بقلم: صلاح الإمام
ماذا قامت الثورات العربية ؟؟
وما هي نتائج الاستبداد والظلم ؟؟
ماذا يحصل في مصر اليوم وفي الزمن السابق ؟؟
ماذا فعلت فينا الأنظمة العربية السابقة؟؟؟
ولماذا يقوم بعض الناصريين بالهجوم على الرئيس مرسي اليوم
ويقولون له انت من الاخوان أعداء عبد الناصر ويجب أن نفعل بكم اليوم كما فعل هو سابقا بكم من قتل وتهجير
ولماذا يقوم الناصريين اليوم بالهتاف بحياة بشار الأسد وتقدير اجرامه
أحد الصحفيين (والاعلاميين) الناصريين، والذى يعف قلمى عن ذكر اسمه، لكنه يقدم برنامج توك شو (بمفرده) خلفا لسيدة، زوجها صاحب قناة (التيت) للرقص، قال هذا الصحفى: “ما أحوجنا لعبدالناصر فى ظل الخضوع والإذعان الذى نعيش فيه”.
إنه يتحسر على عهد عبدالناصر، مثله مثل أغلبية رموز الصحافة والإعلام والسياسة فى مصر الآن، بل أصبح إعلامنا فجأة كله ناصري التوجه، رغم أنه قبل سنوات كان ذلك يعد من قبيل التهم التى يتعرض أصحابها للاضطهاد، وأنا هنا بصفتى من الذين انتموا لهذا التيار سنوات طوالا مغيبا متعاميا عن الحقائق، لابد أن أبرىء ذمتى أمام الله أولا ثم أمام الدنيا كلها، فلقد اكتمل عقلى، ونضج فكرى، واهتديت بفضل الله تعالى إلى أننى كنت ضالا فاستفقت، وهدانى الله الذى ما كنا لنهتدى لولا أن هدانا، وأحمد الله أنى قد استفقت قبل لقائه ، مؤكدا على أننى لا أنتمى لأى أحزاب أو جماعة أو ائتلاف، ولن يحدث هذا أبدا.
لقد عشت ردحا من عمرى وأنا مثل هؤلاء أرى فى عبدالناصر زعيما استثنائيا لن يأتى الزمان بمثله،
فلما تقدم بى العمر وازددت نضوجا واتسعت دائرة مداركى ومعارفى، وأخذتنى هواية البحث والتنقيب فى تاريخ الأمة، رأيت ما لم أره فى زمن (المراهقة المعرفية) من سلبيات وجرائم،
جعلتنى أنزل بعبد الناصر من على قمة التمجيد إلى أسفل درجات التحقير، وبدأت أرى حقيقة ما غاب عنى خلال عهد الهزائم والانكسارات،
وقتما كان يجلس على قيادة الجيش شخص أرعن هوايته مجالسة المومسات، وكل وقته ضائع بين الخمر والنساء.
عبد الناصر بنى المصانع وأقام المشاريع والشركات، لكنه بناها على أطلال المصانع والشركات التى أممها وانتزعها من أصحابها، والسؤال: ماذا لو أقدم الرئيس محمد مرسى اليوم على تأميم كل المصانع التى يملكها رجال الأعمال ـ وأغلبهم لصوص ـ وفتح أبواب هذه المصانع لتكون ملجأ لكل المتعطلين فيقبضون رواتب بلا عمل، ونفرح أياما بذلك، ثم نبكى سنين بعدما تخرب هذه المصانع مثلما خربت مصانع ناصر وانهارت من داخلها، لأنها تحولت إلى مأوى لكل المتعطلين غير الفاعلين؟.
بعد قيام ثورة يوليو عام 1952 قدم عبد الناصر القرابين (من لحم الوطن) للغرب لينال رضاءهم، فبدأت حكومته المفاوضات مع بريطانيا حول السودان فى 20 نوفمبر سنة 1952، وانتهت فى 12 فبراير سنة 1953، وقبل التفاوض مع الانجليز على الجلاء عن مصر، وكان هذا التصرف مقابل أن يختفى اللواء محمد نجيب عن صدارة المشهد، ويصبح عبدالناصر (34 سنة) هو رئيس وزعيم أكبر دولة عربية، وكان الثمن هو التخلى عن السودان التى كانت كانت جزءً من مصر، وفى أواخر سنة 1953، أجريت انتخابات برلمانية فى السودان صورية برعاية انجليزية، وتم سحب القوات المصرية من السودان عام1955 ، وهى جريمة تستحق المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، لأنه فرط فى ثلاثة أرباع الوطن.
