ما أزال أتابع كلام الدكتور البوطي بعجب شديد ، وكلما قرأت أو سمعت له مقالة في تأييد النظام أو شبهة أو طعنا في الثورة والثوار ازددت تذللا لله تعالى وتضرعا إليه أن يحفظنا من الزلل ، وتعوذت به سبحانه من أن نرد إلى أرذل العمر لكي لا نعلم من بعد علم شيئا، وتعوذت بالله تعالى مرة بعد أخرى من السلب بعد العطاء والحَور بعد الكَور .
وهو شعور يمتزج بالشكر له سبحانه أن أرانا الحق حقا ورزقنا اتباعه ، وشرح له صدورنا وأطلق بالدفاع عنه ألسنتنا ، وأن أرانا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه .
ويمتزج بالشفقة على رجل أفنى عمره في خدمة الشريعة أن يصير به الأمر إلى ما صار ، وأن يختم له بهذا الحال ، إشفاقا عليه وعلى مئات ما زالوا يتبعون زيف رأيه ويخدعون بزخرف كلامه .
وله ولكل من يتبع رأيه أحببت أن أخط هذا السطور وأنا أقول لعل هذه آخر مرة أكتب للرد عليه، كما كنت أقول من قبل ، ويأبى هو وأنصاره إلا إمعانا في الميل إلى الباطل وتأييده والطعن في الشعب والتنكيل به .
والعجب أن عقل هذا الرجل ما زال يدور في فلك قضية الخروج على الإمام وقضية المؤامرة على الإسلام ، لا حجة له في تحريم الثورة إلا هذه الأوهام.
وكأن هذا الحاكم إمام من أئمة المسلمين،
وكأن قتل ستين ألفا من المسلمين لا يسقط ولايته
وكأن تعذيب ربع مليون سجين لا يغير من وجوب طاعته
وكأن هدم قصف المساجد والمخابز والجامعات والبيوت والأحياء هو من وظائفه
وكأن ادعاء الألوهية فيه وإكراه الناس على السجود له يبقيه حاكما مطاعا متصرفا في رقاب العباد.
لقد تجاوزنا الخلاف في مسألة الخروج حتى صار الخروج واجبا والعزل متحتما ، بل إن الإثم كل الإثم هو في تأييده والتمكين له .
ومن أعانه على البقاء يوما واحدا في الحكم فقد ارتكب حراما يدخل في باب إعانة القاتل على القتل وإعانة الكافر على الكفر، وكلاهما من الموبقات المهلكات.
أيها الشيخ الجليل أفق من سكرك
واعلم أن ما يجري في سورية إنما هو مخطط نصيري – إيراني للقضاء على أهل السنة وإقامة دولة طائفية وحماية مصالح إسرائيل.
ما يجري في سورية إنما هو مذابح ومجازر لأهل السنة على أيدي مرتزقة مجرمين حاقدين نزعت من قلوبهم كل معاني الإنسانية.
ما يجري في سورية إنما هو حرب على الحياة وتدمير للحضارة
إنه مخطط انتقام تؤجج ناره أحقاد وأطماع لم تعد تخفى
فقد سقط القناع عن دعوى المقاومة
وذهبت أدراجَ الرياح حربُ الممانعة
حتى كلمة “العدو الإسرائيلي” أو “العدو الصهيوني” اختفت من كلام الرئيس في جميع الخطب منذ بداية الثورة .
إذ لم تكن إلا ألفاظا براقة وكلمات طنانة لا حقائق وراءها، الغاية منها الضحك على الشعوب واستغلال الثروات والتمسك بالحكم لتنفيذ مخططات الغرب في اقتلاع الإسلام من البلاد وإخضاع الشعب وإفقاره ونهب ثروات البلاد وحماية حدود إسرائيل والصد عن الجهاد في سبيل الله..
ظهر عملاء إسرائيل، وكشفت الثورة أن النظام ليس إلا خادما للغرب ووكيلا عنه في حماية مصالح إسرائيل أولا وتنفيذ سياساته ثانيا.
شعبنا واع للمخططات الدولية ولن يرضى بها ولن يخضع للإرادة الدولية والدليل على ذلك أن تلاعب الغرب بأمانيّ هذا الشعب وطموحاته ومنع المساعدات عنه وإعطاء الفرص للنظام المجرم لم يزد الشعب إلا نفورا من الغرب وإقبالا على الله تعالى وحده.
والمؤامرات الدولية على المنطقة مستمرة من أيام الدولة الإسلامية ولكن شعبنا لن يرضى أن يُستعبد ويذَل ويذبح باسم الدفاع عن الوطن أمام المؤامرات الدولية، والنظام نفسه أكبر شريك في تنفيذ هذه المؤامرات.
وهل طلب العون من روسية لقتل الشعب حلال وطلب العون من فرنسة حرام للدفاع عن النفس حرام؟ أي فقه هذا؟
أليست روسية عدوا للإسلام وكيف يخفى ذلك على أحد؟ إن لروسية من المصالح في المنطقة أضعاف ما لأوروبة. ومصالح روسية كانت سببا في حرب القرم الأولى والثانية مع العالم الإسلامي الذي كانت تقوده الدولة العثمانية، وهي الحرب التي خرج الدولة العثمانية منها ضعيفة منهكة حتى سماها الغرب الرجل المريض.
