في الخامس عشر من كانون الثاني من عام 2012م كان المؤتمر الصحفي في القاهرة لقادة الأطراف التي تشكلت منها جبهة العمل الوطني لكرد سورية/ ئه نيا خه باتا نيشتيمانيا كوردين سوريى، وقد كان من المناسب نشر هذا المقال في الذكرى الأولى لهذا الحدث المبارك على ساحتنا الكردية والسورية، ولكن انعدام الاتصالات والإنترنت في سورية حال دون نشره وقتذاك، ومع ذلك فأن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي.
لقد كشف الإعلان عن انطلاق الجبهة عن جملة من الحقائق يأتي في مقدمتها:
أولاً: إن الغيارى على الإسلام وعلى حال الكرد من أبناء شعبنا الكردي في سورية كثر بفضل الله، ولكن يحتاجون إلى سلك ينظم جهودهم ويوجه بوصلتهم، ولا غرو في ذلك، فالكرد كانوا الشعب الثاني بعد العرب الذي يدخل الإسلام العظيم، ولقد أكرمهم الله تعالى في مراحل كثيرة من تاريخ الأمة الإسلامية كانوا خلالها حملة راية الدفاع عن الإسلام وبيضته، سواء خلال العهد الأيوبي أم عبر الإمارات القائمة على الإسلام والتابعة لمركز الخلافة في بغداد أو لمركز السلطنة في آستانة.
ولقد وجد هؤلاء الغيارى بغيتهم في الجبهة الناشئة على تقوى من الله من أول يوم. ولا نزعم أن جميع المؤمنين بالإسلام منهج حياة قد انتظموا في هذه الجبهة، ولكن حسن القول والفعل، وصدق الخطاب والتوجه، واللطف في العرض والحوار والدعوة كفيل بوضع أيدينا جميعاً في أيدي بعض، والعمل يداً واحدة لحمل عبء إنصاف هذا القطاع الواسع من الشعب السوري وتجديد حميمية علاقته بالإسلام آخر رسالة سماوية لأهل الأرض، لإسعادهم في الدارين.
ثانياً: لقد كان التفاعل الإيجابي بين الجبهة الناشئة والأطراف الكردية والسورية الأخرى دليلاً على أن ساحتنا كانت بحاجة منذ زمن لمثل هذا الإطار التنظيمي الذي يهدف للتوازن بين الديني والقومي، بين الروحي والمادي، بين الأفق الإسلامي الواسع والأفق الوطني الضرورة، بين العقيدة(الأيديولوجيا) والنسب، بين أن يسعى الإنسان لتحقيق معنى العبودية لله تعالى ومبدأ عمارة الأرض والاستخلاف فيها.
ثالثاً: إن ساحتنا السورية الآن، وبعد مرور ما يقرب من سنتين على الثورة السورية المباركة، تعجّ بالتيارات والتوجهات والاصطفافات، كما تعج بشكل أكبر بالتجاذبات والصراعات والحركات العسكرية تحت يافطات ومسميات إسلامية عدة…ووسط هذه المرحلة الحرجة فإن سياسة النأي بالنفس عن سفك الدماء البريئة بين الأشقاء، وعدم الانشغال بأي شيء جانبي عن مقارعة الطاغية المجرم المسمى بشار أسد المفتقر لأي شرعية وعلى أي مستوى هو السبيل الأمثل لنا. ومن هنا تأتي أهمية المحافظة على الاسم الذي اعتمد في المؤتمر الصحفي بالقاهرة قبل عام من الآن ((جبهة العمل الوطني لكرد سورية/ ئه نيا خه باتا نيشتيمانيا كوردين سوريى))، حتى لا تختلط الأوراق والخنادق ونستجر ـ من حيث لا ندري ـ إلى معارك ليس لنا فيها ناقة ولا جمل.
رابعاً: لقد تأكد لدينا ـ بعد عام من انطلاق الجبهة ـ أن ليس للكرد سوى التحاور والتقارب في الرؤى والخطط، ولا بد للكرد من الخروج من الشرانق التي نسجوها حول أنفسهم وحبسوا أنفسهم داخلها وقيّدوا بها حركتهم، وهذا يتطلب مراجعة شاملة للثابت والمتحول لديهم آخذين بعين الاعتبار المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، ليكون خطابنا واحداً تجاه القضايا الوطنية والقومية، وحتى تكون كلمتنا مسموعة معتبرة لدى شركائنا الآخرين، ولأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى.
وهنا قد يسأل سائل: وماذا أنجزتم خلال العام المنصرم؟
أقول: إننا أنجزنا كثيراً بفضل الله:
أولاً: أصبحنا رقماً ـ تختلف التقويمات حول حجمه ـ على الساحة الكردية والوطنية يحسب حسابه، وصار لنا وجود في الأطر السياسية القائمة ضمن المعارضة السورية، كالمجلس الوطني السوري وغيره، وصارت الدعوات توجه إلينا لحضور المؤتمرات المعنية بالمعارضة السورية ومستقبل سورية بصفتنا طيفاً كردياً سورياً متميزاً بالمرجعية والرؤية والرسالة عن الأطياف الأخرى، اختلاف تنوع لا تضادّ.
ثانياً: وصار لنا وجود على الأرض واتصال بالناس وإسهامات إغاثية للمحتاجين والنازحين في مناطقنا، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب.
ثالثاً: وصارت لنا صلات طيبة ببعض الكتائب على الأرض والتحاور معها وتوجيه بوصلتها بما يخدم الثورة ضد الطاغية بشار وعصابته المجرمة، بعيداً عن المعارك الجانبية التي ننأى بأنفسنا عنها.
رابعاً: وصار الطيبون من أبناء شعبنا يبحثون عنا ويسألوننا: من أنتم؟ وبماذا تختلفون عن الآخرين القائمين؟ وصاروا يطلبون الانضمام إلينا والعمل معنا يداً واحدة في سبيل إحقاق الحق وإنصاف المظلوم والعودة إلى الله والسير في هذه الحياة على هدى وبصيرة.
بقي القول: إننا ما زلنا في أول الطريق، وإن الحمل ثقيل، وإن ما ينتظرنا أكثر، ولكننا نملك إرادة قوية وعزيمة لا تلين، ونملك إيماناً لا يتزحزح أو يتزعزع في أن الله معنا ناصراً ومعيناً وموفقاً وهادياً، وحسبنا قوله سبحانه: ((كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ))/ سورة المجادلة الآية21، وقوله سبحانه: (( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ)) الأنبياء 105-106. صدق الله العظيم.
———————
القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية.