حكم التعامل مع الملاحقات الأمنية للمتخلفين عن أداء الخدمة الإلزامية
تعقيباً على بياننا السابق – الصادر بتاريخ 10/5/2012 – والذي أوضحنا فيه الأسباب والأدلة الشرعية التي تؤكد عدم جواز الالتحاق طوعاً بخدمة العلم الإلزامية في إطار الظروف الحالية في سورية، وردّاً على التساؤلات و الاستفسارات الكثيرة التي جاءتنا حول حكم التعامل مع الأجهزة الأمنية في حال الملاحقة للمتخلفين، فإننا بناءً على ما سلف من النصوص والأدلة الشرعية في البيان المذكور أعلاه، وبناءً على ما تقرر فيه من عدم جواز الالتحاق بالخدمة الإلزامية طوعاً نبين ما يلي:
أولاً: إن من تعرض للمتابعة من قبل أجهزة الأمن أو الشرطة المدنية أو العسكرية وغيرها بغية إلحاقه بالجيش جبراً، وجب عليه أن يدفع ذلك عن نفسه بما أمكن.
ثانياً: يجوز لمن تعرض للمتابعة المذكورة أن يردَّ ذلك عن نفسه بدفع المال ولا يعد هذا من الرشوة، وله في الصحابي الجليل صهيب الرومي أسوة حسنة وهو الذي فدى نفسه بما اكتنز من مال في مكة المكرمة يوم خرج مهاجراً إلى الله ورسوله و فيه نزل قوله تعالى :
“وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ” (البقرة 207)
وإن اعتُرِض على هذا بأن دفع المال فيه تقوية للظلمة فالجواب ما تقرر في القاعدة الفقهية:
“إذا تعارض مفسدتان روعِي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما” المادة 28 من مجلة الأحكام العدلية.
ثالثاً: إنَّ من تعرض للمداهمة أو الملاحقة على نحو فيه هلاكه إن امتنع، كأن يُطارَد بالقوة أو بالسلاح له أن يدفع ملاحقيه في إطار الضوابط الشرعية المتعلقة بدفع الصائل المودي بالنفس إلى التهلكة والذي قرر جمهور الفقهاء وجوب دفعه بما أمكن على التدرج، فيدفعهم بالأخف أولاً كالتخويف أو الضرب إن غلب على الظن أنه يمكن دفعهم به.
رابعاً: إن لم يمكن دفع الملاحِقين (بكسر الحاء) بالتخويف أو بالضرب أو غلب على الظن أنهم لا يندفعون إلا بالجرح أو القتل فللمدافع ذلك دون مراعاة التدرج المذكور.
خامساً: إن خاف الملاحَق (بفتح الحاء) أن يـبـْدُرَه الملاحِقون بالقتل – إن وجدت قرينة تؤيد ذلك كأن يُشهروا السلاح مثلاً- إن لم يسبق هو به فله ضربهم بما يقتل أو يقطع طرفاً ولا ضَمَانَ عَليه – عِنْدَ جُمْهُورِ الفقهاء- بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ.
سادساً: وجوب إعانة الملاحَقين(بفتح الحاء) وسترهم والدفع عنهم من باب دفع الصائل على الغير وفي هذا الباب نختم بحَدِيث عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
“المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَر مُسْلِمًا، سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَة” رواه البخاري ومسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
حرر في شام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بتاريخ 1/ رجب /1433 هـ
21/ 5 /2012