أو لم يكن حزب البعث والحزب الاشتراكي ألد أعداء الدين وأشد الأحزاب حربا على الإسلام ودوره في الحكم ووحربا على الشريعة ودورها في المجتمع والقانون؟ فكيف صار بقدرة قادر عندك راعيا لدين ومنافحا عن الإسلام!!!
أيها الشيخ الجليل أفق من سكرك
فإن في الشام يهبط سيدنا عيسى عليه السلام ومن إيران يخرج الدجال.
الغوطة فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى وقد بدأ أبطال الغوطة يمهدون الطريق ويصنعون البطولات ويخرّجون المجاهدين الذين سيصنعون تلك الملاحم بقدرة الله.
إياك أن تظن أن جيش بشار الأسد الذي نشأ على الكفر والمعصية والإجرام هو الذي سيحرر فلسطين ويعيد بناء أمجاد المسلمين.
بل سيذهب بشار وأعوانه أدراج الرياح وسيوصفون في كتب التاريخ بأسوأ الأوصاف شأنهم في ذلك شأن القرامطة وأشد.
أيها الشيخ الجليل أفق من سكرك
واستيقظ من سباتك
واطرد أشباح النظام من خيالاتك
وتأمل قول الله تعالى : {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}
وارجع إلى الصواب ولو كان حتفك ، وتمسك بالحق ولو كان فيه تلافك
فما زال في العمر بقية وفي النفس قوة
واعلم أن زَلة العالم ذِلة العالَم .
إن كانت تنقصك الحجة فارجع إلى الأدوات والآلات من العلوم كالمنطق فإنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر .
وإن كنت تحتاج إلى البصيرة وقد اختلطت عليك الأمور فارجع إلى الصالحين من عباد الله وما أكثر هؤلاء في الشام وكل واحد من هؤلاء أشار عليك بالعزلة والصمت .
وإن كنت تظن أنك غير محتاج إلى مراجعة ونظر ولا مفتقرٌ إلى رأي ومشورة فتلك هي طامة الطامات وأم البليات وهي دليل على أن الشيطان قد تحكم فيك وأن إبليس قد لبّس عليك فدخل عليك من باب الغرور بالعلم والإعجاب بالرأي .
فاشتغل بإصلاح نفسك واعلم أنها قد تمكنت منك واستعبدتك فصرت عبدا لهوى نفسك
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهوى ما تولى يُصْمِ أو يَصِمِ
أيها الشيخ الجليل
ما أكثر ما تتحدث في الخطب والدروس عن العبودية لله وأنت عبد هواك وأسير رأيك
قد أعماك هواك عن رؤية الحق ، وأسرك رأيك عن النظر
فأنت عبد النفس وهي سلطان عليك وصدق الله تعالى إذ يقول : {إن النفس لأمارة بالسوء} .
إن أشد ما تحتاج إليه هو في الظواهر هو تحرير العقل من الأوهام وإطلاق الفكر من القيود لإعمال القواعد وتحكيم الأصول .
وأشد ما تحتاج إليه في السرائر إنما هو من يخلصك من سلطان نفسك عليك ويخرجك من دائرة اتباع هواك
ولن تستطيع العمل بالأول حتى تبدأ من الثاني وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” .
أيها الشيخ الجليل
إن أشد ما يفتن الناس فيك ليس الحجة والبرهان فما لك منهما في هذا الموضوع أدنى نصيب ، وإنما ما تظهره من حال الصلاح والقرب من الله تعالى ، حتى صار الناس يشكون في كلام جبال العلم وأئمة الهدى ، وهذا هو باب الفتنة .
ولذلك يجب علينا أن نبين بأن أقرب العباد إلى الله هم أبعد الناس عن الظلمة
أقرب العباد إلى الله هم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر
أقرب العباد إلى الله هم الذين ينصرون المظلوم ويعينون الضعيف ويغيثون الملهوف
أقرب العباد إلى الله كما روي عن سيدنا علي كرم الله وجهه أقولهم للحق وإن كان عليه، وأعملهم بالحق وإن كان فيه كرهه
أقرب العباد إلى الله أنفعهم لعباد الله وقد تضرر بكلامك مئات الآلاف بل الملايين فضع نفسك حيث تضفعك هذه الأصول وزن نفسك بهذه الموازين لترى مكانك من الله تعالى.
واقرأ قول الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله في الحكم العطائية إذ يقول: إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر في ماذا أقامك.
فانظر في ماذا أقامك الله أيها الشيخ الجليل من موالاة أعداء الله والتعرض للمجاهدين في سبيل الله وابك على ذلك ليل نهار فيكفيك ذلك علامة على سخط الله تعالى والبعد عنه.
أيها الشيخ الجليل أفق من سكرك
ولا تختم عمرك بموالاة هذا النظام فإن الإنسان يبعث على ما مات عليه
ولا تمح ما قدمتَ من الحسنات بما أخرت من السيئات فتكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}
بل كن من الذين قال الله تعالى فيهم: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}.
واعلم أن الموت قريب وأن الناقد بصير وأن الله تعالى مطلع على كل صغير وكبير فأعد لذك اليوم مقالا وللسؤال بين يدي أحكم الحاكمين جوابا
فلا زيد يغنيك عنه يومئذ ولا عمرو ولا بشار يشفع لك ولا أبوه .