سمعت من خطيب الجمعة أنه يعمل في أحد مكاتب دعوة الجاليات، وأنه لطالما أتاهم أناس أمضوا سنوات بين المسلمين لم يكلمهم أحد عن الإسلام، وأنهم لما سمعوا الهدى وتبين لهم الحق أسرعوا للدخول في الإسلام.
وأذكر أني قرأت عن استطلاع عالمي للرأي كانت نتيجته أن حوالي ثلاثة أرباع المستطلَعة أراؤهم لم يسمعوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. لكننا كثيراً ما نفترض أن الناس يعلمون عن الإسلام والمسلمين، مما يعني أننا نخلط بين خاصة الخاصة وبين العامة.
استوقفتني هذه الآية القرآنية (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ. ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)، فقرأت معانيها في مختلف التفاسير، فإذا بها نداء للرسول صلى الله عليه وسلم للاستجابة لأي من المشركين إذا طلب الدخول في جوار الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب في الأمان فالواجب إجابة طلبه ليسمع كلام الله ويطَّلع على دينه.
ثم ماذا؟ فإن أسلم فقد اهتدى، وإلا فالواجب إعادته آمناً من حيث أتى، وبذا تقوم عليه الحجة. ويقرر ربنا سبحانه وتعالى في نهاية الآية أنهم قوم لا يعلمون، فهم جاهلون بحقائق الإسلام، ومحتاجون إلى سماعها، فربما اختاروا الإسلام إذا زال جهلهم.
وهذا إعلام لمن لا يعلمون، وإجارة لمن يستجيرون، وتسهيل لهم لمعرفة ما أُنزل. يتعلمون وهم آمنون، فإن قبلوا فذاك هو المطلوب، وإلا فيجب إعادتهم إلى أن يبلغوا مأمنهم.
والعجيب أن هذه الآية هي من آيات سورة التوبة، السورة التي نزلت فيها تشريعات الحرب، فإذا كانت هذه طريقة التعامل وقت الحرب فكيف تكون المعاملة في حالات السلم؟
وأرانا اليوم نغفل عن كثير مما يجب علينا فعله. فغالبية الناس في أصقاع الأرض لم يسمعوا شيئاً عن الإسلام، إنما يصرُّ بعضنا ويقول بأنهم يعلمون الدين الحق ولكنهم يتبعون أهواءهم، في حين تقرر الآية الكريمة (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ).
ولا تقتصر أحكامنا على البعيدين فقط، بل تمتد لمن يعيشون بيننا. فيظن كل واحد منا أن ما يعلمه هو معلوم بالضرورة لغيره. والأمثلة كثيرة، فبعد انتظار في البنك حتى جاء دوري فاجأني الموظف بعدم إمكان عمل ما جئت من أجله لتأخر الوقت، وأضاف بأن هذا معروف للجميع! فسألته: هل كنت تعرفه أنت قبل عملك هنا؟ فسكت وظهرت علامة الإحراج على وجهه.
وفي نقاش مع صديق حول إحدى المسائل الفرعية في الدين ذكر رأياً وقال لي: هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة! فقلت: على رِسْلِك! المعلوم من الدين بالضرورة هو ما يعلمه أي مسلم، وأنا لم أعرف هذا إلا منك الآن! فكيف بعامة الناس؟ وعلى المستوى الشخصي، تفاجأت مرة بأن أحد أفراد الأسرة لا يعرف عن أمر من الأمور التي مرّت بنا، فسألته: كيف ذاك؟ فقال مبتسماً: أنا مولود بعد تلك الواقعة! فلنتذكر قول الله تعالى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)، ولا نفترض أن الناس يعلمون ما نعلم.