ولم يقف الأمر عند هذا الأمر، بل لعب دورا قبيحا بعد ذلك، فساعد فى تسليح المتمردين بجنوب السودان، الذين انفصلوا بدورهم هم الآخرين فى دولة جديدة عام 2010 برعاية حسنى مبارك والبشير والقذافى، رغم أن هذه الأراضى كانت خاضعة للسيادة المصرية منذ عام 1838م، ويرفع عليها علم مصر.
ومع اتساع دائرة البحث، اكتشفت أمور رهيبة، فالزعيم الذى صدع رؤوسنا عن القومية العربية (وهى فى حقيقتها دعوى استعمارية خبيثة) كان يساعد ويدعم المتمردين الأكراد ضد العراق، وأيضا كان يدعم الهند ضد باكستان المسلمة، ويدعم اليونان ضد تركيا المسلمة، ويدعم الروس ضد دول الاتحاد السوفيتى الاسلامية .. فيا لهول ما اكتشفته متأخرا.
فى كل صراع يكون فيه الإسلاميون طرفا، نجد عبدالناصر يقف مع الطرف الآخر ضد الإسلاميين، فقد كان دوره محددا وواضحا، وهو مناهضة المد الاسلامى، تحت دعاوى (القومية العربية) تارة، أو تحت شعارات التقدم والنهوض وغيرها تارة.
راجعوا معى عهد عبدالناصر من خلال الصحف والسينما، ستجدون فى عهده كانت صور أغلفة المجلات مخصصة للعاريات العاهرات، وفى أفلام الخمسينيات والستينيات سنرى كيف كانت النساء يرتدين ملابس فوق الركبة بشبر أو أكثر، وكان إعلام الدولة موجها لنشر هذا الانفلات ورعايته وتشجيعه ونعته بالتقدم والتحرر، فأسس لهذه الموجه من الانفلات الأخلاقى التى تشهدها البلاد حاليا.
بعد مصرع السفاح محمود سليمان الذى روع مصر وقتها، خرجت جريدة الأخبار يوم 10 ابريل سنة 1960 بعنوان رئيسى كبير يقول:
مصرع السفاح
عبدالناصر فى باكستان
دون أن يقوم سكرتير التحرير التنفيذى بوضع خط يفصل بين السطرين، رغم أن السطر الأول كان بالأسود والثانى كان بالأحمر، إلا أن عبدالناصر قرأ الخبر على أنه هو الذى لقى مصرعه فى باكستان، وأنه أيضا هو السفاح، فغضب الزعيم (الديمقراطى) بشدة وأصدر قرارا تاريخيا بتأميم الصحافة فى الثالثة فجرا، ونفذ القرار بأسلوب الانقلابات العسكرية، ثم زرع فى كل جريدة رقيبا من أسافل الضباط المبتزين اللصوص.
وفى عهده حدث انهيار صخري أثناء العمل فى مشروع السد العالى، ولقى 300 مهندس وفنى وعامل مصرعهم، فأمر بعدم نشر الخبر، لكن جريدة الجمهورية نشرته على سبيل السهو، فتم إقالة رئيس تحريرها.
