في عصر اختلط فيه حابل الناس بنابلهم ، وتشابكت الدعاوى وكثرت الادعاءات يحتاج الموقف من المشروع الصفوي المقيت إلى كلمة تفصل الحق من الباطل ، وتنادي على المجرمين الذين تسللوا منذ أكثر من ثلاثين عاما تحت راية الإسلام ، والتحفوا عباءته ، ورفعوا شعاراته : (( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ … )) .
لقد التبس وما يزال على كثير من أبناء أمتنا حقيقة موقف أبناء الحركة الإسلامية من المشروع الصفوي الإيراني وأشياعه في المنطقة . وما زال الكثيرون يحسبون ويكتبون ويقوّمون هذا الموقف في سورية على انه ملتحم مع المشروع الصفوي الإيراني أو ملتحف به أو محسوب عليه ايديولوجيا أو ظرفيا بحكم التبعية لمن يفترض أن يكونوا لإخوة وأصدقاء.
فحين يلاحظ البعض العلاقة التي تربط بين أطراف من الحركة الإسلامية في هذا القطر أو ذاك وبين القائمين على هذا المشروع المقيت ، يجرون قياسهم الخاطئ على قاعدة أن ( صديق صديقي صديقي ) . نكتب هذا المقال ليشجب هذا التصور ، وليبين أنه تصور بعيد كل البعد عن الواقع ، مجاف للحق والحقيقة .
أحيانا يحاول البعض أن يجد من شواهد الموقف التاريخ ما يدعم دعوى هذا الإلحاق الظالم في ما أصر عليه المشروع الإسلامي المعاصر في سورية وفي غيرها من بلاد الإسلام من رفض للانغلاق المذهبي . والتعصب الطائفي . حين نظروا إلى ثورة ملالي طهران أول يومها على أنها ( ثورة إسلامية ) بحق . وأنهم أرادوا كما أراد الكثير من المسلمين أن تتحول الدولة التي أطلق عليها ( الجمهورية الإسلامية ..) إلى حامل صدق للمشروع الحضاري الإسلامي المعاصر ، الذي كان يحلم الجميع بنصرته والانضواء تحت لوائه ؛ ولكن لم يطل الزمن حتى اكتشف كل العقلاء أن الأمر في طهران قد أصبح بيد فريق مذهبي منغلق ومتعصب لا ينتمي إلى الإسلام الحق بروحه السمحة ومشروعه المتعالي عن كل السفاسف ، كما لا ينتمي إلى العصر بمعطياته الإنسانية والمدنية والسياسية ؛ فطوى جميع العقلاء في العالم الإسلامي وفي سورية جنبا على الفجيعة ، ولاذوا زمانا بالصمت يقولون عسى ولعل يجد القوم من انفسهم ناصحا ينصحهم ، وهاديا يرشدهم ولكن هؤلاء المتعصبين كانوا كالمتخبط في وحل المستنقع كلما ازداد تخبطا ازدادا انغماسا فيما هو فيه . ثم ليكتشف أصحاب النظر أن ما ظنوه تخبطا إنما هو مشروع مخطط مدروس كسائر المخططات الهدامة التي غزت بلاد العرب والمسلمين . بل لعله كان المشروع الأشد خطرا لما تستر به من شعارات ( حب آل محمد ) صلى الله على محمد وآله ، وما رفعه من عناوين حول الأقصى والقدس وفلسطين .
إنه منذ الحرب القاطعة الظالمة التي شنها أصحاب هذا المشروع على العراق ، والتي راح ضحيتها عشرات الألوف من الشعبين الجارين ؛ لم تتوقف حرب الصفويين هؤلاء على هذه الأمة .
نذكر بالدور المريب الذي لعبه أصحاب هذا المشروع في احتلال أفغانستان أولا ، ثم في احتلال العراق ، ثم في المجازر المشينة التي ارتكبها أشياعهم ضد أبناء العراق في ظل قوات الاحتلال ، ثم بمشروعهم الخطير في لبنان حيث شكلوا ميليشيا طائفية تحت عباءة المقاومة ، مشروعهم الذي لم يتنبه الكثيرون لخطورته إلا بعد أن أشهروا ( سلاح المقاومة ) في وجه أبناء لبنان ، والذي يذبحون به اليوم أبناء الشعب السوري على أرضهم وفي عقر دارهم .
لا يمكن لمسلم ولا لعربي وهو يفكر بطبيعة علاقته بهؤلاء أن ينسى احتلال الصفويين لإقليم الأحواز العربي الغني بنفطه المتميز بموقعه . وإصرارهم على احتلال الجزر العربية التابعة لدولة الإمارات العربية . ثم سعيهم الدؤوب لإثارة الفتنة في البحرين . وتسعير الحرب الأهلية في اليمن مع التهديدات العنترية المستمرة للدولة والإنسان العربيين بلهجة شعوبية مقيتة
إن الحرب المكشوفة والمباشرة التي يخوضها أصحاب المشروع الصفوي وزعانفهم في المنطقة ضد الشعب السوري تكشف بطريقة لا لبس فيها عن الوجه الحقيقي للمشروع الطائفي المرتكس حيث يمد مخالبه وأنيابه من العراق إلى الشام ولبنان ومن البحرين إلى اليمن دون أن ينسى التهديد لكل الجارات العربيات على كل صعيد.
لقد أسفر الصبح لذي عينين ، وسقطت كل دعاوى المقاومة والممانعة الكاذبة . وبدا واضحا ان هذا المشروع الصفوي المذهبي المنغلق يشكل تهديدا وجوديا للأمة العربية والمسلمة . ويعمل على تحقيق حلم امبراطوري كسروي جوهره نقض الإسلام والهيمنة على بلاد العرب والمسلمين مذهبيا وثقافيا وعسكريا وسياسيا. أصبح هذا بالنسبة إلينا على أرض الشام حقيقة لا يماري فيها إلا الجاحدون للحقائق المتهربون من مواجهة استحقاقاتها .
ندرك اليوم أن هناك دولا وحركات وقوى عربية وإسلامية ما تزال تبذل لأصحاب هذا المشروع الهدام والخطير شكلا من أشكال الولاء . نسمع من البعض يزعم أنه يواليهم ولاء ضرورة . والبعض يزعم أنه يواليهم ولاء احتواء . ويعترف فريق ثالث أنه ما زال يحتفظ بقليل أو كثير من حسن الظن فما يزال يجادلنا فيه.
ننادي على أبناء أمتنا أجمع أن المشروع لا يقابل إلا بمشروع . وأنه لابد لأحفاد أبطال القادسية أن يستعيدوا وعيهم وأن يوحدوا صفهم وأن يردوا الكرّة على هؤلاء الذين أعلنوا عليهم حربهم .
إننا نؤكد أنه لا يمكن أن تربطنا أخوّة أو عمومة أو خؤولة بمن يجامل في أعراضنا ، أو في دماء أطفالنا ، أو في عمران ديارنا . بل بئست الأخوة والعمومة والخؤولة تلك . وأصحاب المشروع الصفوي بعداوتهم نعاديهم ونعادي من يواليهم …