يسأل كثير من الناس: لماذا تأخر النصر على أهل سوريا وقد ظُلموا وأُخرجوا من ديارهم بغير حق، وراح منهم مائة ألف ضحية، وسُجن ضعف هذا العدد؟
لا أحد يملك الجواب، سوى المشاركة في التحليلات ودراسة الواقع ومقاربة الآراء. وكل ذلك وراءه حكمة ربانية قد تتبدى للناس وقد لا تظهر.
ربما تأخر النصر لأن الناس لم يبذلوا كل ما يستطيعون للحصول على النصر. وربما تأخر لأن الناس مازالوا غير مستعدين لما بعده، وغير قادرين على حماية ذلك النصر. وربما تأخر النصر إلى أن ينكشف الطغيان والظلم كاملاً أمام الناس كلهم، حتى إذ ذهب لا يأسف عليه أحد.
وربما تأخر النصر لأن الناس لما يتجردوا بعدُ من حظوظ النفس، فلابد من التمحيص. وربما تأخر النصر لأن بعض الناس مقصرون في صلتهم بالله. وقد أعجبتني حملة يقوم بها بعض الشباب، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بعنوان (سأترك معصيتي لينجو بلدي) منطلقين من الآية الكريمة (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، حيث تنادي الحملة كل واحد ليعاهد الله بينه وبين نفسه بأن يترك ذنباً من ذنوبه قائلاً لنفسه (معصيتي هي سبب من أسباب محنة بلدي).
وربما تأخر النصر إلى أن يدرك الناس جميعا ضرورة التمسك بالقيم والاستقامة على منهج الله القويم بعد النصر، فلا يطغى أحد، ولا ينحرف أحد عن الحق والعدل والخير. وربما تأخر النصر حتى يعرف الجميع النتائج الوخيمة للظلم فلا يكونوا بعد النصر مثل الطغاة. وربما تأخر النصر حتى يكون الناس أهلاً لأن يرثوا الأرض فينشروا العدل والحرية والمحبة والإخاء ومبادئ الإنسانية.
(قالَ موسى? لقومِهِ اسْتعِينوا باللَّهِ واصْبِروا. إِنَّ الأرضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يشاءُ مِنْ عبادِهِ. والعاقِبَةُ للمُتَّقينَ. قالوا أُوذينا مِن قَبْلِ أن تأْتيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا. قالَ عسى? ربُّكُمْ أن يُهْلكَ عدُوَّكُمْ ويَستَخْلِفَكُمْ فِي الأرضِ فيَنظُرَ كيفَ تَعْملونَ).
فما أنتم عاملون بعد أن يتم النصر؟ وماذا تريدون أن تُروا الله من أنفسكم وأعمالكم وتصرفاتكم وأحكامكم ومبادئكم وعدلكم ومحبتكم وإنسانيتكم؟