لقد شاهدت ـ على قناة خاصة ـ فيلم (الكرنك) يوم الأربعاء الماضى، وكأنى أشاهده لأول مرة، رغم أنى شاهدته قبل ذلك مرارا، لكنى كنت لا أهتم بمحتواه وأظنه افتراءات، شأن كل الأفلام التى صورت لنا ما كان يجرى من انتهاكات بشعة للحريات والحياة الخاصة للمواطنين. ومن هذه الأفلام: امرأة من زجاج، طائر الليل الحزين، العرافة … إلخ، شاهدت فيلم الكرنك فى هذه المرة بعيون الإنسان العادى المنزه عن الهوى، ورأيت كيف نجح السيناريست ممدوح الليثى فى نقل صورة حقيقية لتلك الأيام، وكدت أبكى وأنا أرى فى أحد المشاهد كيف كان الطيران الاسرائيلى يضرب العاصمة والمدن المصرية، فى ذات اللحظة التى كان فيها زبانية السجن الحربى من ضباط وعساكر يجلدون خيرة الشباب المصرى بالكرابيج، ويرفعون عليهم رشاشاتهم، لأنهم صرخوا فيهم وقالوا لهم: اتركونا نخرج نحارب عن بلدنا، فكان الرد مزيدا من الضرب والتعذيب على أصوات قنابل الطائرات الإسرائيلية التى تنفجر على بعد أمتار منهم (!)، فى السابق كنت لا أصدق هذا، لكنى مع البحث والتحرى، مع التدقيق والتمحيص فى كل ما كتب، وكل ما قيل، تيقنت من صحة كل هذه الوقائع.
لقد وضع عبدالناصر مادة فى دستور 1956 تحصن كل قراراته السابقة واللاحقة من الطعن عليها أمام القضاء، وأرسل احد غلمانه (الرائد سعد زايد) ليضرب فقيه فقهاء القانون فى مصر والعالم العربى الدكتور عبدالرازق السنهورى، يضربه بالحذاء فى مبنى مجلس الدولة الذى تأسس على أكتافه، وكافأ عبدالناصر سعد زايد فيما بعد فجعله محافظا للقاهرة، وفى عام 1969 كانت مذبحة القضاء، حيث تم إبعاد نصف مستشارى محكمة النقض، وتشريد ثلث قضاء مصر فى وظائف غير قضائية.
الزعيم حل مجلس نقابة المحامين عام 1954، بعد أن اجتمعت جمعيتها العمومية فى 26 مارس 1954، وطالبت الجيش بأن يعود لثكناته، فأقدم الزعيم على سابقة (تنضم لكومة سوابقه)، بحل مجلس النقابة، وعزل النقيب عبدالفتاح الشلقانى، وتعيين عبدالرحمن الرافعى نقيبا للمحامين، وهو المؤرخ الذى أفرط فى مديح الثورة وقادتها، ولما قبل التعيين كنقيب للمحامين بالمخالفة لكل الأعراف والقوانين، سقط من نظر الكثيرين.
لقد كانت مصر قبيل ثورة 52 واحة للديمقراطية، حيث الأحزاب المختلفة والصحف والمنابر، فلما جاء الزعيم حل كل هذه الأحزاب، وشكل تنظيما واحدا تحت مسميات مختلفة، مهمته الهتاف وتأليف الشعارات، حتى عند الهزائم والنكبات.
الزعيم ناصرهو الذى ابتدع نسبة 99.999% موافقون على أى استفتاء أو انتخابات تتم بشكل صورى، استلم مصر وحدودها فى الجنوب تضرب عند اثيوبيا، وحدودها الشرقية نهاية حدود قطاع غزة، فتركها دون السودان، ودون غزة، ودون سيناء، والعدو الاسرائيلى على بعد 50 دقيقة من القاهرة.
ترك مصر بعدما أسس لحكم عسكرى مستبد غاشم، مزق الوطن فتركه أشلاء، وترك جيشا مدمرا، وشعبا خانعا خائفا.
والحديث عن كوارث الزعيم لا ينتهى، ولذا فإنى أعلن ندمى على كل كلمة مديح وإشادة له ولعهده، وأعتذر لكل من هاجمته بضراوة من الكتاب والمفكرين العظام الذين انتقدوا عهد الزعيم، وعلى رأسهم المرحوم المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود، فى أعقاب مقال له بجريدة أخبار اليوم عام 1987 بعنوان “يسقط اليسار”، فقد كان محقا، وكنت أنا متجنيا على المفكر الكبير حينما رددت عليه بتحقيق صحفى مثير فى جريدة “صوت العرب” بعنوان “شربة الشيخ مصطفى محمود”، وأعتذر لكل من ناصبته العداء يوما ما بسبب دفاعى عن زعيم النكبات والهزائم .