عنوان المقالة ليس من عندي وإنما من رسالة إلكترونية أرسلها صديق. ومما جاء فيها:
فرن يشتري منه الناس الخبز يأكلونه في الجنة!
جامعة يدرس فيها الطلاب ينالون شهادتهم في الجنة!
مبنى سكني ينام فيه أصحابه يستيقظون في الجنة!
مسجد تبدأ الصلاة فيه في الأرض تنتهي بالجنة!
ونهر ينبع في الأرض يصب في الجنة!
ورغم أن الأمر لا يقتصر على حلب، فسوريا كلها عانت وتعاني من مثل هذا، لكن يبدو أن حلب نالت أكبر نصيب من الشهداء القسريين، أي الذين لم يكونوا في ساحة معركة، وإنما جاءتهم الشهادة التي ربما طلبوها كما ورد في الحديث (من سأل الله الشهادة صادقا بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)، بل إن هؤلاء ينطبق عليهم الحديث الآخر (الشهادةُ سبعٌ سوَى القتلِ في سبيلِ اللهِ: المطعونُ شهيدٌ، والغريقُ شهيدٌ، وصاحبُ ذاتِ الجَنبِ شهيدٌ، والمبطونُ شهيدٌ، وصاحبُ الحريقِ شهيدٌ، والذي يموتُ تحت الهدمِ شهيدٌ، والمرأةُ تموتُ بجُمْعٍ شهيدٌ).
وإذا كانت مدينة حلب التاريخية التي نشأت قبل ميلاد المسيح عليه السلام بعشرة آلاف عام تُسمى حلب الشهباء، نسبة إلى صخورها ذات اللون الأشهب، فقد صار يُطلق عليها حلب الشهداء.
أحدث مجزرة في حلب كانت مجزرة نهر قويق، والتي كتب أحدهم بأنها المجزرة التي تحمل الرقم 113. ورغم أن كل مجزرة كانت لغزاً محيّراً، لم يُعرف لها سبب، لكن مجزرة نهر قويق التي تم اكتشافها يوم الثلاثاء الماضي كان فيها غموض كبير، سواء من حيث أسبابها أو من حيث هوية فاعلها. إذ تم اكتشاف قريباً من مائة جثة في نهر قويق في منطقة بستان القصر التي يطل عليها جبل الإذاعة وتقع تحت مرمى قناص هذا الجبل. ولما تم اكتشافها بدأ الناس يتوافدون للتعرف على ذويهم الذين فقدوهم في الأيام الأخيرة حيث خرجوا من بيوتهم ولم يعودوا. وحسب شهادات بعض الأهالي فإن قتلاهم كانوا قد عبروا من المناطق المحررة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام لشراء بعض حاجاتهم، ولم يعودوا من حينها.
وجميع الجثث وُجدت مقيدة الأيدي، وعليها آثار تعذيب، كما تم طعن بعضهم بالسكاكين، وتم تقطيعُ بعض أجزاء أجسامهم، فضلاً عن وجود كسور في الجمجمة لمعظم الجثث ما يدل على إعدام ميداني برصاصة في الرأس، وغالباً من الأمام.
وقد تبين أن عدداً كبيراً منهم جامعيون أو خريجون، وأعمارهم بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، رغم وجود نسبة قليلة خارج هذا المدى العمري.
وكعادة النظام في اتهام أعدائه بما يقوم به من جرائم، فقد اتهمت وسائلُ إعلامه فصائلَ الجيش الحر بالمجزرة متهمة هذه الفصائل بأنها تقبض على الناس ثم تطلب فدية من أهاليهم، فإذا رفض الأهالي الدفع يقتلون الرهينة، لكن الأهالي نفوا أن يكونوا قد تعرضوا لابتزاز أو لطلب فدية. وهذه التهمة واهية إذ أن الحاضنة الاجتماعية للجيش الحر هي هؤلاء الأهالي.
أما لهذا الليل من آخر؟ ومتى ينبلج الصبح؟ ومتى يصحو الضمير العالمي لإيقاف الجرائم ضد الانسانية ومحاسبة المجرمين كيلا تكرر هذه الجرائم في أي بلد من البلدان؟
ولم يكن غريباً أن يكتب الشعراء عن هذه المجازر، فهذه أروى محمود من كندا وضعت على جدارها في الفيسبوك صورة مؤثرة للأهالي وهم يصلون صلاة جماعية على الجثث، وكتبت عليها الأبيات التالية:
صباحُ المسكِ يا حلبُ ***صباحُ المسكٍ لا عجبُ
فريحك عنبرُ الشهدا***وعطرك دم من ذهبوا
بمجزرة مروعة***لها التاريخ ينتحبُ
لكن الغريب هو ما ورد في وكالة الأنباء الرسمية بأن طائرات حربية إسرائيلية اخترقت المجال الجوي فجر الأربعاء وقصفت بشكل مباشر أحد مراكز البحث العلمي في منطقة جمرايا. الغرابة في هذا الخبر أن رد الفعل عليه لم يكن باتجاه المعتدي بل كان بمواصلة قصف المناطق السكنية في مختلف أنحاء سوريا، مما خلَّف دماراً كبيراً و 162 قتيلاً في ذلك اليوم!
الوسومالثورة السورية الجنة حلب المحررة