنا التام أن هؤلاء الذين يعيشون حالة لاحس المبرد لم يعودوا موضع أي خطاب إنساني أو عقلاني أو سياسي أو وطني .
وأنهم بتصرفاتهم الغبية واليائسة إنما يدفعون ويندفعون في اتجاه المزيد من الدماء ومن الخراب ومن فصم عرى المستقبل السوري الذي سنظل متمسكين به موحدا وعادلا وجميلا … إننا من موقع الشعور بالمسئولية الوطنية .
نرى في الهروب إلى هذه القوات تعبيرا عن شعور باليأس من القدرة على الاعتماد أكثر على وحدات الجيش السوري التي لم تعد موضع الثقة لتنفيذ المزيد من الجرائم … كما نرى في هذا الهروب تحضيرا للإطار الطائفي الوخيم لقبول المزيد من العناصر من الإيرانيين والحزبللاويين وسط حاضنة خاصة تتستر على وجودهم وأنشطتهم وممارستهم … نحمل الذين ما زالوا يؤيدون الشعب السوري بالإعلانات والنداءات مسئولياتهم ، مؤكدين أن الخوف على وحدة الجغرافيا والإنسان في سورية إنما يتم التعبير عنه من خلال التصدي العملي والسريع لهذه الخطوات المريبة التي لا تخفي ما وراءها من خطط وترتيبات .. كما نحمل المجتمع الدولي وروسية وإيران بشكل خاص مسئولية كل الجرائم التي سترتكب على أيدي هذه العصابات .
نحمل الجميع تداعيات وجود هذه القوات والكتائب والسرايا على الأرض السورية . تداعياتها بما تحمله من تهديد لحياة المدنيين الأبرياء التي تفننت هذه العصابات في العدوان عليها .
وتداعيات استحقاقاتها بما تستدعيه من زج البلد في حرب أهلية حقيقية . في وقت ما تزال فيه الثورة تعض بالنواجذ على صيغها وتجلياتها الوطنية .
ننظر إلى تشكيل هذه العصابات تحت أي اسم من الأسماء ، على أنه إعلان مباشر للحرب على خلفية طائفية من قبل جميع الذين يقودون ويديرون ويشاركون في هذا الإثم الوطني بأي زي تردى وتحت أي عنوان تحرك ونحملهم جميعا مسئولية الإثم والعار الذي سيرتكبه أي شخص منهم .. نؤكد أن الطريق الأوضح لكل القوى المجتمعية للتعبير الإيجابي عن نفسها هو في المشاركة الفاعلة للتصدي لمشروع البغي والعدوان الذي يقوده على أرض الوطن هؤلاء المجرمون وليس بالتربص والترصد للثوار الأحرار على خلفيات الوهم الذي يصنعه النوم بين القبور .
إن ثورتنا المتمسكة بمشروعها وأفقها الوطنيين ترفض أن تستجر بأي شكل من الأشكال إلى مستنقع الطائفية النتن الذي عششت فيه وفرخت هذه العصابات … إلى الغد الوطني الأجمل نمضي . مصممين على أن ننثر في مروج اخوتنا الوطنية الزنابق والورود والرياحين وحصد كل الأشواك واجتثاث شجرة للشر (( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ )) .