كل الخيارات الجهنمية مقبولة عند الحكومة الروسية إلا أن تتحول سورية إلى دولة ديمقراطية . بكل صراحة يكررها لافروف مرة بعد مرة بعد مرة لن يقبلوا أن تُحكم سورية من قبل أهلها ( السنة ) !!! ( السنة ) يذكرهم لافروف باسمهم الصريح وكأنهم شيء يتقزز منه . ومن هنا يعتبر الروس أنفسهم شركاء عضويين في مشروع ذبح الشعب السوري وتشريده ، ودعم أعدائه بكل أشكال الدعم …
وبالمقابل يتربص العالم ( الآخر ) بالمشهد السوري ، يعلن تأييدا لفظيا ، يرفض أن يأتمن المعارضة السورية ، التي يعترف بها نظريا ، على توزيع الدقيق والسكر على اللاجئين . يلح العالم الآخر دائما على المعارضة السورية بقوائم من الطلبات والشروط ، ويظل قلقا هو الآخر على مصير الأقليات !! ومتخوفا من هواجس قبورية من التطرف والمتطرفين . ويتابع كل من يمكن أن يتعاطف مع مسلسل ذبح الأطفال في سورية ، لتجفيف منابع العون ولو بزجاجة حليب أو جرعة دواء . ويغض هذا العالم الآخر الطرف عن البوارج وحاملات الطائرات الروسية تمخر عباب البحار لتقدم للقاتل أدوات القتل الذي يراه العالم الحر خادما لمصالحه ولو مع شيء من تأنيب الضمير .
المذبحة الكبرى التي تنفذ فصولها في سورية ، على الهواء مباشرة موثقة بالصوت والصورة لا تزعج ولا تقلق أحدا . وفي ضوء الصمت الغربي عن الانغماس الإيراني المباشر في ذبح السوريين وتدمير بلدهم تنظر شعوب المنطقة العربية والمسلمة إلى الحديث عن عقوبات غربية على إيران على أنه مجرد خرافة .
وفجاة يكتشف العرب والمسلمون في المنطقة أن صهاينة إسرائيل ليسوا وحدهم هم صبي العالم المدلل . فبشار الأسد وعصاباته يتقدمون على أولئك في حرص العالم عليهم . والصهاينة في كل حروبهم مع العرب لم يقتلوا العدد الذي قتله بشار الأسد وأبوه من قبل منهم سوريين وفلسطينيين ولبنانيين وعراقيين ، ولم يمارسوا من الفظائع والبشاعات ما مارسه بشار الأسد وأبوه وشركاؤهما الإيرانيون في الشام والعراق . وكما قدم الغرب الاستعماري فلسطين للصهاينة الإسرائيليين على طبق من ذهب تم تقديم العراق وسورية ولبنان لإيران على طبق مثله ، وترك لها كما نرى حرية القتل والذبح والتدمير ..
واليوم إذ تعلن الواشنطن بوست خبر بناء كتائب أو ميليشيات لقوات احتلال إيرانية على الأرض السورية ، تابعة للحرس الثوري الإيراني وتعمل بأمره وبأمر حزب الله قوامها الأولي خمسون ألف مقاتل وراءهم كل الجيوش الإيرانية والعراقية مع ميليشيات حزب الله وتوابعها ؛ فإنها لا تكشف بالنسبة لشعبنا جديدا وإنما الجديد هو هذا الموقف اللامبالي من المجتمع الدولي ، ونظرة الدول الدائمة العضوية إلى الأمر وكأن سورية ولاية إيرانية .
إن الذريعة الحاضرة دائما على ألسنة أصحاب مشروع الديمقراطية العالمي هي أن مشروع الثوار السوريين الديمقراطي غير مستوف للشروط حسب المعايير الأمريكية ، وكأن نظام المافيا الأسدي كان قد جعل من سورية واحة للديمقراطية !! أو أن الحرس الثوري الإيراني الذي تطلق يده في سورية اليوم سوف يظلل سورية بديمقراطية من فئة السبع النجوم . كم هو متهافت أو مثير للشفقة هذا المنطق الذرائعي لعالم يدعي الحرية والديمقراطية فقد كل قيمة أخلاقية وكل مصداقية سياسية ..
إن خبر الواشنطن بوست الذي يؤكد قيام إيران باحتلال سورية عبر خمسين ألف مقاتل ، تم تشكيل كتائبهم التابعة للحرس الثوري الإيراني ولميليشيات حزب الله ؛ يفرض على الأمم المتحدة الكثير من الاستحقاقات سواء على صعيد حماية استقلال الدول وسيادتها أو على صعيد حماية المدنيين …
كما أن احتلال سورية الوطن والإنسان يفرض تحديات جساما على النظام العربي وعلى الدول العربية مجتمعة ومنفردة . إن تحول سورية إلى مستعمرة إيرانية بعد العراق ولبنان يوجب على كل الشعوب العربية أن تتساءل الدور : القادم على من ؟!
وإنه حين تجد إيران لنفسها من المصالح والقدرات لتشكيل جيش خاص تحتل عبره سورية ، وتكرس احتلالها للعراق ولبنان ، لتجعل من هذه الدول نقطة انطلاق إلى بقية دول العالم العربي ؛ يبقى السؤال لماذا لا تبادر الدول العربية الشقيقة إلى تمكين السوريين من الدفاع عن أعراضهم ودمائهم وبالتالي الدفاع عن أمتهم ..
وإنه حين يتوجس بعض الأشقاء من مواقف بعض الدول العربية التي ربطت خياراتها مع الخيار الإيراني فإن شعوب المشرق العربي وفي مقدمتها الشعب السوري هي الأكثر إدراكا لخطورة المشروع الصفوي المذهبي والسياسي والأكثر وفاء لمشروع الدفاع عن حياض الأمة وحقيقتها ..
وفيما يمر خبر احتلال إيران للأرض السورية عرضا على المعارضة السورية المتشاغلة بأحاديث الحوار المراض ؛ يبقى على رجال الثورة السورية وعلى رجال المعارضة المخلصين أن يقدروا الأمر الخطير حق قدره . وأن يضعوا خططهم بعيدة المدى للتصدي لقوات الاحتلال على المديين القريب والبعيد ، وأن يعطوا الأمر استحقاقاته الاستراتيجية التعبوية والسياسية …